نتنياهو يعبث بأقنعتهم…!
علي قاسم
رئيس تحرير «الثورة» ـ سورية
لم نسمع صوت معارضة الرياض على استفزازات نتنياهو حول الجولان، وقد اعتلى المنصة بعباءتهم… وللأمانة لا نعتقد أنّ هناك سورياً واحداً كان ينتظر أن يسمع رداً أو توضيحاً أو إدانة من هذا الوفد ولا من مشغّليه، فقد نطق بما عجزوا… وتحدّث بتمنياتهم وما أضمروا لعقود خلت.
لكنه ماء الوجه الذي نجزم أنّ التصرفات «الإسرائيلية» سفكت آخر ما تبقى فيه، فأماطت اللثام عن أقنعة تهتّكت وأسقطت ورقة توت تمزقت، بعد أن ارتدى رداءهم من الخليفة البغدادي إلى ممثليه في فنادق الرياض، ليكونوا على الضفة ذاتها مع «الإسرائيليين» وفي المركب نفسه مع المشيخات، وأنّ العداء مع «إسرائيل» لم يكن في الماضي، ولن يكون في الحاضر، وهذه هي المهمة الفعلية لمعارضة الرياض.
ورغم صعوبة التصديق، لكنها الحقيقة المرّة، ورغم استحالة التفريق بين ما يجري هنا وهناك، فإنها الوقائع التي تقول بالتفصيل ما كانت تعتقد أنه لا يجوز قوله.. أن تشرح ما اعتدنا على اعتباره لا يحتاج إلى شرح، وإلى تفسير ما نجزم جميعاً أنه ليس بحاجة إلى ذلك الشرح، فكل شيء واضح وصريح، والفارق كان فقط في التوقيت.
فالسؤال اليوم الذي يبدو محورياً.. هل أراد نتنياهو أن يُحرج مرتزقته من الإرهابيين، وأن يضيّق الخيارات أمام المشيخات، أم أنه كان بالعكس يوجّه الرسالة التي انتظروها طويلاً ليعلن أنه معهم على الخط ذاته.. وعلى الموجة التي يريدون… وأنّ الضغط والاستفزاز الذي يمارسه يهدف إلى قلب الطاولة، وإعادة خلط الأوراق التي صعب على الأميركي فرزها، واستحال على أدواته الإقليمية البتّ فيها، فكان لا بد من الاستنجاد بـ«الإسرائيلي» ليكون المنقذ على طريقته وبأسلوبه في محاكاة النتائج النهائية لما شهدته المنطقة؟!
الخطأ هنا ليس فردياً من الأميركيين، والخطيئة ليست الوحيدة من المشيخات ومرتزقتها من الإرهابيين الذي أرادوا أن يلبسوا لبوس المعارضة عنوة، وأن يجسّدوا دور الحريصين على الشعب السوري وقد بان في التخندق مع أعدائه، بل في مقاربة كارثية جماعية لأوراق عمل المرحلة المقبلة، حيث ليس بمقدور أميركا أن تطرح خطتها البديلة من دون هذا النوع من التصعيد، ومن دون هذه الفوضى التي تعمّدتها الاستفزازات «الإسرائيلية».
هذا يقودنا إلى حقيقة بات لزاماً أن تُعلَن ومن دون أيّ مواربة، وهي تتقاطع مع كلّ ما جرى، أو هي مدفوعة في بعض تفاصيلها مع هذا الفجور السياسي والمجون الانتهازي الذي يجري، ومفادها أنّ هذه المعارضة التي يريدون فرضها عنوة ليست معارضة، بل مرتزقة وثلة من خونة، ولا يمكن تحت أيّ مسمّى أن يقبلهم أيّ سوري، ولو بعد حين، وهم لا يمثلون إلا أجندات من يموّلهم ويستضيفهم، وبعد الاستفزاز «الإسرائيلي» وصمتهم المطبق وقد بلعوا ألسنتهم باتوا في عرف كلّ سوري حفنة من خونة، دائماً تمرّ في حقب التاريخ المختلفة.
ووفق تلك المقاربة التي غزت ألسنة السوريين تساؤلاً واستنكاراً واحتجاجاً على ما بدر منهم، بات من الواضح أنّ الجلوس على طاولة المفاوضات أو التعويل عليها ضرب من العبث السياسي الذي لا طائل منه، بدليل أنّ ما سُمّي وقف الأعمال القتالية لم يكن سوى محطة لإعادة التسليح والتجهيز، وتعويض جوانب النقص الكامنة، والأهمّ كان وقف اندفاعة الجيش السوري ميدانياً، وهو أمر لم يُخفِه الأميركيون، بل قالوه لتلك المعارضة أنّ مرور بضعة أشهر أخرى على هذا الحال لن يُبقي لهم ما يتفاوضون حوله.
وهذا أيضاً ما يتقاطع مع دعوات الإرهابيين الواضحة التي يحاولون الانسحاب منها، أو تدوير زواياها بطريقة فجة ومكشوفة وهزلية، حيث صفقات التسليح الأميركي الآتية عبر الأردن وتركيا باتت في حوزتهم، وتجميع إرهابييهم وحشدهم وصل إلى ذروته، والجولة المقبلة من المعركة مقبلة لا محالة.
الحضور «الإسرائيلي» أبعد من عبث بتلك الأقنعة.. وأكثر من تمزيق لأوراق وإظهار للعورات، وفي نهاية المطاف ليس وليد رغبة في استثمار التوقيت واللحظة الفاصلة بين حقبتين وطورين بقدر ما هو تعبير عن تكامل للأدوار بين جوقة العدوان وإعادة توزيع للمهام الوظيفية التي تقتضيها رحلة العودة إلى المربع الأول.
ما شهدته سورية لم يكن أزمة اختلاف بين السوريين حول نظامهم السياسي، بل هو في موقع هذا النظام السياسي واتجاهه ومحدداته.
والمعضلة ليست في حل سياسي متثائب وغائب، بل في مواجهة مفتوحة مع الإرهاب ومفرزاته، ومع رعاته ومموّليه بأشكالهم المختلفة بدءاً من الاحتلال «الإسرائيلي» القائم، وليس انتهاء بالأطماع الغربية التي تستثمر في وجوده وتداعياته، مروراً بدول إقليمية وظيفية، راهنت وعوّلت ولا تزال تجزم بأن وجودها ومستقبلها، كما هو حاضرها، مرتبط بنتيجة هذه المعركة المفتوحة، وإن كان التاريخ يقول دائماً إن تلك النتيجة معروفة محسومة، حتى لو طالت جولة هنا أو بعضاً من جولة هناك.
تنشر بالتزامن مع الزميلة «الثورة» ـ سورية