جنيف ولقاء روحاني ـ أردوغان… إدارة المخاطر
عامر نعيم الياس
عزلت الدول الإسلامية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المؤتمر الأخير لمنظمة التعاون الإسلامي. فالسياسة السعودية في المنطقة أخيراً وفي سياق بحثها عن مخارج، استطاعت إعادة رسم حدود نفوذها «الإسلاموي العروبي» في المنطقة انطلاقاً من ركيزتين أساسيتين: الأولى، العلاقة مع مصر التي سلّمت سيادة جزيرتَي تيران وصنافير إلى الملك سلمان بعد أن سفح الدم المصري دفاعاً عن الجزيرتين اللتين قال عنهما السيسي إنهما سعوديتان، من دون أن تنبس المملكة ببنت شفة. فهذا ما قاله «صاحب السيادة» الرئيس المصري استناداً إلى وثائق «رسمية» من أرشيف «الحكومة ووزارة الدفاع والاستخبارات المصرية».
لن ندخل في «كامب ديفيد» وتطوير الاتفاق ليشمل في ترتيباته السعودية. ولن ندخل مفصّلاً في تحويل مضيق تيران المدخل الوحيد لإيلات والعقبة إلى آسيا وأفريقيا، إلى مضيق دولي تتحكم فيه القوانين الدولية وليست تلك الخاصة بالسيادة المصرية.
اشترى الملك السعودي الموقف المصري بجدارة ومن دون أيّ مواربة، في خطوةٍ ليست اعتباطية في توقيتها، وليست ناتجة عن يأس وتخبّط، تحييد مصر يتكرر مرةً أخرى، وبورقة «كامب ديفيد» من دون الإشارة إليها بشكلٍ مباشر.
في تركيا، وفي مؤتمر «منظمة التعاون الإسلامي» انسحب الرئيس الإيراني من الجلسة الختامية ومعه وفده. هذا ليس أمراً عرضياً من الإيرانيين الذين يعرفون بالاتزان وبهدوء الأعصاب، والذين فاوضوا «الشيطان الأكبر» وفق توصيفهم للولايات المتحدة بشكل مباشر أو غير مباشر طوال 15 سنة من دون أن يرفّ لهم جفن ومن دون أن ينسحبوا. في ظل تهديدات واشنطن باستخدام القوة ضدّ يران وانتقادها اللاذع، إلى جانب أعضاء ومفاوضي مجموعة «5+1» لنظام الحكم في إيران «نظام الملالي» وفق التوصيف الغربي.
انسحاب الرئيس روحاني تلقفه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان داعياً نظيره الإيراني إلى لقاءٍ في أنقرة، وهذا ما حصل. حاول اللعب مع الطرفين: السعودية وإيران، بين القصر الرئاسي والمطار الدولي باستقباله الملك السعودي. أرضى الرئيس التركي الطرفين، وإن كان السعودي أكثر رضاً، سايره الرئيس روحاني وأبرم معه صفقات اقتصادية لتطوير العمل بين الشريكين الإقليميين إلى أبعد الحدود، فيما المواجهة المستجدة والعنيفة في سورية وتحديداً في حلب بين الدولتين تحتل اهتمامات الدوائر السياسية والإعلامية في الغرب، ولا يغفلها الطرفان لكنهما يتجاوزانها باتجاه الأهم، أي إدارة الصراع في المنطقة كون المشتركات الثنائية لا يمكن أن تتحوّل بين دول ترث إمبراطوريات فجأةٌ إلى صراعٍ دامٍ وعداء وحرب معلنة مشرّعة الأبواب.
إن «حلب المعقدة» مصطلح بات يؤسس لمرحلة الكباش السياسي والعسكري حول سورية. فالتحجج بالتعقيد يضع الصراع بين الأطراف على الأرض السورية تحت سقف الإرادة الدولية بحيث لا يتم اختراق خطوط التماس بشكلٍ قد يؤدي إلى تفجير الصراع، بل إن التقاتل يبقى في سياق إدارة اللعبة الدولية الإقليمية في سورية وعليها.
ما سبق من إدارة إيرانية ـ تركية، وروسية ـ أميركية للصراع والمخاطر، يفسّر انسداد أفق الجولة الحالية من جنيف وطلب وفد الرياض من المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا تعليق مفاوضات جنيف، وخروج ما يسمّى «فصائل الثورة السورية» ببيان يطالب وفد «المعارضة» هناك بالانسحاب من المفاوضات كون «وفد النظام غير جدّي في مقاربة الانتقال السياسي والملفات الإنسانية».
ما مصير جنيف؟
في ذروة التفاوض حول سورية لا مجال حالياً لدفع التفاوض قدماً بين السوريين أنفسهم. فالوقت لم يحن بعد. المهم أن المنصّة حاضرة في أيّ وقت تودّ فيه الأطراف العودة إليها، فيما الحلّ حالياً ينصبّ على محاولة فك التعقيد القائم في حلب تحديداً بالوسائل الدبلوماسية ورسائل حسن النية السياسية، وإلا فإن الهدنة سيتم تعليقها أسوةً بتعليق الجولة الحالية من جنيف التي لن تصل إلى أيّ نتيجة حتى لو طلب دي ميستورا من وفد الرياض التريّث في طلب تعليق التفاوض.
كاتب ومترجم سوري