هل مقاتلو تنظيم «داعش» متديّنون حقاً؟
في تقرير نشره موقع «بروكينغز»، يحاول أندرو ليبوفيتش الوصول إلى علاقة التدين والجهل بالدين والتطرّف. ويذكر بداية أن المادة المنشورة هي محاولة ضمن مشروع «بروكينغز» «إعادة النظر في الإسلام السياسي»، والتي وجهت مجموعة تساؤلات للعلماء المسلمين وغيرهم كمحاولة للوصول إلى البؤر التي ينبغي الانتباه والعمل عليها لمعالجة التطرّف.
يقول الكاتب إن إولئك الذين يحاولون فهم التطرّف وعلاقته بدور الإسلام في الحياة العامة هم بصدد قضية أكثر جدّية لطالما تصدّرت النقاش في هذا الشأن، ألا وهي قضية التربية الإسلامية والتعليم الديني، ودور الهياكل التنظيمية الدينية بدءاً من الصوفية وصولاً إلى السلفية، وما بينهما في احتواء الممارسات الإسلامية وتشكيلها. ويؤدّي بنا هذا إلى السؤال المحيّر، ما إذا كان «داعش» إسلامياً أم لا؟
«داعش»… إسلاميّ؟
وفقاً للتقرير، فقد أظهرت التسريبات مؤخراً لكميات هائلة من الوثائق الداخلية لـ«داعش»، وأن غالبية مجنديه الأجانب ضعيفو الثقافة الدينية، فقد احتوت الوثائق على بيانات شخصية وخلفيات المجندين ودوافعهم للانضمام إلى «داعش»، وبفضل المجهودات الاستثنائية المضنية للصحافيين في البحث خلال تلك الوثائق، ولعل أبرزهم ياسين مشربش الصحافي في مجلة «دير شبيغل» الألمانية الذي دقّق البحث في 3000 وثيقة مسرّبة، وكشف عن أن السواد الأعظم من مجندي «داعش» ثقافتهم الدينية ضعيفة، وقليلون منهم بالكاد تلقوا أيّ تعليم عن الشريعة الإسلامية.
ويرصد التقرير أن هناك جدلاً كبيراً حول تداخل العقيدة مع تجنيد الجهادين. وربما تظهر الاستنتاجات من تلك الوثائق أن «داعش» ومجنديه ربما يطبقون الدين بشكل تهكمي، وليس هناك علاقة بين ممارسات «داعش» والدين الإسلامي. إلا أن هذا التفسير غير مبرّر وسط أدلة أخرى، بل يتخذ منهجاً مبسطاً للغاية في فهم تعقيدات الشريعة والمعرفة الإسلامية في العموم، وفقاً للتقرير.
يعتقد الكاتب أن الضعف النسبيّ في معرفة أي شخص بالشريعة، ليس معياراً لقياس تدينه إذ إن المعرفة المتعمقة بالشريعة الإسلامية ليست أمراً شائعاً بين المسلمين الملتزمين، لكن ذلك المعتقد يبدو شائعاً لدى الدخلاء على المجتمعات الإسلامية، فقد بني التراث الأكاديمي للمستشرق على دراسات مكثفة للنصوص التي كتبها العلماء والمثقفون المسلمون والبحث في تخريج الأحاديث وتفسيراتها، ومن بينهم جوزف سكاتش، ووائل حلاق باختلاف آرائهم وتباينها.
فخلاصة القول هنا إن الدراسة المتعمقة في الشريعة الإسلامية، لم تكن أبداً شائعة بين المسلمين العاديين الملتزمين، إنما التزم بها فقط العلماء الذين كرّسوا حياتهم لدراستها. فالمعتقد الديني يظهر بالأساس في الممارسات أكثر من كونها تطبيق أحكام وقوانين، يضرب الكاتب المثل في نقد إيمان الفرد استناداً إلى عمق معرفته بالشريعة، أنه اشبه بانتقاد مواطن لا يعرف ماهية المؤسسة المدنية في الدستور لمجرد أنه لم يدرس القانون، على الرغم من أنه يمارسها ويشعر بها.
ويرى الكاتب أن معرفة مجندي «داعش» الضئيلة نسبياً بالشريعة قد تعني احتمالات كثيرة، قد تعني أحياناً ـ وليس بالضرورة دائماً ـ جهلهم بأساسيات الدين فأسباب انضام المجندين إلى «داعش» تتباين وتتداخل، منها السياسية، ومنها الاقتصادية، ومنها العقائدية. مؤكد أنه ربما يكون أحدنا متحمساً ومثقفاً ويؤمن بعدالة قضية «داعش» في حين معرفته بالشريعة ضعيفة. ويبدو أن «داعش» يسعد بترويج تفسيراته وبثّه نصوص الشريعة، إلا ان الكاتب يضيف: «على الأرجح أن المنضمين إلى التنظيم كانوا يميلون إلى دعم تفسيرات داعش مسبقاً».
اختلاف في الفهم
ثم يحاول الكاتب عرض بعض الأراء لتنظيمات مختلفة في قضية التدين والتطرّف، يذكر ما قاله عمرو دراج، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، عمرو دراج في مشروع «بروكينغز» لإعادة النظر في الإسلام السياسي، إن أحد التحديات التي تواجه المحللين الغربيين في فهمهم للحركات الإسلامية هو تقبلهم دور الإيمان في تشكيل أفعال أعضاء الحركات الإسلامية. يصعب تعريف الإيمان وقياسه كفئة تحليلية، ولعل ذلك هو أحد أسباب اتجاه العلماء المستشرقين للمصادر الملموسة التي يمكنهم الاعتماد عليها في تحليلاتهم.
ويرى المقال أن دراج قد حاول أن يرفع من أهمية حجته بتميزه بين الإيمان في منهج الإخوان المسلمين والإيمان في التنظيمات الأخرى كتنظيم «داعش»، فيقول إن مزيّة تنظيم الاخوان المسلمين أنهم يفضلون الإيمان على النفعية، مع أنهم لا ينكرون الأخيرة تماماً. بينما باقي التنظيمات الإسلامية مثل تنظيم «داعش» يفضلون المنفعة والمصلحة على الإيمان نفسه، إلا أنهم أحياناً يهملون قيمة الإيمان تماماً في سبيل المنفعة.
ويعقب الكاتب على رأي دراج أنه سواء كان صحيحاً أم لا من الناحية المؤسسية، لا يمكن بحال من الأحوال تجاهل دور الدافع الديني في تحريك مجندي «داعش». لربما هو إيمان لا يعتمد على ثقافة دينية بعينها، وربما هو إيمان يرفع من شأن بعض التفسيرات على حساب أخرى. ويرى الكاتب أن دراج وقع في الخطأ نفسه الذي يقع فيه منتقدو تنظيم الإخوان المسلمين فكما يدّعي دراج غياب الإيمان في دوافع مجندي «داعش»، يفترض مجندو «داعش» أن منهج الإخوان المسلمين يستخدم الدين كأداة لتحقيق أهداف سياسية ولا يحركة الإيمان بالأساس.
مواجهة التجنيد
يذكر الكاتب أنه نظراً إلى أن المجندين الجهادين المنضمين إلى «داعش» تعوزهم المعرفة بالدين الحقيقي، رأى عدد من الشخصيات على مرّ السنين أن التصحيح الشامل، إنما يأتي من خلال تربية إسلامية أفضل على المبادئ المعتدلة ظاهرياً. ومن بين تلك الشخصيات ملك المغرب وروبرت لامبرت ـ أحد قيادات قسم مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية السابقين، ورئيس وحدة الاتصال بالمسلمين ـ وعدد من أئمة المسلمين. وقد يبدو هذا التوجه مثالياً، إلا أنه يغفل بعض الجوانب، وفقاً للكاتب. فعلى سبيل المثال، ربما تعرف المجندون على تلك المبادئ المعتدلة قبل تجنيدهم ورفضوها، وليس أنهم لم يتعرفوا عليها من الأساس. إضافة إلى أن سعي أميركا وأوروبا وحكومات الدول الإسلامية إلى ترقية بعض الأئمة الوسطيين، أفقدهم المصداقية لدى ضمهم للبرامج الحكومية.
الفساد والاستبداد
ويقول الكاتب في ختام مقاله إن كل التساؤلات السابقة حول التعليم الإسلامي وغيره هي سياسية في الأساس فعلى رغم أن قادة الدول والمجتمعات الإسلامية يريدون ردع التطرّف والعنف، فإنهم يجتهدون في فرض السيطرة على الكيانات والقيادات الدينية، وبالتالي فرض سيطرتهم على المؤمنين في كل كيان. فعلى سبيل المثال بذلت كل من تركيا والجزائر والمغرب مجهودات كبيرة للسيطرة على المساجد، وتعيين أئمة للمساجد تابعين للحكومة، وذلك تحت ستارة مناهضة التطرّف، إلا أن الكاتب ذكر أن القضية هنا ليس فعالية مثل تلك المبادرات ـ فذلك قد يتطلب بحثاً آخر ـ إنما الأمر الأهم أن تلك المبادرات لا تعمل فقط على تسييس التعليم الإسلامي والمناهج، بل تعمل كأداة للسياسة الخارجية للحكومات لتعزيز شرعيتها في الخارج أيضاً، فضلاً عن كونها إغراءات للحكومات الغربية فتتجاهل قضايا الفساد وتجاوزات القضاء في مقابل الحصول على شركاء أقوياء لمكافحة التطرّف.