لا خيار غير الحسم لتطهير عرسال… والحريري أمام امتحان لجم أصوات النشاز داخل كتلته
حسن سلامه
كشف العدوان الذي شنّته المجموعات الإرهابية على وحدات الجيش في عرسال ومحيطها، وعلى أبناء البلدة، الأخطار التي تهدّد لبنان منذ فترة طويلة عبر تحويله امتداداً لدويلة «الخلافة» الإرهابية التي يعمل تنظيم «داعش» على إقامتها تحت نظر الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب والخليج وسمعهم، بل نتيجة الدعم غير المحدود من هذا التحالف الجهنمي طوال السنوات الثلاث المنصرمة، أي منذ بدء الأزمة في سورية، بل منذ الاحتلال الأميركي للعراق. فما هي الأبعاد المباشرة لهذا العدوان الإرهابي ضدّ الجيش وضدّ عرسال والذي فاجأ البعض، خاصة في 14 آذار، ولم يفاجئ الذين حذّروا منذ فترة طويلة من خطر المشروع الإرهابي الذي يضرب المنطقة العربية وبخاصة من العراق إلى سورية وامتداداً إلى ما حصل في لبنان في الأشهر الماضية؟
في المعطيات التي تملكها مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع أن هذا الخطر الذي بات يهدّد ليس منطقة عرسال فحسب، بل جغرافيا لبنانية واسعة مردّه الآتي:
ـ أولاً، إن ما حصل في عرسال في الساعات الماضية يأتي في سياق المخطط التكفيري الذي يضرب المنطقة، وهو حلقة من المخطط التدميري والتكفيري الذي شهدته وتشهده كل من العراق وسورية، ويمكن أن ينتقل إلى دولة أخرى. لذا فإنّ ما حصل في البقاع الشمالي هو الحلقة الثالثة من هذا المخطط، وبالتالي ليس وليد المصادفة، وهذا ما أقرّ به الإرهابي الموقوف عماد جمعة وأكد عليه قائد الجيش العماد جان قهوجي في مؤتمره الصحافي أول من أمس، كذلك النائب جنبلاط.
ـ ثانياً، إن مسارعة المجموعات الإرهابية إلى احتلال عرسال والمحاولات التي كشف عنها خلال شهر رمضان لدخول بلدات أخرى وأسقطت في مهدها على أيدي أبناء المنطقة وعناصر حزب الله، يراد منها استباق حلول فصل الخريف، إذ سيكون صعباً للمسلحين البقاء في الجرود المنعزلة عن المناطق السكنية. ولذلك أيضاً حاولت المجموعات المسلحة حديثاً التسلّل نحو يبرود وقرى أخرى سورية كان حرّرها الجيش السوري.
ـ ثالثاً، إن ما حصل في عرسال يؤكد حقيقة ما كانت نبّهت منه قوى 8 آذار في السنتين الأخيرتين، سواء ممّا كاد يحصل في تلك البلدة البقاعية أو في مناطق أخرى من طرابلس إلى عكار، وتكفي الإشارة هنا إلى ما كان كشف عنه وزير الدفاع السابق فايز غصن حول وجود مجموعات إرهابية في عرسال في مقابل تنكّر فريق 14 آذار وقوى أخرى تحتمي بوجود تلك المجموعات، بل توفّر لها الغطاء على خلفيات فئوية ومذهبية حاقدة على الدولة والنظام في سورية، بالإضافة إلى سياسة النأي التي اعتمدتها حكومة نجيب ميقاتي، وذلك كله أدّى إلى إدخال البلاد في خطر تمدّد المشروع الإرهابي لتنظيم «داعش» وباقي التنظيمات.
السؤال الآخر: كيف يمكن للبنان أن يواجه هذا الخطر الإرهابي ويسقطه في مهده؟
ترى المصادر أن الإرهابيين لم يدخلوا عرسال ليخرجوا منها بقرار ذاتي، بل يريدون تحويلها قاعدة لوجستية لعملهم الإجرامي داخل لبنان، وحتى في اتجاه سورية، لذا فإن أيّ محاولات من هنا وهناك للتراجع عن قرار الحسم العسكري لضرب هذه المجموعات ستكون ذات تداعيات خطيرة على الوضع الداخلي وتضفي «شرعية» على المجموعات الإرهابية، وبالتالي لا مفرّ للدولة من محاصرة الخطر الذي يهدد ليس عرسال فحسب بل لبنان كلّه.
تؤكد المصادر كذلك على أن ثمة خطوات سياسية وعملانية لا بد من الإسراع إلى اتخاذها:
ـ أن تطلق الحكومة يد الجيش ومعها جميع القوى الأمنية كي تحسم عسكرياً مع هذه المجموعات، وهذا يفترض أولاً قراراً سياسياً واضحاً بدعم الجيش، وثانياً تعزيزه بالعديد والعتاد ليتمكن من مواجهة هذا الخطر.
ـ إعلان رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ومعه كتلته النيابية دعم الجيش على نحو صريح وحاسم، وفي الوقت عينه وضع حد لحالات النشاز داخل الكتلة، خاصة عملية التحريض المشبوهة التي يمارسها النواب محمد كبارة وخالد الضاهر ومعين المرعبي ضد الجيش. بل التغطية السياسية لما تقوم به المجموعات الإرهابية، إذ من غير المقبول وطنياً أن تستمر حالة التحريض البشعة ضد الجيش.
ـ إعادة إحياء التنسيق بين لبنان وسورية، فهذا الإجراء بات أمراً ملحاً لمواجهة تمدّد الإرهاب وفيه مصلحة وطنية لبنانية قبل أن يكون مصلحة سورية، وركيزة التنسيق تتمّ على الصعيدين الأمني والعسكري.
لذا من الضروري التفاف جميع اللبنانيين أمام مؤسسة الجيش وتعزيزها بكل ما تحتاج إليه لتتمكن من إسقاط مخطط المجموعات الإرهابية الذي يهدد لبنان كله وليس منطقة معينة فحسب.