مبروك… يا نتن ياهو
شهناز صبحي فاكوش
لا يمكن إلا أن نبارك لنتنياهو.. فها هم من يُدْعَوْنَ مجازاً عرباً يزدادون على مائدته المسمومة، وإن اختلفت أنواع الأطباق المُقدّمة منهم ولهم، بدءاً من مالك عرش الوهّابية مروراً بالفارّين من الوطن، وحملة السلاح في وجه الشعب السوري.
كما تزداد أعداد الذين بدأت شرايين عروبتهم تضيق لدرجة الاحتشاء. فالرجل المريض يغادر عرشه السعودي، قاصداً مصر التي ما زالت تنعي عبد الناصر، وهي تخسر من سيادتها جزيرتين تغيّران جغرافيتها تاريخهما خانق لـ«إسرائيل» .
برضى حكامها وتوقيعهم صكّ بيعها لتاج لابن آل سعود الوهابيين الذي قُلِّدَ من الذهب ما لن يزيد من خزينته، تتعمق اتفاقية كامب دايفيد، فالطرف الثالث وهو الكيان الصهيوني حاضر في هذه الصفقة المغلفة بجسر يربط مصر بأرض الحجاز المحتلة سعودياً.
ما زالت مكائد بني صهيون تتحرك لتعبث في المناطق الرخوة من الجسد العربي، وهي تُعمل سكينها حيث تتمكن لتترك فيه جراحاً لا يمكن التكهُّن بزمن التئامها. فما زال الجرح الفلسطيني ينزّ حتى اللحظة، الذي يكمل عامه السبعين بعد عامين.
ما زال رسن كامب دايفيد يلتفّ على عنق مصر كلما حاولت تنشُّق الأوكسجين تحت ضغط الرئة الشعبية، وها هو اليوم يضغط مجدّداً في بيع الجزيرتين المرسوم له صهيونياً، ثأراً، وتحقيق مكاسب للكيان ضمن مشروعها.
لم يرتخِ الرسن على السودان، إلا بعد بتر جنوبه عن شماله وما زالت دارفور تغلي على صفيح ساخن، ضمن قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في اللحظة التي يشاءها ابن صهيون المالك لصمّام تفجيرها. أما نتاج الربيع العبري فهو لصالحهم بالمطلق،
ولسنا محتاجين إلى إشارات توضح عبثية الصهاينة وحكامهم، ومساندة حكام الخسة الذين ابتلي الشعب العربي بهم، بدعم أميركي وتغطية غربية، تحاول تبيان أنّ دورها الاستعماري في الوطن العربي ما زال ساري المفعول، وإن بنسب متفاوتة.
طعنات نجلاوات متتالية تغرس في الجسد العربي لتستنزف دمه في منهجية مرسومة، ومخطط لها وفق جداول زمنية تتحين الفرص المناسبة، لتغرس سكينها بلا رحمة فعدو جدك لا يمكن له أن يَودّك..
يحاولون إسدال العتمة على حياة الأمة حيث مطلوب من حكامها التورط في سبات شتوي كما السلاحف. والمطلوب أن يكون سباتاً طويل الأمد، تجتاح شتاءه موجات عاصفة من الكراهية، التي تثير الضغائن في رؤوس فرغت إلا من الحقد.
رؤوس جدباء وقلوب قاحلة ونفوس عرشَّتْ فيها أمراض البغضاء بكلّ أشكالها، تشبثت براثن الطحالب في مسالكها لتغطي تاريخها وتمحي لغتها، وتُنَاثر أبجديتها مُفكِكَةً أوراق أقحوانها وجوريها وقرنفلها، تاركة إياها للغربان تلوث سماءها.
تعبث بها خرافات الجان وحكايا العفاريت والغولة. فتصبح طقوس حياتها عرضة لليأس والمخاوف والغرق، إما في بئر العمالة والخيانة، أو في الصمت الذي رصف بحجارته الدروب إلى بيادرها التي فرغت بعد أن سرقها الأوغاد ونشروا الموت.
حقنوا الضمائر بمخدر مفعوله طويل الأمد، وتركوا هيمنة وظلامية الحكام الجائرين تسرح وتمرح في مضمار حياة شعوبهم، وأغلقوا الفضاء بسُحب الجراد الذي يأكل الأخضر واليابس فلا يبقي ولا يذر، حيث مفاتيح مقدرات الشعوب بأيديهم.
يتهالكون في حضن نتنياهو، ويقدمون له الهدايا المجانية، باستنزاف مقدرات أي بلد ثروته كبيرة، بشريةً ذكيةً كانت كما سورية، أو عسكرية كما العراق، أو نفطية كما ليبيا، وفي طريقهم يأخذون كلّ ما يمكن أن يثقِّل هداياهم كما تونس.
يكدّسون لهم عتل الهمّ حتى ينسون رغد العيش، وصولاً بهم إلى صدأ يملأ نفوسهم فتتوارى كلّ الأشياء الجميلة من حياة شعوبهم، وتستفحل المرارة في الحلوق، حيث تجد لها مستقرّاً ومراحاً، فلا يبقى للماء القراح طعم، وتتآخى المرارة مع الكوابيس التي تفسد الحياة في اليقظة والمنام. يستفحل مسخ الإرهاب ليتغلغل في شرايين الوطن، مسرطناً كلّ ما يجده في دربه زهراً كان أم حصاداً، ويُلقي من جعبته كلّ الأفاعي التي يحمل.
منهجية في قتل النبالة، والقيم، والمثل، مقابل نثر سماد التجهم، والعذابات، الملل والكآبة، لتتنامى الفوقية والكراهية، في محاولة إيقاظ فتنة الطائفية العرقية ووأد المحبة والابتسامة التي ما عادت تعرف إلى الوجوه سبيلاً بنشر شوك القبح والغرور.
عملية انتزاع الأرض وما عليها، في حرق للبساتين والأشجار ودهس الأزاهير حتى الموت، لتصبح الأرض جدباء قاحلة إلا من الألغام المزروعة في الزواريب والأزقة المظلمة التي تلف عتمتها القلوب الهاربة من قمقم الحقد المكنون.
رؤوس احتلها سراب الماء على طريق الشمس، في تبديد ضوء منارة النور. عملية تهدف إلى تيبس المشاعر وقتل مواويل الأمل في عودة المهاجر حينها يتربع الخوف من غدر زمن يموت فيه المرء ليدفن في غير موطنه موطئاً لغربة النفس المتهالكة.
كيف لا يفرح نتنياهو، وكيف لا يأتي بحكومته إلى الجولان، وقد شدّ ظهره بسلمان ومن شدّ على يده، محققاً له مأربه، ساعياً إلى إثارة ما يُلهي الشعب والحكّام،عن غدة السرطان الصهيونية التي ما زالت تنتشر وتتمدّد، ما بدأ يشعر متابعها بالدوار.
هل بات من غير الممكن جمع العرب يداً بيد وقلباً على قلب، والسعي إلى إعادة النوارس المهاجرة، إيماءً أو إيحاءً أو واقعاً؟ هل يمكن الاستفاقة لاستعادة سيادة الأمة أو تخليص سورية من أزمتها ومد يد العون لليبيا واليمن والعراق؟
هل أصبح من غير الممكن الحفاظ على الجغرافيا العربية، من براثن سكين بني صهيون؟ أم أنّ ثمل الحكام الأدوات، محتسي فضلات كؤوس أنخاب من يحيكون لسورية واليمن والعراق وليبيا، وما يمكن أن يتسلل إلى باقي الدول العربية هو الفاعل؟
هل ننتهي من غربة الروح التي أودت بالمئات ليكون البحر مثواهم الأخير؟ هل على سورية أن تتحمل وحدها وزر القومية والهوية لتدفع الثمن من دم أبنائها ويظلّ الوطن ينوء من ثقل جراحه ودماره بسبب فجور وجنون الإرهاب؟
هل علينا أن نبارك لنتنياهو ارتماء طابور حكام العرب في شباك عشقه حتى لو كان الثمن موت أمة، ونظلّ في بركة الدم غرقى نتوجع ونتفجع ثكالى نحترق بنار الفقد وأخريات تلسعهن ألسنة شوق الانتظار، والنتن ياهو يقدّم جرعات الدعم للإرهابيين؟