المؤتمر القومي العربي: ورقة سياسية والتطورات على الوحدة العربية والديمقراطية والأمن الوطني والقومي والعدالة الاجتماعية والتنمية والتجدّد الحضاري

واصل المؤتمر القومي العربي أعمال دورته السابعة والعشرين في فندق «رويال» في منطقة الحمامات في تونس بجلسة قدم فيها الأمين العام للمؤتمر الدكتور زياد حافظ ورقة سياسية بعنوان «منطق الصراعات في الوطن العربي»، وقال: انّ المنطقة العربية من مشرقها إلى مغربها مروراً بالجزيرة العربية مسرح لصراعات مختلفة منها طابعها دولي، ومنها طابعها إقليمي، ومنها طابعها عربي، وكثير منها مزيج من الداخلي والإقليمي والدولي. وهذه الصراعات معظمها مزمن في الجوهر وإنْ تغيّرت إلى حدّ كبير أدوار اللاعبين الدوليين والإقليميين والعرب.

وتناول حركة الصراعات القائمة التي منها دولية في الساحات العربية ومنها عربية إقليمية ومنها إقليمية ومنها عربية. لكن المفتاح الرئيسي لمعظم هذه الصراعات كي لا نقول جميعها هو القضية الفلسطينية التي كانت وما زالت وستستمرّ إلى يوم الحسم أو النصر النهائي في استرجاع فلسطين، كامل فلسطين، وحقوق الشعب الفلسطيني في العودة والاستقرار والتعويض المادي والمعنوي لما تحمّله هذا الشعب من وزر الاحتلال والتشرّد. فلا الحرب على العراق واحتلاله وتدمير بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذاكرته العلمية والثقافية والتاريخية، ولا تدمير ليبيا وتمزيقها، ولا العدوان الكوني على سورية، ولا العدوان العربي غير المبرّر على اليمن، ولا حتى استمرار الأزمة في لبنان، ولا حتى نشأة وتشجيع حركات الغلو والتوحّش، ولا استمرار الحصار على غزة والتنسيق الأمني بين السلطة والكيان تبرّرها الأسباب التي تروّجها وسائل الإعلام الغربية والعربية المملوكة من دول النفط إلاّ والقضية الفلسطينية هي الحاضرة والسبب الحقيقي المباشر وغير المباشر لمختلف ألوان العدوان. لا ننفي وجود أسباب أخرى خاصة بكلّ قطر لكن السبب الرئيسي في رأينا هو الصراع العربي الصهيوني يليه العمل على إجهاض أيّ حراك نهضوي وحدوي. هكذا كان التدخّل الدولي والإقليمي في السابق، وهكذا هو تدخله اليوم. كما أنّ محاولات استبدال العداء للكيان الصهيوني بالعداء للجمهورية الإسلامية في إيران هو الوجه الحقيقي لمسار الصراعات في المنطقة العربية.

وتحدث حافظ في ورقته عن التدخلات الخارجية في الوطن العربي انها ناتجة عن الصراعات الدولية. الصراع بين روسيا والولايات المتحدة ليس جديداً بل متجدّداً بعد حقبة تفكّك الاتحاد السوفياتي. كما أنّ هذا الصراع لن يفضي بالضرورة إلى توافق أو تسويات مشابهة لتسوية يالطا. نستطيع أن نقول إنّ كلّ من روسيا والولايات المتحدة تسعى فقط للوصول إلى تفاهمات تضبط إيقاع مسار الصراع وليس بالضرورة لتوزيع مناطق النفوذ بينهما. ففيما يتعلّق بـ«التفاهمات» التي يمكن أن تكون قد تمّت بين روسيا والولايات المتحدة لا بدّ من الانتباه إلى أنّ أيّ «تفاهم» لا يعني نهاية الصراع بل فعلياً متابعته بوتائر مختلفة وبوسائل متعدّدة كمحاولات الالتفاف على مقرّرات جنيف أو فيينا أو نيويورك. وانّ للولايات المتحدة تاريخاً حافلاً بنقض الاتفاقات التي تعقدها على قاعدة أنّ «استثنائيتها» تعفيها من المساءلة والمحاسبة. وانّ علينا أن ننتبه إلى أنّ التحوّلات التي حصلت وما زالت تحصل داخل هذه المجتمعات الدولية وحتى سائر الدول أدّت وتؤدّي إلى تناثر مراكز القوة والنفوذ dispersion ما يحول دون إمكانية لأيّ طرف أن يفرض سلطته أو رأيه.

وحول الدور الروسي في الملف السوري قال حافظ إنه أفضى إلى تغيير في موازين القوة وإلى تغييرات في الميدان. وهذه التغييرات جعلت كلّ من روسيا والولايات المتحدة تسعى إلى إيجاد حلول وفقاً لتسوية.

وحول الصراع العربي الإيراني قال حافظ «انّه في الدرجة الأولى صراع بين محور تقوده بلاد الحرمين والجمهورية الإسلامية المتحالفة استراتيجياً مع كل من الجمهورية العربية السورية والمقاومة اللبنانية. والصراع يأخذ حالياً وفي الإعلام طابعاً مذهبياً مدمّراً للمسلمين وللأمة العربية. فالحقيقة هي أنّ الصراع العربي الإيراني هو صراع سياسي أولاً وأخيراً.

وعن العلاقات العربية الإيرانية أشار حافظ إلى انه توجد عدة قضايا نعتبر معالجتها أولوية…

ـ القضية الأولى تتعلّق بالملف العراقي حيث الفتنة التي تعمّ المنطقة العربية بدأت في العراق مع الاحتلال الأميركي وعملية سياسية مبنية على قاعدة طائفية مذهبية تغذّي العصبيات الفئوية.

ـ القضية الثانية هي اليمن والتي أتت لتعزّز شعوراً عند العديد من النخب العربية وحتى الشعبية بأنّ لإيران «مطامع» في جنوب الجزيرة العربية.

ـ القضية الثالثة هي في ضرورة الحوار السياسي مع مصر ومع حكومات الجزيرة العربية. فبالنسبة للتفاهم مع مصر فهو ضرورة لاستقرار المنطقة وأمنها.

ـ القضية الرابعة هي أمن الخليج الذي يقلق دول مجلس التعاون.

ـ القضية الخامسة هي سياسية ونفسية في آن واحد لأنّ البعض في الجمهورية الإسلامية في إيران يعتبرون العروبة مصدر تهديد لأمنهم.

وأشار حافظ الى انّ الصراع العربي أو الصراعات العربية العربية هو انعكاس لصراعات دولية وإقليمية في الساحات العربية كما هو أيضاً صراع ذاتي.

وختم ورقته مؤكداً انّ تجسيد العروبة لن يكون إلاّ عبر إعلان إقامة دولة الوحدة العربية وإنْ كانت فقط على شبر من أرض الوطن العربي. فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. ومن هنا نقترح استبدال مؤتمر الوحدة العربية بالمؤتمر القومي العربي.

انتفاضة فلسطين

ثم قدم المفكر منير شفيق فلسطين ورقة خاصة حول انتفاضة القدس: الاستراتجية والأهداف أكد فيها على الحقائق التالية:

1 ـ لم يقتصر هدف انتفاضة القدس على السبب المباشر الاول الذي ادى الى اندلاعها.

2 ـ ان استمرار انتفاضة القدس طوال ستة اشهر يؤكد انها تجاوزت ان تكون هبّة عابرة.

3 ـ لقد صمدت انتفاضة القدس التي لا تقتصر على القدس وانما تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة.

4 ـ أثبتت اانتفاضة القدس انه من الخطأ تسميتها انتفاضة السكاكين.

5 ـ تمتعت انتفاضة القدس بدعم كلّ الفصائل الفلسطينية والمشاركة فيها.

المنصوري

وقدّم الاستاذ عبد الاله المنصوري المغرب ورقة بعنوان «نظرة تقويمية ورؤية مستقبلية حول المؤتمر» وشدّد فيها على اهمية انعقاد المؤتمر في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها الأمة العربية والتحديات التي تواجهها لافتاً إلى ضرورة اعادة الاعتبار للدور الثقافي والتنويري للمؤتمر، والتحرّر من منطق الثنائيات وإنشاء بنيات اقتصادية تحقق الرفاهية للمواطن العربي، والاهتمام بالجانب الإعلامي الذي يلعب اليوم دوراً رئيسياً في عالمنا المعاصر.

وطالب المنصوري بتعزيز الاستقلالية المالية للمؤتمر لأنها من ضروريات بقاء استمرار أعماله، وان لا يكون مرتهناً لأيّ جهة، كما كان منذ تأسيسه.

المشاركون في النقاش

بعد الأوراق كانت مناقشات تحدّث فيها عبد الغني هللو فلسطين/سورية ، محمود معروف فلسطين/المغرب ، ابو احمد فؤاد فلسطين/سورية ، عبد الصمد بلكبير المغرب ، مصطفى اللداوي فلسطين/لبنان ، مصطفى هشماوي الجزائر احمد حسين مصر ، احمد ويحمان المغرب ، احمد السعدي الأردن ، صلاح صلاح فلسطين/ لبنان ، قاسم قصير لبنان ، ابراهيم كمال الدين البحرين ، فيصل جلول لبنان ، محمد عدلي الخطيب فلسطين/سورية ، محمود الحارس الأردن ، صباح المختار العراق/بريطانيا ، عبد الهادي الحويجي ليبيا ، احمد الدان الجزائر ، خالد عبد المجيد فلسطين/سورية ، نعيمة عمامو تونس ، طلال ناجي فلسطين/سورية ، عوني فرسخ فلسطين/الإمارات ، محمد الحموري الاردن ، فيوليت داغر لبنان/تونس ، عدنان البرجي لبنان ، حسين مرزوق البحرين ، كمال الاسلامبولي مصر ومعن بشور لبنان .

عبيد

الجلسة المسائية الثالثة عرض فيها الدكتور عبد اللطيف عبيد تونس ورقة عن اللغة العربية: المخاطر التي تهدّدها وسبل الدفاع عنها، معتبراً انّ اللغة مقوّم من مقوّمات الوجود، والعروبة انتماء حضاري أساسه اللغة العربية، قوة العرب ومناعتهم تكمن في اللغة العربية، وانّ الاستعمار لعب دوراً تخريبياً في البلدان المستعمرة وانّ بعض قادة الدول المستقلة في المغرب العربي أصرّوا على إبقاء اللغة الفرنسية كلغة تدريس وإدارة، كما انّ التعريب يتعرّض لانتكاسة في بلدان المغرب العربي.

وعدّد د. عبيد المخاطر التي تهدّد اللغة العربية وهي:

1 ـ تغليب اللغات الأجنبية على اللغة العربية في الإدارة مما يساهم في تعميق الاستلاب.

2 ـ مزاحمة العامية للفصحى في الإعلام.

3 ـ عدم توفير الوسائل لعصرنة اللغة العربية.

4 ـ حرمان المواطن العربي من حقوقه اللغوية من خلال إجبار المواطن على التعامل بالفرنسية.

5 ـ انتشار المواقف السلبية تجاه اللغة العربية.

وحول ما العمل قال عبيد:

1 ـ انّ اللغة العربية عامل كرامة وسيادة وطنية لا تكتمل بدونها السيادة.

2 ـ الوعي بأهميتها في مجال الأمن الوطني.

3 ـ حق اساسي من حقوق الانسان العربي

4 ـ الانفتاح على اللغات.

5 ـ اي تراجع عن تعميم اللغة العربية ينعكس بشكل سلبي على دورها التنموي.

6 ـ دور المؤتمر القومي في الدعوة الى الاهتمام باللغة العربية.

7 ـ إقامة يوم للغة العربية في كلّ الأقطار العربية.

8 ـ إنشاء مؤسسة لتعميم التعريب في الوطن العربي.

المناقشات

وقد شارك في النقاش كلّ من الدكتور زياد حافظ لبنان ، وائل المقدادي العراق ، سليم الزعبي الأردن ، عبد الصمد بلكبير المغرب ، عبد المنعم ابو الفتوح مصر ، عوني فرسخ فلسطين/ الامارات ، هشام مكحل الأردن ، عبد الاله المنصوري المغرب ، مصطفى نويصر الجزائر ، معن بشور لبنان .

اوراق المشروع النهضوي العربي

وفي اليوم الثاني لانعقاد المؤتمر عقدت الجلسة الصباحية الاولى حيث قدّمت أوراق حول التطورات الحاصلة على محاور المشروع النهضوي وتحدّث فيها عن الوحدة العربية التي قدّم ورقتها الباحث والمدير السابق لمعهد البحوث العربية في مصر د. أحمد يوسف أحمد ألقاها نيابة عنه الاستاذ احمد مرعي وجاء فيها:

مثلت الوحدة العربية وما زالت الهدف الأسمى للمشروع النهضوى العربى، وتصدّرت برامج الأحزاب القومية وكانت بؤرة للفكر القومى العربى ومساهمات الرواد من مفكريه، وعندما توفرت الظروف السياسية الملائمة بالتقاء المشروع العربى لثورة يوليو/تموز 1952 مع طموحات القوى القومية فى سورية قامت أول تجربة لتحقيق هذه الوحدة بإنجاز الوحدة المصرية – السورية فى فبراير/شباط 1958، وكان الأمل معقوداً على هذه الوحدة فى أن تكون نقطة البداية فى إنجاز الحلم خاصة وقد تفجرت ثورة يوليو/تموز فى العراق بعد أقلّ من ستة شهور على إعلان الوحدة ووضعت نهاية لنظام تورّط فى مشروع إلحاق الوطن العربى بالتحالف الغربى من خلال حلف بغداد، والذى تمكّنت الحركة القومية العربية من إسقاطه، غير أنّ هذه الآمال قد تبخرت بالانقلاب الانفصالي فى سورية فى سبتمبر/أيلول 1961 وتأجّج الخلاف بين ثورة يوليو والنظام الجديد فى العراق، ومع ذلك فإنّ هدف الوحدة العربية بقي فى صدارة أولويات الحركة القومية العربية بدليل مشروع الوحدة الثلاثية المصرية – السورية – العراقية فى نيسان/أبريل 1963 الذى حاول أن يستفيد بدروس تجربة الوحدة المصرية – السورية التى أثبتت أنّ الصيغة الاندماجية لم تكن ملائمة لحقيقة التمايز بين أوضاع الأقطار العربية، فأخذ بالصيغة الاتحادية غير أنه لم يدم لأكثر من أسبوعين بسبب الخلاف بين الفصائل القومية العربية ممثلة فى هذه الحالة بالناصرية وحزب البعث وهو الخلاف الذى لعب دوراً دون شك فى تفكك الوحدة المصرية – السورية، وتراجعت مشروعات الوحدة العربية بعد هذا الإخفاق على الرغم من تعدّد محاولاتها وظلّ الإخفاق ملازماً لهذه المحاولات، وحتى مشروع الوحدة السورية – العراقية فى 1978 الذى كان من شأن نجاحه أن يعيد توجيه النظام العربى إلى الوجهة الصحيحة بعد المنحى الذى اتخذه أنور السادات فى تسوية الصراع العربى «الإسرائيلى» ابتداءً من زيارة القدس فى 1977 فشل بدوره بسبب الخلاف داخل الفصيل القومى الواحد، أي حزب البعث فى كلّ من سورية والعراق.

الديمقراطية

ورقة الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي أعدّها الدكتور اسماعيل الشطي وقدّمها الدكتور مصطفى نويصر وجاء فيها:

يتكوّن العالم العربي من 22 دولة، ومن بين دوله 19 دولة لديها وثيقة دستورية وتنص دساتير 16 دولة منها على وصف نظام الدولة بأنه ديمقراطي أو نيابي، وتخلو دساتير ثمان منها من أيّ نص يمنح حق تنظيم الأحزاب أو يعبّر عن التعددية السياسية، ورغم أنّ ثلاث دول عربية لا تملك وثيقة دستورية، وثلاث دول عربية أخرى لا ينص دستورها على أنّ نظامها ديمقراطي أو نيابي، إلا أنّ العالم العربي أسّس له في حزيران/ يونيو عام 1974 اتحاد برلماني عربي يضمّ كافة الدول العربية الإثنتين والعشرين، من بينهم ثلاثة عشر برلماناً تمّ انتخابها بشكل شبه حرّ، وثلاثة برلمانات تمّ انتخابها بتحكم النظام في حق الترشح، وستة برلمانات قام النظام بتعيين أعضائها، كما تعلن كلّ الدول العربية عن وجود أجهزة محاسبية ورقابية لإيرادات ومصروفات الدولة، ولذلك تحوز كلها على عضوية المنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبية، غير أنّ معظم هذه الأجهزة لا تتمتع بالإستقلال الفعلي، وذلك بسبب تبعيتها للحاكم، وهذا كله يشير إلى أنّ إيمان النظام الرسمي العربي بالديمقراطية هزيل، وأنه يحافظ على الإشارة إليها في دساتيره كوسيلة من وسائل تحسين صورة النظام، واستكمال صوَري لنمطية الدولة الحديثة، أما على أرض الواقع فإنه يقيم مؤسسات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على مبدأ الفصل بينهم، وهياكل لدواوين الرقابة المالية والإدارية، ويشرّع قوانين لتنظيم العمل الحزبي والصحافة والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، لكنه يفرغها من وظائفها، من خلال تشريعات هشة أو مقيّدة، بحيث تبقى تلك المؤسسات والهياكل تدور في فلكه، وتحمي نظامه، وتعبّر عن إرادته، وخاضعة لأصابع أجهزته الأمنية والاستخباراتية والسياسية التي تحرك خيوط اللعبة السياسية في البلاد.

وتحدّث فيها عن المؤشرات الغربية، ومعوقات الديمقراطية، وتفسير ظاهرة الإستبداد العربي، وأزمة الربيع العربي.

الاستقلال الوطني والقومي

وعن الاستعمار والاستقلال الوطني والقومي أعدّ د. عبد الصمد بلكبير رئيس تحرير مجلة «ملتقى» في المغرب ورقة جاء فيها:

1 ـ في المفاهيم الإمبراطورية والامبريالية

أ ـ نظامان سادا في تاريخ العلاقات الدولية.

1 ـ الإمبراطوري: ويشمل مرحلتي ونمطي علاقات الاستعباد في القديم ثم الاستقطاع في العصر الوسيط .

2 ـ استعماري امبريالي وهو السائد، انطلاقاً من مرحلة توسع نظام الاستغلال الرأسمالي عالمياً، وحتى اليوم.

لا يمكن الحديث إذن إلا مجازاً، عن الاستعمار قبل وجود الاستغلال وبالتالي، قبل رأسمالية العصر الحديث.

لقد كان هدف الغزو والتوسع وحتى الاحتلال، في الأنظمة القديمة والوسيطة، هو أساساً تأمين طرق التجارة وأسواقها وقوانينها… ولذلك فلقد وفرت لتوابعها سياسياً، درجات عالية من اللامركزية والحكم الجهوي.. والانسيابية في ترقي مراتب الحكم جهوياً ومركزياً. وذلك دون تمييز غالباً، وقياساً إلى الكفاءة والمردودية أساساً بمقاييس النظام السائد طبعاً . كذلك كان الأمر عند البدايات التأسيسية للرأسمالية في العصر الحديث، وذلك إلى حدود فتوحات نابليون، والتي تغيب هدف التنوير وتحرير الشعوب من الأنظمة التقليدية إقطاعية كنسية قبلية عائلية طائفية… وذلك سواء في أوروبا نفسها أو خارجها. وهو نظير ما قامت به الفتوح الإسلامية ضداً على النظام العبودي . غير أنّ تأسيس الدول القومية الرأسمالية في العالم الحديث ثم المعاصر، أدخلها في تنافس تجاري، ثم في صراع، اضطرت معه إلى البحث عن منافذ للتوسع، ضاعف من جهته صراعاتها السياسية والعسكرية حول المستعمرات. ثم تحدث بلكبير عن الآفاق وعن الجديد المطروح والمطلوب في عالمنا الراهن.

التنمية المستقلة

ورقة التنمية المستقلة أعدّها وزير المالية في لبنان سابقاً الدكتور جورج قرم وقدّمها أحمد عمر زعبار وجاء فيها: منذ زمن الحرب الباردة ونحن دخلنا في زمن قلق حيث أخذت النقاشات الدينية الطابع حيّزاً واسعاً من القدرات الفكرية العربية وكأنّ جميع مشاكلنا تتعلق بقضايا دينية وفقهية ولاهوتية، وقد تمّ تدريب عشرات آلاف من الشبان العرب للذهاب الى القتال في أفغانستان في الثمانيات بحجة محاربة الملحدين السوفيات، وكأنّ قضيتنا المركزية وهي فلسطين الواقعة تحت قبضة الصهاينة لم تعد ذا أهمية، فالكيان الصهيوني كان قد احتلّ مزيداً من الأراضي العربية باحتلاله جزءاً كبيراً من جنوب لبنان عام 1978 ومن ثمّ احتلال عاصمة لبنان بيروت في عام 1982. فلم تحرّك الأنظمة العربية ساكناً، وهي أصبحت منشغلة في القتال في أفغانستان التي لم يكن للعرب أيّ مصلحة حيوية يجب الدفاع عنها في هذا البلد.

وفي نفس الفترة التاريخية انشغلت الأنظمة العربية والمثقفين العرب بإقامة نظام دستوري إسلامي في إيران التي أصبحت تُعادي الامبريالية الأميركية والصهيونية كبديل من جهة، وبما سُمي «الصحوة الإسلامية» وما نتج عنها من دعم العديد من الحركات العربية الإسلامية كبديل للفكر القومي العربي الذي دخل بالتالي في مسار تراجعي. وقد رأى العديد من المثقفين العرب، ومنهم تقدميون سابقون بأنّ الدين الإسلامي قد يكوّن المخزون الهويتي الذي يحتاج إليه العرب بعد سوء أداء الأنظمة العربية التي كانت ترفع راية القومية العربية. وفي الفترة نفسها زاد الاهتمام بالعمل على انتشار هذه الصحوة الإسلامية وتصديرها الى جميع الدول العربية والى دول افريقية وآسيوية

والجدير بالذكر أيضاً انّ هذا الزمن كان زمن إنشاء المصارف الإسلامية وانتشار التشدّد في تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية. كما لا بدّ من التذكير بإنشاء مؤتمر الدول الإسلامية والمنظمة الإسلامية للعلوم والثقافة ومؤسسات دولية إسلامية أخرى مختلفة خلال نفس الفترة الزمنية، مع العلم انّ كلّ هذا لم يمنع الاقتتال الشرس بين دول إسلامية، مثل الحرب العراقية – الإيرانية ومن بعدها غزو الكويت من قبل العراق، وكذلك الحروب الأهلية الفتّاكة في أفغانستان وفي الصومال وفي الجزائر ومؤخراً في ليبيا وسورية على سبيل المثال. وفي كلّ هذه الأوضاع العنفية نرى توظيف شعارات دينية ومذهبية، وكأنّ للعرب قضية واحدة ألا وهي الاتفاق على الأمور الدينية لكي تستتب الأوضاع.

وجاء في الورقة ايضاً عن مكونات النموّ المشوّه في الوطن العربي:

1 ـ الطابع الريعي غير المنتج للاقتصادات العربية.

2 ـ أدنى معدل عالمياً من السكان العاملين الى العدد الإجمالي للسكان.

3 ـ أعلى معدل عالمياً بطالة بين السكّان العاملين في سن العمل.

4 ـ ركود الأجور الحقيقية ومؤشرات الفقر.

5 ـ معدلات النموّ السنوية تعتمد بشكل كبير على المتغيّرات الخارجية.

6 ـ الهجرة ونزوح الأدمغة كمؤشر رئيسي على النمو القاصر.

7 ـ التمركز العالي للاستثمار في قطاعات قليلة بما يعيق تنويع الاقتصاد.

8 ـ المستوى المنخفض جداً للإنفاق على البحوث والتطوير وغياب نظام وطني لدعم الابتكار.

9 ـ العجز في التجارة الخارجية – عارض رئيسي آخر من عوارض النموّ السيّئ، التحوّل من النموّ المشوّه إلى النمو الصالح، ومكافحة الفساد وتشجيع المساءلة والمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص، وتنويع الاستثمارات والحدّ من هجرة الأدمغة، ودمج القطاع اللا شكلي بالقطاع الحديث، والشراكة بين القطاعين العام والخاص في تعريف الأهداف الوطنيّة للتمكّن من مجموعة من التكنولوجيّات، والقضاء على جيوب الأميّة والاهتمام بتنمية المناطق الريفيّة، وإعادة النظر في النظام الضريبي بحيث تتساوى في معدلات الربح بين القطاعات التكنولوجية التي سيتمّ تطويرها والقطاعات التقليديّة ذات الربح المرتفع.

العدالة الاجتماعية

وعن العدالة الاجتماعية التي أعدّ ورقتها عبد الغفار شكر عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، ورئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي قال: سوف نعالج في هذه الورقة البحثية وضع العدالة الاجتماعية ومدى تأثرها بالإخفاقات التنموية والديمقراطية والأمنية فهناك علاقة مباشرة بين هذه العناصر وتأثيرها في إمكان تحقيق العدالة الاجتماعية في هذه الأقطار على النحو الذي سنوضحه في ما بعد، ولكن من المهمّ ان نطرح اولاً مفهوم العدالة الاجتماعية من وجهة نظر المشروع النهضوي العربي وما يطرحه هذا المفهوم من أبعاد. سوف يتأكد منها انّ تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب وجود بيئة مواتية تتوفر فيها إمكانية ممارسة الشعب لحقوقه السياسية والمدنية والمشاركة في اختيار ممثليه الي السلطة التشريعية والمجالس المحلية وقدرته على تأسيس منظماته النقابية والاجتماعية بما يمكنه من الدفاع عن هذه الحقوق في ظلّ مناخ ديمقراطي، كما يشترط لإمكانية تحقيق العدالة الاجتماعية أن تتوفر في المجتمع كافة العوامل المساعدة علي تنفيذ برامج تنمية اقتصادية واجتماعية وان يتمتع المجتمع بالأمن والاستقرار وعدم وجود تهديدات لقدرة الدولة على بسط نفوذها على كافة اجزاء الدولة.

مفهوم العدالة الاجتماعية

يقصد بالعدالة الاجتماعية تلك الحالة التي ينتفي فيها الظلم والاستغلال والقهر والحرمان من الثروة أو السلطة أو من كليهما، والتي يغيب فيها الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي وتنعدم فيها الفروق غير المقبولة اجتماعياً بين الأفراد والجماعات والأقاليم داخل الدولة، والتي يتمتع فيها الجميع بحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متساوية وحريات متكافئة ولا تجور فيها الأجيال الحاضرة على حقوق الأجيال المقبلة، والتي يعمّ فيها الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن والمشاركة الاجتماعية، والتي يتاح فيها لأفراد المجتمع فرص متكافئة لتنمية قدراتهم وملكاتهم ولإطلاق طاقاتهم من مكامنها ولحسن توظيف هذه القدرات والطاقات بما يوفر لهؤلاء الأفراد فرص الحراك الاجتماعي الصاعد، وبما يساعد المجتمع على النماء والتقدّم المستدام، وهي أيضاً الحالة التي لا يتعرّض فيها المجتمع للاستغلال الاقتصادي وغيره من آثار التبعية لمجتمع أو مجتمعات أخرى، ويتمتع بالاستقلال والسيطرة الوطنية على القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وحول مستقبل العدالة الاجتماعية والتنمية والديمقراطية جاء في الورقة انه في ضوء التحديات التي تواجه عملية بناء الاقتصاديات العربية على نحو يفسح المجال امام تحقيق العدالة الاجتماعية سواء كان مصدرها الأوضاع المحلية أو الإقليمية أو تنامي ظاهرة العولمة الرأسمالية، فإنّ الاتجاه يتزايد نحو بلورة نموذج تنموي جديد فى الوطن العربي يقوم على التنمية البشرية المستدامة أساساً باعتبار أنّ التنمية المطلوبة هى عملية تحرير وتمكين للبشر الذين يعيشون على الأرض العربية، كما أنها عملية تحرير وتمكين للوطن الذى ينتسبون إليه.

التجدّد الحضاري

وعن التجدّد الحضاري أعدّ ورقتها وتلاها الأباتي د. انطوان ضو أمين عام اللجنة الاسقفية للحوار الإسلامي ـ المسيحي في لبنان، وجاء فيها: التجدّد الحضاري في زمن العولمة هو الاسم الجديد للنهضة، نهضة العالم العربي، النابعة من الروح الإنسانية ومن روح الإسلام والمسيحية والعروبة الحضارية المبدعة، والمتفاعلة مع الحضارات والثقافات والحداثة والعولمة.

التجدّد الحضاري العربي الإسلامي لم يعد ينبع من روح الإسلام وحضارته فقط، كما لم يعد في خدمة المسلمين فحسب، إنما أصبح تجدّداً حضارياً جديداً ومتفاعلاً مع العولمة التي طالت الحياة الإنسانية بمجمل قضاياها. تجدّد يسعى الى التغيير بدون تمييز، وإلى تحقيق الوحدة في التنوع.

من حق المسلمين أن يسمّوا حضارتهم باسم الإسلام، وأن يعتزوا بها، ويفاخروا بأمجادها، وينهلوا من روحها، ويستنيروا بأنوارها، ويعيشوا قيمها، ويحملوا رسالتها. ولكن لا يحق للمسلمين أن ينسوا أنّ هذه الحضارة هي من صنع المسلمين والمسيحين معاً، وغيرهم من شعوب الشرق. وهي لم تتمكن من متابعة مسيرتها دون انفتاحها وتواصلها وتعاونها وتفاعلها مع العولمة.

لأنها كانت حضارة منفتحة وجامعة لكلّ المبدعين، ومتفاعلة مع كلّ الشعوب والمناطق، فهي مدعوة اليوم الى أن تكون حضارة الرحابة الإنسانية والمسكونية والكونية لخير الإنسانية كلها. وبقاؤها وتطوّرها ورسالتها متوقفة على مدى قبولها للآخر والتكامل مع سائر الحضارات.

العودة الى الإسلام وعودة المسلمين الى دينهم هو حق وواجب. ولكن ليس من حق المسلمين أن لا يعترفوا بغير المسلمين في العالمين العربي والإسلامي، لأنّ هذا يتنافى مع روح الإسلام الذي يعترف بالأديان السماوية وحضاراتها، كما يعترف بالحرية الدينية.

نحن نعيش في عالم جديد يشهد تطوّرات كبرى، وتحوّلات عميقة وسريعة. بحيث أنها غيّرت الكثير من المفاهيم والأفكار والسلوكيات والسياسات. فالوجود الإنساني وشواغله المركزية في المجتمع المعاصر، والمنجزات الإنسانية الهائلة التي تحققت، عليه أن يحمل معه الطمأنينة الداخلية، والسعادة الحقة، والتوازن المنشود في الكيان الإنساني لتأمين السعادة لكلّ إنسان في داخله وعلى أرضه.

هذا العالم الجديد هو عالم العولمة التي هي من علامات الأزمنة والمشروع الحضاري الكوني الجديد، الذي طال الإنسانية بمختلف أوجهها الثقافية والحضارية والدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والإعلامية والتنموية. كلّ هذا كان بفضل الإنسان، وإرثه الحضاري والديني، وعقله الخلاّق وثورة التكنولوجيا والتواصل الإجتماعي. عولمة ألغت الحدود، وفتحت العالم على بعضه، ووحدته من خلال نشر قيمها الجديدة.

العالم العربي، بكلّ مكوناته، دخل في العولمة، وتبنّى منظومة قيمها ومشروعها السياسي فتجسّدت مفاهيمها في فكر وحياة جميع المواطنين، لا سيما في عقول وقلوب الأجيال الجديدة وبدأت تغيّرهم في كلّ مجالات الحياة. ولكن، رغم إنجازات العولمة الهائلة، ورغم انخراط شعوب الأرض في مشروعها لا سيما جيل الشباب، فإنها ظلت عولمة مادية مفروضة على الإنسان، وهي بدون روح ولا رحمة.

الجلسة المسائية الثانية

وفي الجلسة المسائية الثانية قدّمت مساعدة الأمين العام للمؤتمر الآنسة رحاب مكحل تقريراً حول مبادرات ومواقف المؤتمر القومي العربي وقالت: إضافة للأحداث والحروب التي سيطرت في المرحلة ما بين انعقاد دورتي المؤتمر 28 ايار/مايو2015 و 10 نيسان/ابريل 2016 ، واضافة للاعتداءات الصهيونية على أهلنا في فلسطين والقمع الوحشي للانتفاضة، كانت تسود معظم أقطارنا العربية حالة مخيفة من الانقسامات القطرية والطائفية والمذهبية التي استفحلت وانتشرت واصبحت سمةّ معظم مجتمعات الأقطار العربية والأحزاب والمؤسسات النقابية والهيئات الشعبية، وقد انعكس ذلك على فعالية العمل القومي وعلى قدرته من اتخاذ مواقف موحدة من معظم القضايا والأحداث. ورغم هذا استمرّ المؤتمر من خلال أعضائه في تحمّل مسؤولياتهم والقيام بواجبهم في العمل من أجل وحدة مجتمعاتهم وحماية خيار المقاومة ورفض التدخل الخارجي.

وبعدها استعرض المجتمعون الوضع المالي للعام 2015، واشاروا إلى انّ المؤتمر يعاني من أوضاع مالية صعبة كما كلّ المؤسسات القومية، وانّ العمل يجب ان يعتمد على تعزيز تمويل المؤتمر من اشتراكات أعضائه وتبرّعاتهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى