العروبة تستعيد نقاءها وترفض التزوير والتزييف
فيصل درنيقة
لم تكن الدورة السابعة والعشرون للمؤتمر القومي العربي المنعقدة في تونس يومي 19 و20 نيسان/ابريل 2016، دورة عادية في حياة مؤتمر شهد الكثير من التحديات والصعوبات في مسيرته ممتدة على مدى ربع قرن ونيف، فمن اللحظة الاولى لافتتاح المؤتمر واعضاؤه يحسّون بأنّ مسؤولياتهم في هذه المرحلة العصيبة مضاعفة، فهي اولا مسؤولية ايّ عربي تجاه قضايا امته المتفجرة في اكثر من قطر، ولا سيما ام القضايا في فلسطين، وهي ثانياً مسؤولية القوميين العرب في تبديد ايّ التباس علق بشعارات العروبة والقومية العربية من جراء محاولة استخدام النظام الرسمي العربي لهذه الشعارات العزيزة على قلوب العرب من اجل تحقيق اغراض هذا النظام صاحب السجل الحافل في خدمة السياسات الاميركية وفي التواطؤ العلني او السري مع العدو الصهيوني والشريك في كلّ مشاريع الاحتلال والعدوان التي عرفتها اقطار الامة منذ نهايات القرن الماضي.
فاذا كانت الرسالة تقرأ من عنوانها، فإنّ الدورة الحالية للمؤتمر القومي تقرأ من جلسة افتتاحها، حيث أجمعت الكلمات انّ العدو الأول للأمة هو المشروع الصهيو استعماري، وانّ المقاومة هي الطريق الذي ينبغي على الامة اعتماده هو احتضانها ودعمها، لا التفريط بها واتهامها «بالارهاب» وهي التي ما قامت بالأساس إلا لمواجهة الارهاب الأكبر والأخطر في هذا العالم، وهو ارهاب الكيان الصهيوني وكلّ متفرعاته…
كان اعضاء المؤتمر مسكونين منذ اللحظة الاولى لانعقاد المؤتمر بهاجس الاعلان لأبناء الامة والعالم، بأنّ العروبة لا تمثلها حكومات مرتبطة بمشاريع معادية للأمة، بل انّ للعروبة، كهوية ثقافية تنطوي على مشروع النهوض والتحرر، بوصلة رئيسية هي فلسطين، وانّ للعروبة هدفا هو تحقيق «الوحدة العربية»، بأيّ مستوى من مستوياتها، بل الوحدة التي تحترم خصوصيات كلّ قطر او مكوّن من مكونات الوطن العربي الكبير، لا بل انّ هاجس إعادة الاعتبار للوحدة العربية قد وصل مع أمين عام المؤتمر الدكتور زياد حافظ إلى ان اقترح للمؤتمر القومي العربي اسماً جديداً هو اسم «مؤتمر الوحدة العربية»، وان يدعو لأن تقوم «دولة الوحدة» ولو على شبر واحد من الأرض العربية، وان تكون وحدة سورية والعراق هي خطوة في هذا الاتجاه…
في المؤتمر القومي العربي، الذي حضره أيضا رموز اسلامية بارزة كراشد الغنوشي، والمرشح الرئاسي المصري السابق الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح، او امين عام حركة البناء الوطني الجزائرية احمد الدان، كانت المناقشات خالية من سموم التحريض المذهبي والطائفي والعرقي التي تنفق المليارات لبثها في حياة الأمة، بل كان هناك إصرار على التمسك بما يوحد ورفض ما يفرّق، وعلى انّ لنهضة الامة عناصر باتت معروفة هي الوحدة والديمقراطية والاستقلال الوطني والقومي والعدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة والتجدّد الحضاري التي كان لكلّ هدف منها ورقة خاصة أعدّها مفكرون وباحثون من مصر والمغرب ولبنان والكويت كأحمد يوسف احمد مصر ، واسماعيل الشطي الكويت ، وعبد الصمد بلكبير المغرب ، وعبد الغفار شكر مصر ، وجورج قرم لبنان ، والاباتي انطوان ضو لبنان الذي استحقت ورقته عن التجدد الحضاري تصفيقاً شديداً وطويلاً في تأكيد على تمسك المؤتمر بالوحدة الوطنية داخل كلّ قطر، وبالوحدة العربية على مستوى الامة لأنّ الامة العربية هي من الأمم القليلة التي تعتز انّ صانعي حضارتها، عرب ومسلمون من ديانات وثقافات وقوميات متعددة…
لم يكن رفض المؤتمر لقرارات القمم العربية والاسلامية باعتبار حزب الله منظمة إرهابية هو أبرز ما جرى في المؤتمر، بل كان ايضاً رفض الحرب على اقطار الامة وفيها، لا سيما في سورية واليمن وليبيا وصولاً الى مصر وتونس والبحرين، بل الدعوة الى إسقاط كلّ العقوبات والحصار على سورية، وهي دعوة أطلقها المؤتمر، ومن تونس ايضاًَ، عام 2012، فيما اعتبر اول موقف شعبي عربي رافض رؤية النظام الرسمي العربي لما يجري ضدّ سورية، وهو ما ترجمه اعضاء المؤتمر بعقد أول وأبرز منتديين عربيين دوليين لمناهضة التدخل الاجنبي في سورية، ودعم الحوار والإصلاح ونطلق المبادرة الشعبية العربية لمناهضة التدخل الاجنبي ودعم الحوار والإصلاح برئاسة امين عام المؤتمر السابق خالد السفياني.
طبعاً كانت فلسطين حاضرة في المؤتمر، ليس فقط من خلال الورقة الدقيقة في تحليلها والمتفائلة في روايتها، التي أعدّها المفكر منير شفيق حول «انتفاضة القدس» متوقعاً انّ هذه الانتفاضة مؤهّلة لأن تدحر الا حتلال عن الضفة والقدس خلال عام اذا ما تمّ احتضانها من قبل القوى الفلسطينية والعربية والاسلامية، وتراجعت السلطة عن اتفاق التنسيق الأمني مع العدو، وأدرك الجميع ضعف الكيان الصهيوني بعد اربعة حروب هزم فيها جنوب لبنان وقطاع غزة وان علاقته بحلفائه التاريخيين مهتزة، وانّ هناك ما يشبه الانقلاب في الرأي العام العالمي المتحول نحو إدانته ومقاطعته…
لبنان لم يغب عن المؤتمر طبعاً، فكانت دعوة لإسقاط القرارات المشبوهة ضدّ حزب الله، وللتعجيل بانتخاب رئاسي، وللتضامن مع وسائل إعلامية لبنانية كـ»المنار» و«الميادين» وغيرهما في وجه محاولات حجبهما عن المشاهدين العرب.
طبعا كان للعراق، كما اليمن وليبيا والبحرين مكانهم في المناقشات، فدعا الأمين العام السابق للمؤتمر معن بشور الى تصفية آثار الاحتلال في العراق وتداعياته وعمليته السياسية والى مصالحة وطنية ترفض الإقصاء والاجتثاث، وحول اليمن كانت دعوة لإنهاء العدوان عليه والاحتراب فيه، كما كانت دعوات لدعم الحلّ السياسي في ليبيا، والحوار الجدي في البحرين مع إطلاق سراح المعتقلين وبينهم عضوا المؤتمر ابراهيم شريف وفاضل عباس.
اللغة العربية كانت القضية الخاصة التي اختار المؤتمر مناقشتها في هذه الدورة، وقدم ورقتها وزير التربية التونسي د. عبد اللطيف عبيد، فكان هناك إجماع على المخاطر التي تهدد اللغة العربية، كجزء من مشروع لإلغاء الهوية العربية، وإجماع على ضرورة ان يتولى أعضاء المؤتمر في أقطارهم دعم «جمعيات الدفاع عن اللغة العربية» او تأسيسها كأحد أبرز أشكال الدفاع عن هوية الأمة ووجودها خصوصاً لارتباط اللغة بالتنمية والاستقلال والحرية وعناصر المشروع النهضوي كافة.
المؤتمر بحث ايضاً أوضاع المؤتمر الداخلية وسبل تطويره لا سيما في مواحهة الحصار المالي والإعلامي الذي يواجهه بسبب إصراره على ان يبقى كياناً مستقلاً وليس امتداداً لنظام او جهة او حزب بل اطاراً للتفاعل في سبيل نهوض الامة وتحرّرها.
ومن المتوقع للبيان الختامي للمؤتمر الذي تعدّه نخبة من أعضائه برئاسة نائب امينه العام مجدي المعصراوي مصر ، انه سيكون بالتأكيد انعكاساً للمناقشات والمواقف ويعلن موقفاً يستعيد للعروبة بوصلتها، وللحركة القومية العربية نقاءها وصفاءها ووحدويتها العابرة لكلّ العصبيات المريضة.
رئيس المنتدى القومي العربي في شمال لبنان