مختصر مفيد اليمن… الجرح الأخير والخياطة الأولى!

الموقع المفصلي للسعودية في أزمات المنطقة حفاظاً على دور فات، وبات من الماضي مع متغيّرات لا يمكن أن تعود بها عقارب الساعة إلى الوراء أهمها تصاعد مكانة إيران، وتقادم عناصر قوّتها من جهة، وتحوّل روسيا بتموضعها العسكري الاستراتيجي في سورية إلى لاعب إقليميّ حاسم، إضافة إلى صفتها كقوّة دولية عظمى وتتعاظم من جهة أخرى. ومن جهة ثالثة استحضار الغرب للحرب على الإرهاب كأولوية تجعله أقرب بمنطق الشراكة المصلحية لخصوم السعودية في المنطقة الأشدّ صدقية وفعالية منها في توفير مقتضيات هذه الحرب. وأخيراً، تراجع عام يصيب الحلفاء الذين يعيشون وضعاً مشابهاً للحال السعودية في مواجهة الخصوم أنفسهم، خصوصاً حال التراجع في مصادر القوة لكلّ من تركيا و«إسرائيل».

من موقع هذه الصفة للسعودية التي كانت عنوان الزمن العربيّ خلال نصف قرن يتثاءب منذ ما بعد حرب 1967، وغياب مرجعية استراتيجية بديلة لزعامة جمال عبد الناصر، الذي ذهبت مصر بغيابه إلى الحضن السعودي، وصارت السعودية ومصر شريكين حكميين لسورية حافظ الأسد في حرب 1973، ومصدر التآمر على الحرب وأهدافها، ومن رحم الحرب استيلاد «كامب ديفيد» التي التحقت بها السعودية مؤخراً من بوابة جزيرتَي صنافير وتيران، لتمتد هذه الحقبة بصناعة السياسة في الشرق الأوسط. وها هي تواجه اليوم عواصف تنذر بالضمور حيناً والأفول أحياناً. ومن هذا الموقع تعيش السعودية حالة إنكار تتمثل بالسعي الهيستيري إلى استعادة العافية واصطناع مصادر القوة. كانت حرب اليمن أبرز تعابيرها .

بالتزامن والتوازي مع حرب اليمن، كانت المداخلة السعودية في الحرب على سورية تتصاعد، وتشكّل مصدر مقاربتها لأزمات المنطقة وتوازناتها. فمنها تقيس السعودية مستقبل دور خصمين لدودين، ومصير حليفين ودودين. فمصير ومستقبل القوة لكل من إيران وحزب الله من جهة، و«إسرائيل» وتركيا من جهة مقابلة يتقرّر في هذه الحرب. بينما الكابوس الدائم يبقى في عودة التعافي إلى سورية وعودتها إلى الساحة الإقليمية لاعباً حاسماً مزوّداً بقوّة نصر يصعب ضبط مفاعيل القوة التي يمنحها للرئيس السوري في صناعة السياسة العربية بعدها. فكانت حرب اليمن حرب الحروب. فهي خطّ الدفاع عن الحديقة الخلفية، وهي حرب تقديم الإثبات على القدرة على تغيير التوازنات التي صنعت وتصنع الانخراط الأميركي في صناعة التسويات. وهي في الوقت نفسه حرب الرسائل بالنار لصناعة التحالفات وقيادتها في الإقليم الذي تصاغ خرائطه مجدّداً .

من الفشل في حرب اليمن والانخراط السعودي في الهدنة، وصولاً إلى التفاوض قبلها وبعدها، وانطلاق مفاوضات الكويت، تكون السعودية رغم الإنكار قد استسلمت لقدر التوازنات الجديدة. وزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ليست للتشجيع على التفاوض، بل للحصول على توقيع الشاهد الملك على وثيقة التحوّل والتموضع. فأول الجروح يخاط أخيراً، لكن آخرها هو الخياطة الأولى، وهذا هو اليمن.

ناصر قنديل

ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى