صباحات
عبق ياسمين وحبق حنين وشوق دفين… شام التاريخ والجغرافيا عشق السنين… صباح الخير.
من ينتظر طلوع الشمس يبقى ينتظر شعاعاً بعينه يضيء في عينه، يتحقق منه وحده أنه طلوع الصباح، لينام بأمان. وكثيراً ما لا يشهد الشعاع الذي ينتظر، فيتابع الانتظار وينتصف عليه النهار. وهو في الانتظار ولا يكون عنده قد طلع الصباح… بانتظار صباح جديد، غالباً ما تكون انتظاراتنا لأمور في دواخلنا تحرّكها أشياء تحدث خارجنا، لكنها لا تفعل الشيء نفسه كلّ مرّة، لأننا ننتظر الفرح ومفتاح الفرح العظيم صبر عظيم… والشعاع الذي ننتظر آت لا محالة. المهم ألا يكون بين المنتظرين من غالبه النعاس أو شاغله اليأس فانصرف وضاعت عليه تلك اللحظة المشهودة الآتية حتماً.
الوقت هو عمرنا، وبه نقيس الرجاء فنقول سفر ساعة لنختصر مرارة طول المسافات. وهكذا قال الرسول لعمّه حمزة: بينك وبين الجنة مسافة حبة تمر. ونقول النصر صبر ساعة.
نرى الجمال بقلوبنا ونظنه بعيوننا، وكثيراً ما نهزأ من أذواق الغير ويهزأون من أذواقنا. ومرّات نهزأ نحن مما كانت عليه اختياراتنا. ومرّات نمارس تفنّن الانتقاء ونظنّها اختياراتنا الأفضل. لكننا في النهاية نحسّ الجمال ولا نراه. ومَن يراه هم الآخرون، وأسوا العادات أن نرتضي النظر بعيونهم ونبحث عن إرضائهم فنتخيل أقوالهم ونعلّمها لشفاهنا، فنحيا بقلق دائم ولا نعرف صحة الاختيارات. وتضيع سفينتنا في بحر العمر ونحن نتقلب على جمر ما سيقوله الناس عن أشياء وحدنا من سيدفع ثمنها، ومن سيلقى عائداتها، لأننا ضعفاء أمام أكذوبة التباهي والمقارنات بمقاييس الغير، والغير يقارن بمقاييسنا، ولا أحد يخلص لذاته ويدور الوهم ولا يصير حقيقة. لهذا، تغزو الابتسامة الصفراء وجوه الناس في ادّعاء الفرح.
الحبّ شعور بالرضا على مدار الزمن. لكن ما يعرفه كثيرون من الناس ويسمّونه حبّاً، ليس مضرّاً إذا اجتمع بالحبّ، وهو شعور بالرغبة أو بالإعجاب وحبّ الاقتناء طلباً للتباهي. فالمقياس هو ماذا يقول الناس ومنه يتولّد ما نظنّه الإحساس. أما الشعور بالرضا، فهو ما بعد مرحلة كلام الناس وزمن التباهي والمقارنة والقياس. وعندما تستقر المياه في وعائها، يقع الكثيرون في اليأس ويقارنون سقف توقعاتهم بواقعهم، لأنهم بنوا قصوراً لأحلامهم لا تشبه خياراتهم، بل تستوحي السعادة من مقاييس لا تتصل بالقرب والجوار والتكرار والسلوك والحوار، بل بالصفات المعلنة والمظاهر المتقنة والألقاب والمناصب والشكل والهندام. لهذا، كان الحبّ نصفاً من الخارج ونصفاً من الداخل، وما يأتي من نصف الخارج قد يكتسب أو يتغير، وهو ما يمنح الحبّ قوة اجتماعية وله مكانه. لكنه ليس أصل فرح الحبّ والسعادة. أما نصف الداخل فهو الثابت الذي لا يتغيّر، ووحده الذي يمنح الرضا. فلماذا يفعل غالبية الناس العكس في خياراتهم؟
تنشأ بين رموز الكلام والناس علاقات غامضة لا يقدرون على تفسيرها في تقاطعات التلقّي والتفاعل، كما بين تقاطعات الزمان والمكان بأناس لا نعرفهم أثناء مرورنا. فتنشأ الحماسة لدقة المواعيد، ليس بداعي الأمور الأصلية لأسباب المرور بل لأننا ننتظر استعادة شعور تلك اللحظة الغامضة التي مرّت بتقاطع غير مقصود. وغالباً نقدّر معناها بعد الرحيل. اللحظة التي نقبض عليها هي اختبار إرادة صنع القرار في الحبّ والحرب، وكل ما فيه اختيار وداؤه انتظار.
تصيب متلازمة امرئ القيس كلّ العاشقين، فيشعرون بتبدّل علاقتهم بالنوم والضوء وتختصر قدرتهم على النوم ساعات طوال، ويملكون شعوراً بالنشاط والرضا. ولكنهم عندما يصابون بداء الشكوى والتذمّر، يكون الحال مع الحبّ مختلفاً. فمتى زاد حديثهم عن القناعة كانوا في حالة حبّ حقيقيّ، ومتى زاد حديثهم عن الطموح كانوا يغادرون حبّاً حقيقياً، ومتى زاد حديثهم عن الصداقة كانوا يخفون حبّاً عميقاً، ومتى زاد حديثهم عن الكرامة كانوا في حبّ من طرف واحد، ومتى زاد حديثهم عن الحرية كانوا يقدّرون حبّاً من طرف واحد، ومتى ظهرت الابتسامة مع التذمّر كانوا يسيطرون على الأوضاع. أما متى كان القلق والتوتر فهم في حالة ضعف مهما كابروا وأظهروا الاستخفاف والمقدرة، فتأتي ابتساماتهم مجاملة.