قهوجي يدفع فاتورة سليمان
ناصر قنديل
– خلال ثلاث سنوات مضت، أي النصف الثاني من ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان كانت أزمة عرسال تتفاقم، وكان قرار تحويلها قاعدة ارتكاز للعمل العسكري للفصائل السورية المسلحة بمعزل عن لونها وشكلها، يترجم بصورة يومية تحت حماية معنوية ومادية من تيار المستقبل، لكن في ظل حماقة سياسية بلا أي من معاني الأخلاق اسمها النأي بالنفس بترجمتها الميقاتية السليمانية، أي المساواة بين الدولة السورية – التي لحم أكتافهم من خيرها – من جهة والعصابات المسلحة من جهة مقابلة، هذه المجموعات التي يعرفون ماهيتها وهوية قادتها وفقاً للتقارير الموضوعة بين أيديهم، والتي تقول إن لا حول ولا طول لما يسمى بالمجموعات المعتدلة بينها، إلا في أروقة المشاورات الديبلوماسية والصالونات الدولية، أما الميدان فهو كما في طرابلس التي يعرفونها بالملموس بلا تقارير، مكرس لجماعات دينية ترفع راية إقامة دولة الشريعة سواء على طريقة «النصرة» أو «داعش» أو سواهما، لكنها في النهاية ترفع راية مقاتلة كل ما عداها داخل المذهب نفسه، وحكماً كل من يقف خارج مذهبها وطائفتها وما تسميه دينها، وبالتالي هم يعرفون أن لا صحة لما كانوا يسمونه ثورة سورية أو ما يدعون أنه قرار الشعب السوري وخياراته من نظام حكمه، بل يدركون أنهم شركاء في الرهان على التلاقي بين ثلاثة عناصر أبعد ما تكون عن الثورة، انتقام سياسي مذهبي لمجموعات التطرف الديني السورية من الدولة العلمانية السورية بكل مكوناتها ورموزها التي أغلقت فرص التسلل التي خططت لها على الطريقة التركية، من جهة، والقرار الدولي الإقليمي خصوصاً السعودي – الأميركي وإلى جنباته التركي «الإسرائيلي» – القطري، بتغيير جيواستراتيجي لخريطة المنطقة بوضع اليد على سورية وتقاسم عائدات هذه الشركة المساهمة وأرباحها من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة، مشروع متفرعات «القاعدة» بالتجمع في بلاد الشام للتواجد على ضفاف المتوسط ومناطق النفط، بعد تعلم دروس وعِبَر تجربة أفغانستان والنأي بالنفس جغرافياً عن مناطق الحيوية والدينامية الصانعة للسياسة.
– خلال ثلاث سنوات مضت قد يفهم لتيار المستقبل موقفه المحكوم أولاً بقرار سعودي وهو يرتبط بالسعودية بحبل السرة، وبالخلفية المذهبية، وبالمرجعية التي صنعت دوره السياسي في التسويات والنزاعات من الطائف إلى اليوم، وتالياً بخلفيات الحقد الموروث على سورية في ظل كل التحريض الدولي والإقليمي والتوظيف السياسي والإعلامي لاغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوجيه الإتهام لتحالف سورية وحزب الله وتوهّم أن زمن الانتقام قد حان، كما قد يفهم رهان المستقبل أن يكون جزءاً من حلف دولي إقليمي كبير عنوانه إسقاط سورية وما يترتب تالياً على ذلك من إضعاف وتحجيم للمقاومة وحزبها الرئيسي، ليكون ثمة عائد لكل شريك ولكن سيكون العائد السهل هو حصته بالإمساك بالحكم في لبنان، وهو الحلم الذي يطارده تيار المستقبل ويبحث عن فرص تحقيقه منذ زمن، لكن لا يمكن فهم ولا تفهّم موقف الرئيس نجيب ميقاتي الآتي من كنف العلاقة بسورية إقليمياً ومن كنف احتضان حزب الله له وصولاً به إلى كرسي رئاسة الحكومة وسط قرار بالعزل بحقه سعودياً وحريرياً، ليصير قيامه بتطبيق خطة خصومه بيديه، كمن يطلق النار على ساقيه في ساحة المعركة، وهو يعلم أن العدو لن يرحمه، وهو يعلم أن الشماتة ستكون أول ما يلقاه عندما يجري استغلال موقفه لهزيمة الحلف الذي تسلق على أكتافه فيرمى جانباً، لكن يمكن إيجاد أسباب تخفيفية للرئيس ميقاتي إنطلاقاً من شيء واحد وهو أنه كان محكوماً بفوبيا الخوف من الملاحقة داخل طائفته بالتخوين، فقرر أن يفعل ما يريده خصومه علّهم يحفظون له في مكان ما بعضاً من الرحمة وهم ينتصرون، فيكفي عقاباً له أنهم لم ينتصروا، وأنه فقد ثقة من جاء به ذات مرة، فخرج لا يلوي على حاضر ولا على مستقبل.
– خلال ثلاث سنوات كان هناك واحد فقط لا عذر له ولا يمكن إيجاد سبب لتفهّمه أو لفهمه ولا بالتأكيد لإيجاد سبب تخفيفي له هو الرئيس السابق ميشال سليمان، الآتي من اللاحيثية سياسية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، خلافاً للميقاتي، والآتي من بيئة طائفية تشعر بالاستهداف والخوف والذعر كلما حقق المشروع الذي قام بفتح الإبط لتمريره مزيداً من التقدم، وهو الآتي من رحم مؤسسة الجيش ومفهومها العميق للأمن الوطني والقومي، والمدرك معاني تجذر التطرف والإرهاب، وهو الذي عاش تجربتَي الضنية عام 2000 ونهر البارد عام 2007، والعارف بمعنى نشوء ما يجمع بينهما للمرة الأولى في قلب البيئة اللبنانية على خطوط التعبئة المذهبية والحرب الأهلية، ميشال سليمان قامر مقابل لا شيء، فعل كل ما يضر ببيئته ومؤسسته، ومن جاء به، ومن جعله اسماً في نادي الرؤساء في مقابل صفر رهان، فالتمديد الذي حلم به يوماً يعرف أكثر من سواه، أنه يحتاج ثلثي البرلمان وأنه لن يراه لا في اليقظة ولا في المنام، لأن ثمة تحالفاً مسيحياً يضم العماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية يعد اللحظات ليراه خارج بعبدا ومعه تقريباً ربع البرلمان، وثمة من يشعر بالخيانة والخداع والطعن من الظهر هو حزب الله، سيضع كل ثقله لدى كل من تهمهم حساباته كي تصير المعادلة في أسوأ الأحوال «مين ما كان المهم مش ميشال سليمان»، ويصير الثلث المعطل مضموناً لمنع التمديد، فكيف وهناك من لا يرى فيه من يستحق كل ما فعله من أجله مسهلاً له الوصول لسدة الرئاسة ذات يوم، وفاتحاً له أبواب النجاح كل يوم، وهو الرئيس نبيه بري، ويكفي هذا وحده ليصير التمديد إن كان قضية الآخرين، وإسقاطه قضية بري وحده، أن يكون مصيره السقوط، فبأي حساب قامر سليمان؟
– اليوم يبدو واضحاً أن مقامرة سليمان يدفع ثمنها لبنان، لأنه كان يكفي من موقعه كرئيس للجمهورية خلال النصف الثاني من ولايته، ومن موقعه كقائد سابق للجيش، أن يرفض لعبة عرسال وعكار كما لعبها تيار المستقبل، كي لا تكون، يكفي كان أن يفصل بين النأي بالنفس كدعوة لعدم تبني الدولة اللبنانية لموقف إلى جانب فريق من فريقي النزاع الإقليمي في وعلى سورية، وبين الحاجة لإبقاء لبنان أمنياً في منطقة الأمان، فيحول دون العبث، ويحفظ التنسيق الأمني للجيش اللبناني مع الجيش السوري وأجهزة أمنه ومع المقاومة وأمنها، فلا تكون عرسال ولا يكون لبنان ممراً ولا مقراً للإرهاب، الذي بات يملك اليوم أكثر من ممر ومقر، خيار ميشال سليمان جلب التركة الثقيلة التي على الجيش اللبناني والشعب اللبناني تحمل تبعاتها من الخراب والدماء اليوم.
– العماد جان قهوجي كقائد للجيش ومرشح ضمني دائم لرئاسة الجمهورية من دون أن يترشح، يحمل أعباء تركة ميشال سليمان مرتين، مرة بدماء جنوده وضباطه الذين يسقطون شهداء وجرحى، بالتالي بتعريض الجيش لامتحان مخاطرة لا يسهل ضمان الفوز بها، ومرة بجعل المخاطرة بالتفكير بقائد جيش آخر لرئاسة الجمهورية يطرح السؤال ماذا لو كرر تجربة ميشال سليمان؟
– هل فعلها سليمان بحق قهوجي بالمرتين بسابق تصور وتصميم؟