واشنطن والرياض… طلاق بائن أم تصالح محتمل؟
د. هلا علي
في السياسة كثيراً ما نجد أنفسنا وجهاً لوجه مع نظرية الألعاب game theory التي وضعها الفرنسي جون فون نويمان. وطوّرها في ما بعد الهنغاري الأميركي جون ناش. وعلى الرغم من انّ النظرية وضعت أساساً في مجال الرياضيات، إلا أنها حققت تطبيقاً لافتاً في مجال الإدارة والاقتصاد والسياسة. ما هو مكان هذه النظرية هنا؟ تخضع العلاقة بين واشنطن والرياض اليوم لهذا التوازن اللامتوازن ربما أو الضروري، فالخسارة ستكون من نصيب الطرفين والرابح هو من يخسر أقلّ.
برود في المساندة الأميركية للسعودية، يقابله برود، استقبال سعودي غير مسبوق لرئيس أميركي، تصريح أميركي صارخ تقابله رغبة جامحة بالتعامل السعودي مع أطراف غير معهودة، نصائح أميركية للرياض بالتعاون مع إيران، يقابلها تحدّ سعودي لإيران وتفاوض سعودي روسي وسعودي فرنسي، ونموّ إرادة سعودية بمشاركة إيران «القطبية الشرقية»، إنْ جاز التعبير.
تغيير جلي في سياسة الدولة العظمى التي تودّع رئيساً، ونشاط ملحوظ في أداء المملكة التي استقبلت ملكها الجديد. والحقيقة منذ تَسَلُّمِ الملك سلمان عرش المملكة، والسياسةُ السعوديةُ الخارجية آخذة بالتحرك اللافت. يفصح هذا التغيير عن نفسه في جملة من التسويات والمعاهدات والزيارات وتعزيز العلاقات مع العديد من الدول العربية والغربية، وفي محاولات للتسوية مع «إسرائيل» التي لا تبدو علاقتها بواشنطن على أحسن حال. يُضاف الى ذلك سعي الرياض الى تعزيز العلاقات مع موسكو، القطب الهامّ المنافس للأميركي اليوم، ناهيك عن التحرك السعودي لكسب التأييد والدعم وخاصة من حلفاء عرب.
الرياض اليوم لا تشبه أمسها. أوباما في حواراته الصحافية، وفي القمة الأميركية الخليجية، يبدي نوعاً من التخلي النسبي أو الموقت ربما عن دعم الحلفاء وعلى رأسهم السعودية.
الخسارة ثنائية. السعودية فقدت القوة التي كانت تستمدّها من الولايات المتحدة ولم يعد لتحالف الطرفين البريق ذاته. وأميركا تخسر الحماسة التي حصلت عليها مسبقاً من حليف عربي قويّ لها مثل السعودية. الرياض اليوم تعامل واشنطن بالمثل. تصريح صارخ لأوباما في حواره الصحافي لمجلة «ذي أتلانتيك» ما سمّي بـ»عقيدة أوباما» معتبراً فيه السعودية داعمة للإرهاب، كان كافياً ليدفع بساسة الرياض الى التوجه نحو موسكو لإثبات استمرارية وجود حلفاء أقوياء بل وجود حلفاء ومنافسين للأميركيين وكأنّ الرياض تقول: ما زال لدينا حلفاء أقوياء.
وأيضاً، وصف أوباما للعلاقة بين واشنطن والرياض بأنها معقدة، أغضب الرياض التي أفصحت عن نفسها في توجهات جديدة للسعودية لكسب تأييد ودعم عربيين ودوليين. وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل اكتشفت الولايات المتحدة الأميركية عبثية حروبها سواء الخشنة منها أم الناعمة في الشرق الأوسط، وأنّ النتيجة كانت دماء وخراباً فحسب؟ هل تريد واشنطن أن تحطم صنم الإرهاب الذي صنعته بيديها مدعومة ومتحالفة مع قوى عربية وغربية؟ هل كانت تلك القوى التي تحالفت مع أميركا مجرد أدوات لتحقيق غايات اقتصادية أميركية؟ هل انتهت المهمة فيجب إنهاء المنفذين؟ ثم لماذا يفتتح اليوم في هذه اللحظات بالذات ملفّ تورّط السعودية في أحداث 11 أيلول 2001؟
أولاً: أن يكون الشعور بالذنب هو الدافع وراء تغيّر السياسة الأميركية التي تريد السلام لتنهي زمن الدم فهذا هراء سياسي ليس إلا.
ثانياً: تحطيم أصنام الإرهاب المصنوع أميركياً المدعوم بالفكر الوهابي والمموًل سعودياً، وارد ومحتمل. ذلك أنّ أوروبا الغربية تطالب أميركا اليوم بالتحرك الجادّ لمحاربة الإرهاب. القلق الغربي يشتدّ حيال المدّ السريع لجماعات متطرفة إرهابية أصبحت تشارك الأوروبيين الحياة والعمل والرأي. فالحكومات الأوروبية تريد محاربة الإرهاب بعد أن شعرت بجدية اقتراب الخطر لا سيما بعد تفجيرات باريس وبروكسل. ليست الحكومات فقط، المواطن الأوروبي عموماً ليس كائناً منخرطاً في السياسة، فهو لا يريد الحروب ويخشى التهديدات الوجودية، يريد العيش بسلام وقضاء عطلة نهاية أسبوع هانئة بعد عمل مضنٍ لساعات طويلة. وبحسب الاستبيانات والإحصاءات الغربية، فإنّ الشعوب في أوروبا تضغط على الحكومات لمكافحة الإرهاب. وأما بالنسبة لاحتمال إنهاء المنفذ بعد إتمام المهمة فهذا ليس ببعيد عن السياسة الأميركية بعد أن حققت أهدافاً اقتصادية اعتمدت على المال الخليجي.
ثالثا: إنّ التهديد بفضح تورّط سعودي في أحداث تفجيرات 11 أيلول من العام 2001 ليس إلا جزءاً من نظرية الألعاب السياسية التي يستخدم فيها طرف كلّ ما لديه من أوراق للضغط على أو لإحراج الطرف الآخر لتسجيل نقاط إضافية بأقلّ خسارة ممكنة.
رابعاً: مخطئ كلّ من يعتقد أنّ يد أوباما هي المتحكم الوحيد في السياسة الأميركية سواء حيال السعودية أو غيرها. قد تكون هنالك رغبة لدى أوباما في الخروج من البيت الأبيض بصورة يفترض أنها الأمثل بعد أن خيّب أمل حلفائه الداعين إلى ضرب سورية صيف 2013. وقد قال في حواره لمجلة «ذي اتلانتيك»: «ربما يذكرون بوش بقسوة بسبب الأشياء التي فعلها. أنا متأكد أنني سَأُذكَر على نحو جيّد بسبب الأشياء التي لم أفعلها…»، لكن هذا لا يعني أنه صاحب القرار، فالإدارة الأميركية متكاملة هي التي توجه سياسة الرؤساء حسب ما تراه يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة.
خامساً: مخطئ أيضاً كلّ من يعتقد أنّ الخلاف بين واشنطن والرياض دائم، فالطلاق ليس بائناً، وهنالك فرصة لعودة المياه الى مجاريها لا سيما انّه في السياسة ليس هنالك من عدو دائم أو صديق دائم وانما مصالح دائمة…