حكمة الرئيس بري المخرج الوحيد للمأزق الرئاسي
أسامة العرب
يتمّ التداول في بعض وسائل الإعلام أنّ القرارات الدولية والعربية والخليجية التي طالت المقاومة مؤخراً، تهدف لمحاصرتها سياسياً وتطويقها إقليمياً وخنقها دولياً، بغية جعلها تستسيغ فكرة الرئيس التوافقي «الحيادي» في خِضمّ أزمتها، اعتقاداً منها بأنّ ذلك الرئيس سوف يؤمّن لها مكاسب سياسية أبرزها حمايتها في حكومة تظلّلها بشرعيتها، علماً بأنّ ذلك لن يكون متاحاً لها لاحقاً. وتضيف تلك الوسائل قائلةً، إنّ هدف تلك الدول من تبنّي فكرة الرئيس الحيادي رغبتها بإلزامه لاحقاً بـ«إعلان بعبدا» وبحصرية السلاح وبدور الجيش في حماية الحدود ومحاربة الإرهاب. على أن تحاول إلزامه أيضاً بمضمون القرارات التي أصدرها مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية وقمة التعاون الإسلامي والبرلمان العربي لناحية وجوب اعتبار المقاومة منظمة إرهابية. وتغالي تلك الوسائل قائلةً بأنّ ما سبق يهدف أيضاً لنزع صفة المقاومة عنها، بغية التوجه لاحقاً إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات تتعلق بكيفية تجريدها من سلاحها.
وهنا، لا بدّ لنا من التأكيد على أنّ المقاومة هي رمز كرامة لبنان وحصانته وضمانة وجوده، ذلك أنّ المقاومة هي الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تحرّر ما تبقّى لنا من أراضٍ محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، ووحدها التي بإمكانها أن تؤمّن لنا ضمانات حقيقيّة تمنع الكيان الصهيوني من مواصلة اعتداءاته البرية والجوية والبحرية علينا، وتمنعه كذلك من اعتقال أبنائنا واقتيادهم إلى السجون «الإسرائيلية»، وتقينا أيضاً من شرور امتداد الإرهاب التكفيري إلى أراضينا. ولذلك، فإنّ المقاومة واجبٌ وطني بامتياز، ومن الضروري جداً أن نسعى لكي تبقى مستمرّة بنضالاتها وعطاءاتها حتى تحقق أهدافها الاستراتيجية كافة.
ومن هذا المنطلق، فإنّ استهداف المقاومة دولياً وخليجياً يشكل استهدافاً لأمن لبنان ومستقبله، وأكبر دليل على ذلك مطالبة رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو مؤخراً للمجتمع الدولي بأن يعترف بـ«سيادة» الكيان الصهيوني على الجولان السوري المحتلّ. وقوله أيضاً بأنّ «إسرائيل لن تبرح هضبة الجولان إلى الأبد». والمفارقة هنا، بأننا لم نسمع لا عن قرار صدر عن مجلس التعاون الخليجي ولا عن منظمة التعاون الإسلامي ولا حتى عن جامعة الدول العربية أو البرلمان العربي يدين تلك التصريحات ويتخذ إجراءات فورية بشأنها، ذلك أنّ تدخل الكيان الصهيوني في الشأن السوري وسعيه إلى تقسيم سورية واقتطاع الجولان المحتلّ منها نهائياً، لا يبدو بتاتاً بأنه يدخل في أجندات تلك الهيئات العربية والإسلامية. والمفارقة الأخرى، أنّ الفلسطينيين هم أيضاً باتوا يصرّحون على وسائل الإعلام كافة بأنهم سئموا من قرارات الشجب والاستنكار الصادرة عن تلك الهيئات، والتي لا تفيد ولا تنفع بشيء، سوى البعض القليل من أصحابها.
ومن هذا المنطلق فإنّ ثوابتنا الوطنية تقتضي منا أن نسعى إلى إيصال رئيس من فريق 8 آذار إلى سدة الرئاسة، على أن يكون موثوقاً به ومشهوداً له بوقوفه إلى جانب الخط المقاوم، وعلى أن تكون ثوابته الوطنية والقومية معروفة سلفاً. إنما خريطة الطريق لتحقيق ذلك، لا تكمن إلا بالانفتاح على الحوار المتواصل، لا سيما بين أفرقاء 8 آذار بين بعضهم بعضاً. ذلك أننا نخشى أن تنشأ خلافات داخلية بين هؤلاء مستقبلاً وتؤدّي للإضرار بهم وبالمقاومة معاً.
ولذلك يجب على المقاومة أن تدرك أهمية هذا الأمر، خصوصاً أنّ الدعم الدولي والإقليمي الذي أودى بتبنّي ترشيح اثنين من حلفائها، لم يكن المقصودٌ منه دعمهما من قبل خصومهما السياسيين، وإنما إخراجهما معاً من المعادلة، ومن ثم الضغط لمجيء رئيس حيادي من خارج الاصطفافات السياسية، تنفيذاً للمشروع الغربي المذكور آنفاً.
وبالتالي، فإنّ عمل المقاومة اليوم يجب أن يكون منصبّاً على تقريب وجهات النظر بين الأصدقاء، لا سيما أنّ فهم المعادلات الدولية والإقليمية، والتداول المشترك بحقيقة غايات الآخرين ونياتهم، سوف يؤدّي حكماً للتوصل إلى حلّ نهائي لهذه الأزمة. ومن ناحية أخرى، فلماذا لا يقوم المرشحان الرئاسيان أنفسهما بالتوافق على صيغة معينة تؤمّن عدم إخراجهما سوياً من دائرة التسويات لاحقاً؟
كما أنّ هذا الأمر قد يصبح يسيراً بمساعدة من دولة الرئيس المقاوم الأستاذ نبيه بري والذي هو أحد أعمدة الاعتدال في هذا البلد، والذي يشهد له الجميع بعمله الدؤوب من دون كلل أو ملل في جمع الأضداد وفي ضمّ طاولات الحوار إلى طاولة واحدة، وفي تقريب المسافات بين جميع المكونات السياسية في البلد. لا سيما أنه بإدارته الحكيمة والرشيدة استطاع أن يفعّل عمل المؤسسات الدستورية المتبقية في لبنان، محاولاً إخراجنا من هذا المأزق الخطير. ومن هنا، فإننا ندعو للتعويل على حكمته ومساعيه الحميدة لتسخير كلّ الطاقات في البلد للمّ شمل فريق 8 آذار من جديد على موقف موحّد من الرئاسة، ولإيجاد الحلول المناسبة لتباينات الآراء البناءة بينهم.
ولذلك أيضاً، فلا بدّ من التواصل الدائم مع الدول الصديقة لتحقيق ما تقدم، علماً بأنّ مجيء رئيس من فريقنا نفسه سوف يكون له وقع هامّ على مجريات الأمور، كما أنه سوف يشكل ردّاً قوياً على كلّ من يسوق الاتهامات الباطلة والمزيّفة بحق المقاومة وأصدقائها.
نحن لسنا بحاجة لا إلى فرنسوا هولاند ولا إلى جون كيري حتى يقوما بإيجاد المخارج الحقيقية لأزمتنا الرئاسية، ذلك أنّ أيّ حلّ سوف يساعد هذان الأخيران عليه لن يكون إلا على حساب قضايانا الوطينة والقومية، وضرباً بمقاومتنا الباسلة. وخصوصاً أننا لا ينالنا منهما معاً سوى نصائحهما بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية لإطلاق عجلة المؤسسات، ومحاولاتهما الدائمة والواهية بإيقاع الفتنة بين مثلث الصمود الشعب والجيش والمقاومة، والذي أصبح راسخاً ومتأصّلاً في وطننا. كما أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما والذي زار المنطقة في الأيام القليلة الماضية للبحث في الغضب الخليجي من نتائج الاتفاق النووي مع إيران، آتٍ لكي يؤكد تحالفه الاستراتيجي مع دول الخليج. ما يثبت لنا بأننا بحاجة إلى أن نتخذ كافة الاحتياطات اللازمة المتعلقة بالملف الرئاسي، وإلى أن نكون حذرين قدر الإمكان من هذه المرحلة الحرجة التي تمرّ بها المنطقة برمّتها.
أضف إلى ما تقدّم، فإنّ المقاومة على عكس ما يزعم البعض جاهزة كلياً بالوقت الحاضر لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، خصوصاً أنّ المرشحين الرئاسيين المطروحين اليوم هما من خطها السياسي نفسه. ولكن تصريحات البعض، والتي تطالب علناً بوجوب سحب سلاح المقاومة وتغييب شعار «الشعب والجيش والمقاومة» عن البيان الوزاري، هي السبب الوحيد الذي يعرقل انتخاب الرئيس. وبالتالي، فإننا ندعو لمواصلة الجهود حول طاولة الرئيس بري للحوار ولإنهاء هذه الأزمة، ولوقف محاولات البعض من النيل من المقاومة ومن دورها الوطني، ووقف تلطيهم كذلك حول ملف الرئاسة للمطالبة بسحب سلاحها واتهامها ظلماً وعدواناً بالإرهاب.
كما أننا نتمنى أن توقظ حكمة الرئيس بري فريق 8 آذار من أيّ مشروع تفرقة قد يحاول البعض إشعاله مستقبلاً بينهم، وأن ينبّههم كذلك إلى إمكانية وجود لعبة خارجية يحاول البعض جرّهم إليها، لا سيما أنّ الأمر مؤخراً بات أشبه بمسرحية ممسوكةٌ خيوطها بإحكام وتسعى لسحب الغطاء السياسي عن المقاومة. فحمى الله المقاومة، وحمى أحباءها.
محام، نائب رئيس
الصندوق الوطني للمهجّرين سابقاً