الجيش اللبناني ليس مكسر عصا

د. سلوى خليل الأمين

حتماً، لن يكون الجيش اللبناني مكسر عصا، ولن يكون الضحية مهما حصل وتحت أيّ ظرف مهما اشتدّت الأزمة، ومهما رفع «الداعشيون» التكفيريون عويلهم وعلا صراخهم وانشقت صدورهم، فهذا الجيش هو المؤسسة الرسمية الوحيدة الحاملة كرامة الوطن، فعل شرف وتضحية ووفاء، لذا تجب مؤازرته، فدعمه مكتوب على جبين كل مواطن لبناني شريف وفي قلبه، خاصة حين يتعرّض للافتراءات اللاوطنية، وحين ترهن إرادته لمشيئة القرار السياسي، وحين يمنع عنه السلاح المتطوّر، وحين يترك بلا موازنة مالية قيّمة تمنحه القدرة على التصدي لأعداء الوطن في الداخل والخارج، وحين يتعرّض للمؤامرات المخطط لها عبر حملات مسعورة تضمّنت التحريض الدائم واتهامه بالانحياز إلى فريق دون آخر، وذاك ما بدا جليّاً من خلال ما حصل في بلدة عرسال البقاعية. علماً أنّ الجيش اللبناني، منذ الحرب التي شنّت ضدّه في مخيم نهر البارد، يعاني من تعرّض حواجزه دوماً لهمجية العصابات الإرهابية التكفيرية المسلحة، ونجده في الوقت نفسه محاصراً بالقرار الخاضع للتجاذبات السياسية التي أساءت عبر خلافاتها إلى هذه المؤسسة التي تملك ثقة الشعب اللبناني المطلقة. لذا يبدو الفعل «الداعشي» الشيطاني الذي حصل في بلدة عرسال مخيفاً وخطيراً، إذ بدأ بعملية اختطاف لعناصر من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، ومن ثمّ باغتيال ضباط الجيش وعناصره الموجودين في البلدة لحماية أهلها، على أيدي تلك العصابات المحمية من بعض اللبنانيين الذين ظنوا أنفسهم فوارس ميدان في زمن الردّة والخيانات الملتبسة، المبطنة بألف لون ولون من جلود التماسيح.

إن بلدة عرسال لم تكن يوماً سوى مكان مشرّف للنضال القومي، وللالتزام الوطني الصافي والمشرّف لأبنائها الوطنيين وما أكثرهم، إذ كانوا جنوداً خلصاً أوفياء في مؤسسة الجيش اللبناني، وحافظوا على عهده والوفاء له، إلاّ قلة ضئيلة منهم لعب الشيطان بعقولها حين اختلف المشهد بعد احتلال العراق على أيدي الأميركيين عام 2003، وبعد حوادث لبنان عام 2005 إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعه من تقلّبات سياسية، وما تلاه من «ربيع عربي» مفبرك امتدّت شراراته إلى سورية التي صُدّرت العصابات الإرهابية المدرّبة إليها، وشُنّت حرب كونية على أرضها ضربت الحجر والبشر، لتدميرها والقضاء على موقفها الداعم للمقاومة ضدّ «إسرائيل»، عبر مخطط مدروس ومدعوم بالمال الخليجي والرجال والعتاد والتكنولوجيا، ومن خلال الحدود التركية والأردنية واللبنانية، وعبر فبركات وتضليلات إعلامية موثقة بحرب بيانات نارية ومذهبية اعتمدها بعض رجال السياسة في لبنان… مهمات ليست مستحيلة، رفدوا من خلالها الساحة السورية بالسلاح والعصابات الإرهابية التكفيرية، مبرّرين أعمالهم الشيطانية بمقولة دعم الشعب السوري وحقوقه الإنسانية التي تولى إشاعتها فريق من النواب اللبنانيين، و«على عينك يا تاجر»، من دون حسيب أو رقيب. علما أنّ بين البلدين معاهدات تحسم أمر التدخل في الشؤون الداخلية لكلا البلدين، بحيث لا يمكن للبنان أن يحكم من سورية ولا لسورية أن تحكم من لبنان، خاصة بعد الموافقة على التمثيل الديبلوماسي وفتح سفارتين في كلا البلدين الشقيقين، الأمر الذي لم يجذب اهتمام المراهنين على خراب سورية وسقوط رئيسها، وصولاً إلى سحب سلاح المقاومة لأجل تنفيذ المهمة الكبرى التي تمثل الخضوع التام للإملاءات الأميركو ـ صهيونية، لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي بدأت ملامحه في الظهور بعد انتصار المقاومة على العدو الصهيوني عام 2006.

أدى صمود المقاومة وانتصارها على الجيش «الإسرائيلي» الذي قيل إنه «القوة التي لا تقهر»، إلى إحباط المؤامرة التي حيكت ضدّها وضدّ الجيش اللبناني، إلاّ انّ تنفيذ المؤامرة الكونية المرسومة للمنطقة والمفبركة ضدّ سورية استمرت عبر ضخ النازحين السوريين المدجّجين بالمجموعات التكفيرية، بغية جعل منطقة الشمال اللبناني امتداداً إلى بلدة عرسال البقاعية منطقة حاضنة لطموحاتهم التي انتهت بإعلان الإمارة الإسلامية المفبركة في العراق وسورية، بدليل انتشار المجموعات التكفيرية بكثرة في طرابلس عاصمة الشمال اللبناني وفي منطقة عكار وفي بلدة عرسال التي استقبلت أفواج النازحين السوريين الذين فاق عددهم ثلاثة أضعاف سكان البلدة.

هذا المخطط اللعين دفع المقاومة إلى مساندة سورية لدرء الخطر الإرهابي التكفيري عن لبنان، وتجلى حديثاً في إعلان الإمارة «الداعشية» في الموصل ومنطقة الحسكة السورية، وقدر لها أن تمتدّ إلى طرابلس وعكار عن طريق بلدة عرسال التي احتشد فيها نحو سبعة آلاف «داعشي» تحصّنوا في مغاور سلسلة جبال لبنان الشرقية، في انتظار ساعة الصفر للانقضاض على الجيش اللبناني وتنفيذ مخططهم الجهنمي الهادف إلى إيجاد منفذ بحري لإمارتهم الموعودة، وهو ميناء مدينة طرابلس اللبنانية.

لذا اتخذت تلك العصابات التكفيرية الإرهابية «الداعشية» من بلدة عرسال مقراً ومستقراً لها، واتخذت أهلها أسرى ودروعاً حامية إلى أن تحين الساعة التي بدأت أخيراً بالهجوم على مخفر الدرك واعتقال عناصره وعناصر حاجز الجيش اللبناني. لكن لم يدر في خلدهم، وهم يحاصرون عرسال بهمجيتهم، وبيانات حماتهم من نواب الوطن الأشاوس! أنهم هم المهزومون أمام بسالة فوارس الجيش ومغاويره الأشداء، وأمام جميع طوائف الشعب اللبناني الداعم للجيش بالمطلق، وهو الحصن المنيع لتحرك الجيش اللبناني نحو ساحة المعركة، تنفيذاً لقرار القائد العماد جان قهوجي.

تبقى مؤسسة الجيش اللبناني الحصن الوطني الوحيد الباقي من أثر الدولة العلية، التي أضحت في مهبّ الريح، وهي المؤسسة الوحيدة التي محضها الشعب اللبناني كامل ثقته لاتخاذ القرار الصائب والحازم في حال تعرّض الوطن والشعب للخطر، ولذلك فإنّ كلّ مواطن لبناني بات مؤمناً بأن من غيرالمسموح أن يكون الجيش مكسر عصا أو أداة طيّعة في يد «بيت بو سياسة» الذين يعيشون حالة إرباك دعتهم إلى إلغاء الاحتفال بعيد الجيش الذي ينتظره الضباط الجدد لتسلّم سيوفهم التي تخوّلهم الدفاع عن حياض الوطن.

إن الظنّ بأنّ الجيش اللبناني مكسر عصا هو خطأ جسيم، والاعتقاد بأنّ القضاء على الجيش وتفتيته أمر سهل التنفيذ خطأ جسيم أيضاً، والتخطيط لمعركة عرسال عبر الخطف والقتل لضباط الجيش وعناصره عن سابق إصرار وترصّد والظنّ أنّ ذلك فرصة سانحة للقضاء عليه قد أثبت فشله في ظلّ رباطة جأش القائد العماد جان قهوجي وحكمته وشجاعته إذ أمسك بزمام المبادرة مع اتخاذ قرار الصمود والتصدي وبذكاء خارق أثبت فعاليته لدى الشعب اللبناني بمختلف أطيافه وتنوّعاته السياسية، رغم حالة الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، والمشاكل الداخلية المتراكمة التي تنعكس سلباً على عمل الحكومة وعمل مجلس النواب الذي يعيش أزمة انتهاء مدة وكالته الدستورية، التي بدا أنها ستربك الجيش وتدخله في معركة خاسرة لن تكون لمصلحته، خاصة عندما تتخذ طابعاً مذهبياً تحريضياً معطوفاً على بيئة حاضنة هُيّئت سلفاً، إلاّ أنّ حساب الحقل لم تنطبق على حساب البيدر.

هذا الفعل الشجاع من قائد الجيش وتأييد قائد المقاومة ودعمه، إضافة إلى الموقف المشرّف لقادة الوطن الشرفاء، والتفاف الشعب حول جيشه، أثبت أنّ لا مناصّ من انتصار الجيش اللبناني في معركته الفاصلة التي يخوضها ضدّ العصابات الإرهابية «الداعشية» في عرسال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى