حقيقة ما جرى في القامشلي والأيادي الأميركية ومبادرة إيرانية لإعادة الأمور إلى نصابها
حسين مرتضى
لم تكن الاشتباكات التي وقعت في القامشلي شمال شرق سورية، سحابة صيف عابرة بين قوات الدفاع الوطني من جهة، وقوات الاسايش الكردية من جهة اخرى، بل هي نتاج تراكمات لإشكاليات سابقة، ونوايا مختلفة، حيث تتقاطع المعلومات الواردة من هناك، ان الإشكال الحاصل لا يرتقي الى مستوى الاشتباكات التي دارت، او حتى احتلال المواقع والاعتقالات.
لا يخفى على احد النفوذ الأميركي المتزايد في مناطق ريف الحسكة والقامشلي، ولا يخفى على احد ان الحرب غير المعلنة هناك، تندرج في اطار حرب المطارات والنفوذ، بعد ان قام الخبراء الروس بصيانة مدرجات مطار القامشلي وإعادة تأهيل بناه التحتية، الامر الذي دفع الأميركي الى اعادة تأهيل مطار زراعي في منطقة الرميلان لا يبعد اكثر من 48 كيلومترا عن مطار القامشلي، وقامت فرقة من القوات الخاصة الأميركية بزيادة طول مدرج مطار الرميلان ليصل إلى 1315 مترا. هذا الامر زاد من حدة التوتر في المنطقة، ما جعل الأميركي، وكعادته، يخلق اساليب جديدة لبسط نفوذه في المنطقة الغنية بالنفط، فلم يكن امامه الا الخلايا التابعة له داخل مدينة القامشلي المتوترة اصلا، لخلق فتنة في المدينة، والاشتباك مع قوات الدفاع الوطني في تلك المنقطة، للتدخل في النهاية ويتم اخراج الجيش وقوات الدفاع الوطني من المدينة، وفرض سيطرة الاكراد على كل مقدرات الحياة فيها، ومنها المطار. وبالفعل كان هناك بعض العناصر ضمن تشكيلات تتبع لقوات الاسايش قد خُرِقَت من قبل المخابرات الأميركية، وبدأت محاولاتها لتغير قواعد الاشتباك والسيطرة في المدينة، معتمدة على اسلوب التحريض بعد الإشكال الذي وقع مع قوات الدفاع الوطني، والاعتقالات المتبادلة، ليتطور الامر الى حرب شوارع حقيقية شهدتها مدينة القامشلي بسائر أحيائها.
ان التوقيت الذي وقعت فيه هذا الاشتباكات، توافق مع مفاوضات جنيف، بهدف توجيه رسائل واضحة للمفاوضات والمفاوضين، بالتزامن مع الاعلان عن تشكيل نواة جيش خاص لحماية المناطق التي تم الاعلان فيها عن فدرالية، وبرعاية أميركية، حيث قامت القوات الخاصة الأميركية بتدريب تلك القوات، وتجهيزها، ليتسنى للمخطط الأميركي الاعتماد على قوات الاسايش للبدء بالفتنة وخلط الاوراق.
إن ما دفع الجيش السوري الى التدخل، هو عدم التزام قوات الاسايش بالهدنة الاولى، وخرقها لها، ومحاولة القوات الكردية دخول سجن علايا، حيث قامت تلك القوات بحسب مصادر خاصة، بنقل السجناء منه الى سجن تابع لقوات الاسايش في منطقة عامودا، وعزت المصادر، تطور الاشتباكات إلى قيام الاسايش بالاعتداء على بعض نقاط الجيش والدفاع الوطني، وتحريض المقاتلين في قوات الاسايش للمطالبة بإطلاق سراح اشخاص تم توقيفهم كونهم مطلوبين لأداء خدمة العلم في الجيش السوري. وما زاد التوتر هو قيام الاسايش باعتقال عدد من افراد الدفاع الوطني لمبادلتهم بالموقوفين من الاكراد.
هذا التصرف دفع قوات الدفاع الوطني للرد عبر اعتقال عدد من عناصر الاسايش، واحتجاز آلياتهم، في منطقة السبع بحرات وسط مدينة القامشلي، ما رفع حدة التوتر فتطور الى اشتباك، إضافة إلى المحاولات الحثيثة من قبل قوات الاسايش لدخول سجن القامشلي المركزي، الامر الذي اضطر الجيش السوري الى التدخل لإجبار القوات الكردية على عدم مهاجمة الجيش والدفاع الوطني، في الوقت الذي نزح العديد من اهالي المنطقة باتجاه المدن والبلدات المجاورة. تجدر الاشارة الى انه بالرغم من استمرار الاشتباكات لأيام، الا ان مطار القامشلي لم يتوقف عن العمل واستمرت الرحلات الجوية القادمة اليه، كونه يشكل خط الامداد الوحيد للأهالي في منطقة القامشلي والحسكة.
إن التدخل الحاسم للجيش السوري، وسيطرته على الموقف، دفع الاكراد الى توجيه طلب واضح الى دمشق، لبدء مفاوضات للوصول الى هدنة في المدينة، وبالفعل تم التوصل الى اتفاق جاء بعد اجتماع في مطار القامشلي بوساطة ايرانية، ضم عددا من الشخصيات كان ابرزها المنسق بين القوات الروسية في سورية والقوات الكردية، بالإضافة الى المنسق السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي، وشخصية ايرانية رفيعة، وبحضور العميد محمد ديب، حيث جرى الاتفاق على وقف اطلاق النار وتثبيته، والسماح للسيارات المدنية الخاصة وسيارات الاسعاف بالدخول الى منطقة المربع الامني وإخلاء الجرحى والمصابين من الطرفين الى المستشفيات، فيما اتفق على اجتماع لاحق يتم من خلاله الاتفاق على اطلاق سراح المعتقلين من الطرفين، وعودة كل طرف الى النقاط التي كان يتواجد فيها قبل الاقتتال، وانسحاب القوات الكردية من سجن علايا الذي يقع على بعد 6 كيلومترات جنوب شرق مدينة القامشلي.
تثبيت الاتفاق على وقف اطلاق النار الذي تم بحضور موفد ايراني دخل على خط الازمة في القامشلي بعد استشعار الخطر من تمدد الاشتباكات في ظل تربص جماعة داعش بالمدينة. الموفد حمل معه توصيات بتثبيت هذا الاتفاق، والحصول على موافقة الاكراد بالانسحاب من منطقة سجن القامشلي المركزي في حي علايا.