في ذكرى مذابح إبادة الأرمن تركيا و«إسرائيل» وأدواتهما… غريزة إجرام وقتل وإرهاب

معن حميّة

جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها الأتراك بحق الأرمن وآخرين، ما يقارب المليون أرمني، ونصف مليون من السريان والكلدان والآشوريين واليونانيين ، لا تزال تتصدّر المذابح ضدّ الإنسانية، توازيها المذابح والمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني ضدّ شعبنا، خصوصاً في فلسطين ولبنان.

الناجون الأرمن من مذابح الإبادة، وثّقوا هذه المذابح، بالمعلومة والصورة، وجسّدوها مشهدية إنسانية، استعصت على كلّ محاولات الطمس والتعمية والتجهيل والنكران، وصارت جزءاً من ذاكرة الأجيال، جيلاً بعد جيل.

نجح الأرمن في إبقاء جريمة إبادتهم، حيّة في الوجدان الجمعي، واعترفت دول عديدة في العالم بأنّ ما حصل ضدّ الأرمن وغيرهم، هو جريمة إبادة جماعية، في حين أنّ الجزار التركي لا يزال يمارس عتوّه بالنكران تهرّباً من التبعات، وليس تهيّباً من كونه مجرماً قاتلاً، لأنّ غريزة الإجرام والقتل لازمت تاريخه، وتلازم حاضره من خلال احتضانه ودعمه للمجموعات الإرهابية المتطرفة، داعش والنصرة وأخواتهما .

تركيا الآن، هي نفسها قبل مئة عام، تقلّصت، لكنها لم تتغيّر، ولم تتبدّل. فالعثمانيون الجدد استعادوا موروث الدولة العثمانية، بآثامه وإجرامه كلهما، فهم يجرّمون في قوانينهم الدول التي تعترف بحقيقة إجرامهم، ويمارسون أساليب الإبادة ذاتها ضدّ الإنسانية، من خلال اشتراكهم الفعلي في الحرب الإرهابية ضدّ سورية والسوريين!

جرائم الدولة العثمانية بحق الأرمن والسريان والكلدان والآشوريين، لم تبدأ بواقعة تنفيذ الإعدامات الجماعية بحق مجموعات كبيرة من أعيان الأرمن في اسطنبول قبل مئة عام وعام، بل تعود إلى ما قبل 125 عاماً، واستمرّت على مدى ربع قرن من الزمن، إلاّ أنها تكرّست في العام 1915 جرائم إبادية. واليوم تواصل تركيا الأردوغانية ارتكاب المذابح بحق السوريين منذ خمسة أعوام، ما يجعل منها دولة مجرمة، إرهابية، معادية للإنسانية جمعاء.

ولأنّ إجرام هذه الدولة لا يتوقف عند حدود، فإنّ جريمة سلطان الدولة العثمانية بحق «تنابله» تتكرّر اليوم مع النازحين السوريين!

الرواية تقول، إنّ السلطان العثماني أمر بقتل «تنابله» الذين لا يعملون، فجمعهم في منطقة معينة، ووعدهم بالمأوى والمأكل والمشرب، ولمّا اجتمعوا أضرم النار بشكل دوائر حلزونية، حتى إذا وجد بينهم أشخاص ليسوا «تنابلَ» يتمكّنون من الهرب!

واليوم، فإنّ السلطان العثماني الجديد رجب طيب أردوغان، يحرق النازحين السوريين بالطريقة نفسها، فعلى اسمهم يستحصل على الأموال الطائلة من الاتحاد الأوروبي، ويحاصرهم بنار أسلحته في مناطق معينة، على طريقة الدوائر الحلزونية، بحيث إذا أراد أيّ نازح الهرب من نار الحصار التركي، فيجب أن تكون وجهته المجموعات الإرهابية.

«الفرمانات» التي كان يصدرها للعلن السلطان العثماني قبل قرن ونيّف من الزمن، كان يتقصّد منها إظهار معارضته هجرة اليهود إلى فلسطين، لكن عشرات اللقاءات التي كان يعقدها مع الإرهابي تيودور هرتزل وتزايد هجرة اليهود إلى فلسطين في تلك المرحلة، تؤكد مشاركة وتواطؤ الدولة العثمانية في تمكين اليهود من احتلال فلسطين.

وعلى خطى السلطان العثماني «قاتل الأرمن»، يسير أردوغان «قاتل السوريين». في العلن مثّل أردوغان مسرحيته الشهيرة في العام 2009 على خشبة مسرح منتدى دافوس الاقتصادي، فخرج من المنتدى متذرّعاً بأنه غاضب من تصريحات الإرهابي شيمون بيريس، وأنه نصير فلسطين والفلسطينيين، واستتبع ذلك بمسرحية رفع سقف التهديد والوعيد ضدّ «إسرائيل» على خلفية مجزرة سفينة مرمرة 2010، لكنه حتى اليوم لم ينفذ شيئاً من أقواله، رغم أنّ معظم ضحايا السفينة هم من الأتراك. لكن في حقيقة الأمر استثمر هذه المسرحيات الاستعراضية للبدء بعمليات قتل السوريين وتدمير سورية منذ العام 2011. في حين أنّ العلاقات التركية ــــ الصهيونية، والاتفاقات المشتركة لم تتأثر بشيء، إذ بقي التنسيق والتعاون قائماً بتفاصيله كلها، إضافة إلى تنسيق المواقف وتقديم الدعم اللوجستي والتغطية المباشرة للمجموعات الإرهابية المتطرفة. فما بين تركيا و«إسرائيل» قاسم مشترك، هو غريزة المذابح والمجازر والإرهاب والإبادة.

ما تعرّض له الأرمن، وما تعرّض له السريان والكلدان والآشوريون واليونانيون من مذابح إبادة ارتكبتها السلطنة العثمانية قبل قرن ونيّف، يتكرّر من خلال الحرب الإرهابية التي تشنّ على بلادنا في الشام والعراق وتستهدف الشرائح الاجتماعية كلّها.

بالإرادة والتصميم والكفاح انتصر الأرمن على وحشية القاتل والجزار وعلى كلّ محاولات طمس حقيقة المذبحة الإبادية التي استهدفتهم، وتكريسها قضية إنسانية بامتياز، تقضّ مضجع القاتل التركي.

أما معظم العرب، فقد تخلّوا عن فلسطين والفلسطينيين، ومسحوا من ذاكرتهم مذابح الإبادة الصهيونية بحق الفلسطينيين في دير ياسين وبحر البقر وقانا ومئات المذابح الأخرى، وصارت سورية والعراق ساح معاركهم، يجزّون الرقاب بسيوفهم ويطعنون الصدور بخناجرهم، لمصلحة العدو «الإسرائيلي».

لا يموت حق وراءه مطالب. هذا ما رسّخه الأرمن، وهذا ما ترسخه دول المقاومة وأحزابها وقواها في أمتنا.

مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى