بين دماغ الثدييات ودماغ الزواحف… البحث عن كارول معلوف
نارام سرجون
لا أريد في هذه المقال الاعتداء على أحد أو الثأر من أحد وصبّ جام الغضب علي أيّ شخص لا أتفق معه في مواقفه، ولكني أريد أن أضع كلّ «الربيع العربي» في محاكمة أمام العلم ومرحلة ما بعد الأنثروبولوجيا حيث نكتشف أنّ أفضل تسمية للربيع العربي هي ربيع «الثدييات والزواحف» وهذا ليس تحقيراً لأيّ ثائر أو ثائرة، لكنه رأي مستمدّ من تحقيق علمي وبحث عميق، وأنا أدرك انّ الكثيرين سيصوّبون سهامهم عليّ وبنادقهم وسيقولون ما يقولون عني، ولكني منذ أن صمّمت على أن ألاحق هذا الربيع وأطارده فإنني قرّرت أنني لن أجامل أحداً فيه، ولا أن أخشى أحداً الا العلم العقلي والمنطق،
بالرغم من ظهور تفسيرات كثيرة عن أسباب الأزمة السورية، الا أنّ كلّ التفسيرات تبدو سطحية مثل حفر بسيطة على الأرض التي تبحث عن المعادن الثمينة فيما الذهب والماس يحتاجان أن تحفر منجماً في العمق السحيق، فلا تتوقع أن تجد الماس في حفرة بعمق شبر في الأرض، فعلى هذا العمق لن تجد إلا الديدان، الأزمة السورية هي حزمة من الأزمات الأخلاقية والدينية والنفسية والاقتصادية التي اجتمعت لتقدّم لنا هذا النمط الشاذّ من العلاقات البشرية العنيفة، ولا يزال البحث عن جذورها في بداياته، هناك من يقول بأنّ تراجع الثقافة وتقدّم الدين المهرمن بهرمونات وهابية وربما ترهّل الإيمان وتعرّض الدين للسرقة هي من أسباب الأزمة السورية، والبعض يبحث في الاقتصاد والفقر بل وفي تبدّل المناخ، فيما آخرون يأخذوننا الى تراكم الحكم الديكتاتوري الطويل والتوق إلى الحرية الذي أفضى الى ردود فعل متوحّشة متفجّرة فاقت التوقعات، لكن هذه التفسيرات قد تشرح سلوك الغوغاء والدهماء والديماغوجيين والأميين الذين يتحركون في قاع المجتمع الا أنها لا تفسّر سبب تقاطع سلوك من في القاع مع من هم في المستويات العليا حيث النخب، لأنّ النخب باركت السلوك المتوحش لمن في القاع وتقبّل مثقفون عرب وسوريون ونخب أدبية وفنية عنف مجموعات بشرية منفلتة بلا ضوابط وممارستها للوحشية المفرطة التي لا تمارسها حتى الضواري، مثل التلذّذ بالذبح والتقطيع وتصويره على أنه مفخرة، ونهش للقلوب والمباهاة به وسحل الضحايا وسمل العيون وذبح الأطفال الابرياء أمام ذويهم كما في مجزرة الحطلة في دير الزور التي ذبح بها كويتي «مجاهد» طفلاً أمام أبويه ثأراً من انتصار حزب الله في القصيْر ولم تقم بإدانتها شخصية عربية مثقفة أو دينية أو سياسية واحدة.
كنت أحبّ دوماً أن أدخل مناجم العلوم الانثروبولوجية والنفسية علّني أجد تفسيراً عميقاً لثورة ليس فيها شيء من نبل الثورة الا الشعارات الأولى التي ماتت فوراً وسال دمها بسكاكين شعارات الموت والكراهية، بل جسّدت الثورات العربية هستيريا وجنوناً وكراهية بلغت حداً أنّ أكبر مثقفي الثورة ومنظريها تفوّقوا على سيّافي «داعش» في تمجيدهم للعنف وكانوا يتبارون لتبرير السلوك الوحشي على أنّ الثورات لا تكون رومانسية بل دموية، ويبحثون عن براءة من يأكل قلباً بشرياً لأنه كان يقوم بردّ فعل طبيعي ويدافعون عن قذائف الهاون على المدارس، وعن عرض جثة القذافي في الطريق وإهانته بوحشية في لحظاته الأخيرة لأنه فقط ديكتاتور، وكانوا يتفهّمون دوافع من يعلّم طفلاً كيف يقطع الرؤوس في حمص أمام الكاميرات ويغضبون ممّن يدين تفجيرات انتحارية لمدارس الأطفال في حمص ويتلذّذون بعذابات الأهالي، ولا ينبسون ببنت شفة عندما عرف العالم كيف يضع «إنسان حر» المدنيين الأسرى في أفران وهم أحياء في مدينة عدرا العمالية، أو كيف يضعهم في أقفاص مثل الجرذان ويطوف بهم في الشوارع في دوما، ومع هذا يذهب أحد الجزارين فيها الى جنيف ويعتبره المثقفون كبير المفاوضين من أجل إنسانية الإنسان والحرية، بل انّ مثقفي الثورة وفنانيها وبعض الموسيقيين كانوا يلتزمون الصمت إزاء هذه العمليات الرهيبة ويصرّون على أنّ جبهة النصرة تمثل أمنيات الشعب السوري وهي طليعته ونخبته المقاتلة، رغم أنّ «النصرة» هي جيش «القاعدة» ونخبة الفكر الوهابي المنحط وشكل من أشكال التوحش البشري الذي تديره بمهارة ادارة التوحش في دوائر الاستخبارات الغربية.
ربما يمكن ابتلاع تصريحات ومواقف السوريين المعارضين على أساس أنهم مأزومون ويمكن الاتكاء على تفسيرات المناخ والدين والاقتصاد، ولكن يقف العقل حائراً أمام ظاهرة اندفاع شخصيات رقيقة وناعمة وأنثوية وغربية البيئة ونمط الحياة والثقافة للدفاع عن «داعش» و»جبهة النصرة»، حيث تقف كلّ التفسيرات حائرة ويصاب علم الانثروبولوجيا بالشلل والبكم أمام ما تكتبه رنا قباني مثلاً، وكأنها زوجة من زوجات زهران علوش، وعندما سمعت منذ فترة تصريحات وكتابات ماريا معلوف المليئة بالكراهية والحقد للسيد حسن نصرالله والشعب السوري تتمنّى أن تفجر نفسها بالسيد حسن نصرالله لأنه يحارب «جبهة النصرة» و»داعش» التي تفجر المدارس والشوارع، كنت أقف عاجزاً عن فهم هذا الانحياز للقتلة والمتخلفين الذين يمارسون جهاد النكاح والذبح ويتبادلون النساء مثلما يتبادلون أرغفة الخبز والأحذية ويبيعون المرأة بسيكارة علناً في المساجد.
ماريا معلوف وكارول معلوف كأنثيين – وأمثالهما – ظاهرة مبهمة وعصية على الشرح لا يفسّرها حبّ المال السعودي بل لا شك أنّ علماً آخر يجب أن يتدخل لكشف المستور، حتى علم الانثروبولوجيا لا يكفي كي يفسّر جنوح مثل هذه المرأة التي يطغى سلوكها الأوروبي على نمط حياتها نحو هذا التطرف في الكراهية والتماهي مع السفاحين والمغتصبين للنساء والذين يحتقرون الأنثى والحياة، بل وتصل في انغماسها في تلك الثقافة الوهابية وثقافة النكاح والسبايا حداً خارج حدود العقل والمنطق، فهذه حالة سيدتين تبدو كلّ واحدة منهما راقية الملمس والشكل ولكنها أنثروبولوجياً لا يمكن التفريق بين عقلها وعقل ساجدة الريشاوي،
وأمثالهما كثيرات مثل رنا قباني وريم تركماني وبسمة قضماني اللواتي لا يرين أيّ حرج من وجود عبد الله المحيسني الوهابي السعودي في صفوف الثوار السوريين والذي يحلّ محلّ وجه غيفارا، ولا يطلبون من الثورة إدانته وإبعاده عنها والتخلص منه، هذه ظاهرة أنثروبولوجية وليست ثقافية عندما تنحاز امرأة مثقفة ومتحرّرة ظاهرياً وشكلياً وترتدي الخفّ المقطع وتلثغ باللغات الأوروبية تنحاز الى معسكر المحيسني والظواهري وزهران علوش، وهي في دفاعها عن المعارضة السورية إنما داخلياً تميل إلى عنف البغدادي والجولاني و»جيش الإسلام» و»جيش الفتح» الذي يحاصر مدنيين ويقتل مدنيين بحجة أنه يدافع عن مدنيين سنّة، بل تقف مع العنف الأقصى والتوحش ضدّ السيد حسن نصرالله وضدّ الجيش السوري الذي يمثل العنف الأدنى، ولهذه الظاهرة أصولها في علم الانثروبولوجيا الطبيعية والثقافية ومنتجاتها من الاثنولوجيا والباليونتولوجيا علم ما قبل التاريخ ، حيث يتمّ فهم علاقة الإنسان بالحياة والثقافة،
ويبدو أنّ علم الأنثروبولوجيا هو أقرب الطرق لفهم سلوك ماريا معلوف ومواقفها وكتاباتها أو النقلة الكبيرة في تدني التطوّر النفسي في سلوك كارول معلوف التي صارت مجنّدة مع «جبهة النصرة» وتستميت من أجل أن يُهزم حزب الله على يد «النصرة»، بل هناك شائعات عن احتمال أنها تزوّجت من الجولاني الزعيم الإرهابي الشهير بدمويته والذي كان يذبح العسكريين اللبنانيين ويفجر شوارع دمشق وبيروت،
لكن رحلتي المعقدة في الانثروبولوجيا أخذتني الى علم العقل وعلم تطور الدماغ البشري والعلوم العصبية حيث وجدت ضالتي ووجدت هناك ماريا معلوف وكارول معلوف مختبئتين في زوايا مظلمة الى جانب كلّ الثوار والثائرات في بلاد العرب…
لمعرفة ذلك دعونا نلقي مرساتنا هنا لبرهة لنتعرّف على الدماغ البشري كي نفهم معضلة الثورات العربية ومعجبيها، فالدماغ البشري مكوّن من ثلاثة أقسام وربما يصحّ القول انه في الحقيقة مكوّن من ثلاثة أدمغة، فهناك قسم عميق في الدماغ البشري يدعى «دماغ الزواحف» وهو المسؤول عن غريزة البقاء بتأمين حاجات الحياة الأساسية وبقاء الجسد وهو لذلك يتحكم في مشاعر الجوع والعطش والحرارة والبرودة وعمليات الاستقلاب الأساسي وهو متطور جداً عند الزواحف التي تمارس البيات الشتوي، فيما الجزء الثاني من الدماغ البشري يسمّى «دماغ الثدييات» وهو الجزء من الدماغ البشري الذي ورثه عبر التطور في سلالات الثدييات، وهذا الدماغ يتولى الإشراف على ردود الفعل القاسية والمشاعر الغاضبة والانفعال والسلوك العنيف والشذوذ السلوكي والنشاط الجنسي الشبق والميل نحو الجريمة، واما الدماغ الثالث فهو الدماغ الأمامي المتوضع في مقدّمة الرأس الجبهة وهو المسؤول عن السلوك البشري والنشاطات الإنسانية الإبداعية والأدبية والسلوك المنضبط والأحاسيس النبيلة والرومانسية والشجاعة والشهامة، وهو مصدر الإبداع البشري والإنساني والحضارة والقيم الراقية.
ومن هنا فإنّ سيطرة أحد هذه الأدمغة أثناء نمو الفرد هي التي تحدّد سلوكه وشخصيته، ولذلك فإنّ الرضوض النفسية والتجارب الشخصية القاسية ونمط التربية الخاطئ تمنح دماغ الثدييات في الإنسان السيطرة على دماغه الأمامي البشري، فيكون سلوك الشخص عنيفاً جداً وغضبه بلا حدود وهو غير قادر على التحكم بمشاعر العدوانية والكراهية الغريزية وينجرف بسهولة نحو الغضب والجنس المجنون ويتصرف بشذوذ غير مفهوم وله مواقف متطرفة ضدّ الخصوم، وهؤلاء الأشخاص عندما يهدأون يقرّون بأنهم لا يعرفون كيف تصرّفوا أثناء نوبات الغضب وكأنهم كانوا في حالة لا توازن أو لا وعي وغيبوبة أو في حالة فقدان التحكم والسيطرة، وربما يعزز الحرمان والجوع من سطوة عقل الزواحف للحفاظ على البقاء النوعي فيحرّض عقل الثدييات في الدماغ البشري على السطو على عمل الدماغ وإنهاء عمل الدماغ الأمامي الذي يتوقف عن التطور، فتتبلّد الأحاسيس وتتحجّر المشاعر ويصبح الإنسان بلا قلب ولا رحمة ويميل للشذوذ النفسي ويتدهور التطور الروحي لديه، فيميل بشكل لا واع الى أنماط سلولكية شاذة لا تتناسب معه ومع نمط حياته الظاهري، كأن تصبح كارول معلوف الأنثى الناعمة ميالة إلى قيم الوهابية العنيفة وتحارب في صفوف الجولاني وتميل الى مجاهدي النكاح واغتصاب السبايا وتسخر من زواج المتعة لأنها تفضل في اللاوعي سلوك الثدييات الجنسي حيث الذكر الأقوى يأخذ كلّ الإناث كما يفعل أمراء «النصرة» و»داعش» ويوزعون ما بقي من السبايا على جنودهم، ولذلك تنمو الكراهية في عيون ماريا معلوف الى درجة انها تتمنى تفجير نفسها بشخص يدافع عن الدماغ الأمامي لها ليحميه من أن يبتلعه دماغ الثدييات والزواحف.
وهذه أول مرة أحسّ أنني ربما وضعت يدي على تحليل علمي موضوعي يمكن أن يفسّر سبب انهيار القيم الإنسانية عند فئات من المجتمع وظهور سيطرة دماغ الثدييات وتحالفه مع دماغ الزواحف ضدّ الدماغ الأمامي، ولذلك لا يمكن النظر الى تعليقات وشخصية كارول معلوف أو ماريا معلوف مثلاً إلا من خلال معرفة أنهما تحت سيطرة دماغ الثدييات الغرائزي القبيح المجنون الذي يكره ويمارس الحيوانية والرذيلة والكراهية ويكذب وينفص الحقد، ويخضع حتى للشهوة الجنسية، خاصة أنّ هجوم كارول الشرس على مقاتلي حزب الله مثلاً يتضمّن ايحاءات جنسية شبقية مختلطة بمشاعر السادية الجنسية التي تمرّ بها بعص أنواع الثدييات الرئيسة،
والحقيقة أنّ كمّ الغرائزية والكراهية التي ظهرت في الثورة السورية عند جميع مؤيدي الثورة الذين أصابهم العمى بمعناه المجازي لا يمكن تفسيره إلا بأنّ عقل الثدييات فيهم قد سيطر على كلّ النشاط في الدماغ وسحق الدماغ الأمامي، فصار أحدهم يرى «جبهة النصرة» في سلوكها البهيمي مثالاً للجمال الروحي والفكري، وبعضهم يهوى «داعش» في قلبه لأنها تمثل لديه دماغه الثديي المتورّم حيث ضمر دماغه الأمامي.
ومن هنا نجد أنّ عملية التثقيف الجماهيري والإعلام تركز في الغرب على إضعاف الدماغ الحيواني الثديي لدى الجمهور ليقبل بالخضوع للمنطق السليم والبرهان العقلي والفلسفي وليس للغضب والانفعال، وتركز عملية تعليم الأطفال على تطوير الدماغ الأمامي عبر العلوم والرياضيات والفيزياء والرسم والأدب واللغات وتركز كلّ وسائل التعليم على إبعاد الطفل عن المثيرات العنيفة والدموية لتخميد تطور الدماغ الثديي وهيمنة الدماغ الأمامي فينشأ الإنسان متوازناً لا يميل للأفكار الشاذة مهما كانت غواية الغريزة والغضب والكراهية، فلا يمكن لإنسان مثقف سوي نفسياً ومتطور العقل والدماغ أن يبرّر قتل أحد أو ذبحه او قتل أطفال أمام الكاميرات حتى لو كان خصمه، فيما يمكن ان يكتب مثقف سوري أو عربي تحريضاً للانتقام من مكون مذهبي بكلّ ما فيه من رجال ونساء وأطفال وقرى، وفي المقابل نجد أنّ أميّاً لم يتعرّض دماغه الأمامي للرضوض النفسية وعاش في الريف والجبال النقية الجميلة لا تنسجم نفسه مع العنف والتوحش والبهيمية وسلوك الثدييات اللانسانية، فإذا به عندما يحارب فإنه يحارب بدماغه الأمامي حيث القيم النبيلة والشجاعة حتى مع الخصم والعدو، فيتوقف مقاتلو حزب الله عن نسف عميل «إسرائيلي» لأنه في لحظة النسف يعانق طفلته، وفي موقف آخر يوصي ضابط سوري جنوده أن يدفنوا قتلى «داعش» ويكرموا دفنهم لا أن يمثلوا بهم.
وربما نستطيع أن نفهم بقدر ما من الدقة أنّ ما فعلته قناة «الجزيرة» خلال أعوام من التواصل مع الجمهور العربي وخاصة عبر برامج الصراخ المبتذلة وجرعات التهييج في «الاتجاه المعاكس» وغيره هو إنعاش للدماغ الثديي في عقول مشاهديها عبر إطلاق كميات من الغضب والتوتر والتحريض والغرائز من خلال المشاهد والحوارات الغاضبة والتراشق بالحقد والأحذية والتهديدات مما أدّى الى هيمنة الدماغ الثديي لدى الجمهور الذي بمجرد تلقيه إشارات الغضب الشعبي فقد السيطرة على نفسه والتهم الدماغ الأمامي فكان «الربيع العربي» الذي قادته جموع هائجة كالقطعان فقدت السيطرة على نفسها ودمّرت كلّ ما صادفته في طريقها في ليبيا وسورية واليمن، المدارس والجامعات والمستشفيات والمدن ومحطات البترول والطاقة والجيوش الوطنية والدين والأخلاق والرحمة، وانجرفت معها نخب مثقفة تبيّن أنها أيضاً نتيجة صدمات قديمة وضحالة الثقافة تمتلك دماغاً ثديياً ضخماً يبحث عن الموت لخصمه سواء بالاحتلال بالناتو أو بالقاعدة، وتغرز هذه النخب أقلامها في قلوب خصومها وتبلل الأقلام بالدم القاني وتتشفى بموتهم وترقص طرباً في تشابه غريب مع السكاكين التي تنغرز فعلاً في قلوب الضحايا، فيكتب صادق جلال العظم كما يكتب عدنان العرعور كما يكتب برهان غليون كما يكتب عبدالله المحيسني وكما يردّد القرضاوي والبغدادي والشقفة ويحي العريضي واللبواني وسلام الكواكبي حديثاً عن الطوائف والكراهية والانتقام والقتال حتى آخر نفس، ونجد نفس الارتداد ونكوص التطور الروحي في بث الفضائيات الدينية عموماً التي لم تفعل شيئاً سوى أنها قتلت كلّ الدماغ الأمامي وتركتنا لا نملك الا أدمغة الثدييات والزواحف، فكانت لدينا للأسف ثورات الثدييات والزواحف، التي تسمّى «ثورات الربيع العربي».
وربما هذا ما يفسّر ميل فنانات وفنانين سوريين ورسامين وممثلين ومخرجين كان يفترض أنهم نخب تقوم بنقل الحضارة الى الدول الخليجية المتخلفة حضارياً ونفسياً ودينياً وثقافياً، فإذا بهم يلتصقون بأمراء النفط من أجل البقاء الذي يبدو أنّ عقل الزواحف الحريص على البقاء والذي يخشى في العمق من الجوع والحرمان والبرودة هو الذي سيطر فيهم على العقل الواعي والدماغ الأمامي وتصالح مع عقل الثدييات، فتحوّلوا الى زواحف وسلاحف وهابية.
نحن أحوج ما نكون إلى إنشاء جيل من المثقفين والنخب العربية التي ترى بوضوح كلّ المشهد دون انحياز أو تعصب لفئة أو حزب أو مجموعة أو عقيدة، ويكون المنطق الإنساني والفلسفي النقي هو الفيصل حيث لا دور لدماغ الثدييات ولا لدماغ الزواحف، بل دماغ الإبداع والحب والأدب والشجاعة والفن والعبقرية الإنسانية التي لا شك أظهرتها طليعة من المثقفين والفنانين والمخرجين والنخب السورية الذين وقفوا بحزم أمام هجوم الثدييات والزواحف الرملية…