صالح أمام المؤتمر القومي العربي: لتشكيل جبهة شعبية لمكافحة الإرهاب التكفيري
دعا الأمين العام للمؤتمر العام للأحزاب العربية قاسم صالح في افتتاح المؤتمر القومي العربي في مدينة الحمامات بتونس إلى تشكيل جبهة شعبية لمكافحة الإرهاب ومواجهة قوى التطرّف والتكفير، ومخاطر التقسيم والتفتيت والفوضى التي تنشرها هذه القوى على مدى جغرافيا الأمّة والعالم، مؤكّداً أنّ محور المقاومة لا بُدّ سينتصر على الإرهاب بكل وجوهه الكالحة الصهيونيّة والتكفيريّة.
الكلمة
وفي ما يلي نص كلمة صالح:
«الأخوات والأخوة الأعزّاء أعضاء المؤتمر القومي العربي
تحيّة لكم والسلام عليكم. أتوجّه بالشكر الجزيل إلى أخي أمين عام المؤتمر القومي العربي الدكتور زياد حافظ لدعوتي إلى المشاركة باسم المؤتمر العام للأحزاب العربية في افتتاح أعمال هذه الدورة التي تنعقد في رحاب تونس الخضراء، التي قدّم شعبها الأبيّ أمثولة في النضال فأطلق ثورة الياسمين التي أسقطت نظام بن علي الاستبدادي وبدّلت المشهد السّياسي في البلاد، وحقّقت شوطاً واسعاً من تطلّعات شباب تونس وأمانيه، وأسهمت في إرساء تباشير الديمقراطية، وساعدت على ترسيخ دور الشعب كشريك أساسي في بناء الدولة التونسيّة الحديثة.
لقد تبنّت القوى التقدّمية التونسيّة والشعب التونسي قضايا الأمّة فوقفوا إلى جانب انتفاضة فلسطين المباركة، ومع المقاومة في وجه القرارات الجائرة التي صنفتها إرهاباً فانتفض شباب تونس رفضاً واستنكاراً لهذا التنصنيف الظالم، فتحيّة إلى شعب تونس وقواه الحيّة، وتحية إلى أرواح الشهداء محمد البراهمي وإبراهيم بلعيد ومحمد بوعزيزي، وسائر الشهداء الذين سقطوا فأضاءت دماؤهم الزكيّة مشعل الحرية والسيادة والعدالة والديمقراطية وأزهرت وأينعت في ربوع تونس عزّة وكرامة.
ترسيخ مفهوم الحوار
أيّها الأصدقاء، لقد ساهم المؤتمر القومي العربي منذ تأسيسه في ترسيخ مفهوم الحوار والتعاون والتنسيق بين مختلف المدارس الفكرية القومية، وشكّل إطاراً جامعاً لتيّارات الأمّة، لاجماً تفشّي المفاهيم القطرية والكيانية وسيادة النعرات والعصبيّات الطائفيّة والمذهبيّة والعرقيّة، التي تعمل على تقسيم وتفتيت الأقطار العربية استجابة لمشاريع الغرب وتنفيذاً لها، والتي تهدف بالمحصلة إلى إنتاج سايكس بيكو جديد، يُحقق حلم أعداء الأمّة لفرض مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يُفضي إلى إنشاء كانتونات هجينة، مستلبة الإرادة، فاقدة لمقوّمات القدرة والقوة، فتسود حينها الولايات المتحدة الأميركية وحليفها الكيان الصهيوني، ويتحقّق مشروع الهيمنة على الأمّة وثرواتها.
ولقد سعى مؤتمركم كما المؤتمرات الشقيقة إلى مواجهة مشاريع التبعيّة أيضاً، التي عملت على تنفيذها العديد من القوى المرتبطة بالخارج، عبر استجداء التدخّل من الولايات المتحدة الأميركيّة وحلفائها لشنّ عمليات عسكرية ضدّ دول المنطقة وشعوبها بهدف فرض معادلات جديدة توهن جسد الأمّة وتحافظ على أمن الكيان الصهيوني وتفوّقه.
الخطران الصهيوني والتكفيري
أيّها الرفاق والأخوات، الخطر الصهيوني وخطر الإرهاب التكفيري، وهما وجهان لعملة واحدة، وكلاهما يستهدفان وحدة الأمّة وأمنها واستقرارها ومستقبل شعوبها، ولن تنجو من آثارها جميع دول المنطقة ودول العالم، حتى الذين يُقدّمون الدعم لهما لن يسلموا من إرهابهما، وما حصل من تفجيرات إرهابية في الدول الأوروبية وفي السعودية وفي تركيا يشكّل خير دليل على ذلك.
وإنّ ما تتعرّض له سورية من حرب كونية منذ خمس سنوات ونيّف، وما لحق بها من دمار ومجازر ومؤامرات لإسقاطها باعتبارها حاضنة للمقاومة وداعمة لها، وما تعرّض له العراق من احتلال جزء من أراضيه على يد تنظيم «داعش» التكفيري، وما تتعرّض له تونس ولبنان ومصر وليبيا من أعمال إرهابيّة، وما يتعرّض له شعب البحرين من تنكيل واضطهاد على يد الزمرة الحاكمة و«درع الجزيرة»، إلى الحرب العدوانية التي تشنّها المملكة العربية السعودية ضدّ شعب اليمن الذي يعاني من الحصار والمجازر وتدمير البُنى التحتيّة بهدف الهيمنة عليه، وما تتعرّض له القضيّة الفلسطينيّة، قضيّة العرب المركزيّة، من مخططات تستهدف تصفيتها وإسقاطها، وما يستهدف المقاومة من تصنيفات وقرارات ظالمة بهدف شيطنتها ووصمها بالإرهاب.
كلّ ذلك يجري في ظل اتصالات ولقاءات وحوارات وتنسيق بين بعض قادة الدول العربية وقادة العدو الصهيوني لضرب مكامن القوة في أمّتنا، وزعزعة أركان محور المقاومة.
نقاط التقاء جامعة
أيّتها الرفيقات والرفقاء، إنّ هذا الواقع الصعب الذي تعيشه أمّتنا يضعنا أمام تحدٍّ مصيريّ يستوجب منّا تحديد رؤيا موحّدة تعيّن الأولويات التي تشكّل نقاط التقاء جامعة توحّد جهودنا وقوانا لمواجهة هذه المخاطر، ورفع راية مصلحة الأمّة على ما عداها من مصالح ظرفيّة وفئوية.
لذا، فإنّ علينا تجاوز القضايا الخلافية التي تؤدّي إلى تشتيت قوانا عبر حوار معمّق ومسؤول يؤدّي إلى تغليب المفاهيم المشتركة، والخروج من دائرة الاصطفافات الضيّقة إلى رحاب الوحدة والتعاون.
وأنا على يقين أنّ ما يجمع قوانا أكبر بكثير ممّا يفرّقها، وفي المقدمة تأتي:
أولاً: القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمّة ولقواها القومية والوطنية وهي قضية جامعة، في ظلّ كل هذا الحجم من التباين والخلاف.
لذا، فإنّ علينا أن ندعم نضال شعبنا الفلسطيني ومقاومته وانتفاضته الباسلة التي أعادت الأمل لنا جميعاً، ونحيّي في هذا المجال عمليّة القدس الأخيرة، كما نحيّي الأسرى في السجون الصهيونية في يوم الأسير، ونطالب القوى والأحزاب أن تُبقي فلسطين وقضيّتها المقدّسة على رأس سلّم أولويّاتها وتؤمّن لها كل الإمكانات والمساندة، ففلسطين هي البوصلة والصراع العربي الصهيوني هو الأساس، ومعيار صدقيّة أي ربيع وأيّة ثورة هو مدى التزامهما بهذه المبادئ، من هنا فإنّ على بعض الأنظمة الإقلاع عن خلق أعداء وهميّين للأمّة وصرف الأنظار عن أعداء أمّتنا الحقيقيين.
ثانياً: المقاومة هي التي شكّلت منذ انطلاقتها أملاً وعنواناً لنضال قوى التحرّر، ومحوراً أساسيّاً يدور في فلكه المناضلون والمجاهدون في أرجاء الأمّة، وما حقّقته من انتصارات وتجسيداً لعزّة الأمّة وفلاحها.
لذا، فإنّ علينا التمسّك بخيار المقاومة والتصدّي لكل المحاولات التي تسعى إلى تشويهها، وفي هذا المجال فإنّنا نُدين كل القرارات التي صدرت عن جامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة المؤتمر الإسلامي تصنيف المقاومة إرهاباً، ونحيّي الدول التي رفضت هذه القرارات الظالمة المشبوهة ونحيّي حزب الله المظلوم، كما نُدين القرارات التي صدرت عن الـ»نايل سات» والـ»عرب سات» بحق قناتي المنار والميادين لأنّهما يلهجان بذكر المقاومة ويعملان على تعميم مفاهيمها.
ثالثاً: إنّ الإرهاب التكفيري الوهّابي والإرهاب الصهيوني يشكّلان تحدّياً وجوديّاً لنا جميعاً، لذا فإنّ من واجب أحزابنا والقوى الحيّة والمفكّرين والمثقفين ورجال الدين العمل بجديّة لتشكيل جبهة شعبية لمكافحة الإرهاب ومواجهة قوى التطرّف والتكفير، ومخاطر التقسيم والتفتيت والفوضى التي تنشرها هذه القوى على مدى جغرافيا الأمّة والعالم.
رابعاً: إنّ الإصلاح والتنمية ومحاربة الاستبداد والفساد، وكذلك الديمقراطيّة هي أهداف تسعى جميع القوى التغييريّة إلى تحقيقها، فإنّ إرادة الشعوب هي وحدها التي لها الحق في اختيار أنظمتها وتقرير مصيرها، فالديمقراطية بهذا المعنى هي نتاج نضالات وتضحيات الشعوب، وليست سلعة مستوردة من الخارج أو منظومة تفرضها القوى الاستعمارية على الشعوب. ونؤكّد أيضاً نبذ استعمال العنف في حلّ النزاعات الداخلية، وندعو إلى الاحتكام للحوار معبراً لحل النّزاعات التي تعصف في أكثر من بلد عربي.
خامساً: إنّ مواجهة التبعيّة والتدخّل الخارجي مسؤولية تقع على عاتق القوى القومية والتقدّمية باعتبارها آفة، إذا ما فتكت بجسم الأمّة فسوف تقضي على سيادتها وحضارتها وتراثها، وتؤدّي إلى الهيمنة الكاملة عليها وعلى ثرواتها.
لذا، فإنّ علينا العمل على تعزيز فكرة الانتماء القومي والوحدة، ورفع راية المشروع النهضوي العربي، الذي هو وحده الكفيل بإسقاط الظواهر التكفيّرية المتطرّفة ومكافحة المشاريع التقسيميّة التي أصابت مجتمعاتنا، وبذلك نُعيد الاعتبار إلى الفكر الوحدوي الجامع والقادر على مواجهته واستعادة الحقوق القوميّة وتحقيق الانتصارات.
أيّها الأصدقاء، إنّني على ثقة بأنّنا رغم هذه التحدّيات والصعاب التي نتعرّض لها، والمواجهات الحاسمة التي تخوضها شعوبنا ضدّ المشاريع الأميركية الصهيونية، وضدّ قوى التطرّف والإرهاب، ورغم الحروب الظالمة التي تُشنّ عليها، وفي ظلّ التوازن الدولي الجديد واستمرار المقاومة والانتفاضة، فإنّ المشروع النهضوي العربي سوف يصل إلى مبتغاه، ويحقّق أهدافه ولو بعد حين، بفضل جهودكم ونضالكم.
ومحور المقاومة لا بدّ سينتصر على الإرهاب بكل وجوهه الكالحة الصهيونية والتكفيرية .كل ذلك سيتحقّق بفضل إرادة الشعوب وإيمانها وتضحياتها».