أحاديث في الكتاب والملكية الفكرية
ألقى الدكتور جورج جبور محاضرة في المركز الثقاقي العربي في أبو رمانة ـ دمشق يوم الأحد الماضي 24 نيسان 2016، جاء فيها:
مناسبتا لقاء اليوم هما: اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلّف الذي أقرّته «يونيسكو» عام 1995 واعتمدته يوماً عالمياً كل 23 نيسان، واليوم العالمي للملكية الفكرية في 26 نيسان من كلّ سنة، وهو يوم ولادة المنظّمة العالمية للملكية الفكرية «وايبو» عام 1970.
بين منظمتَي «يونيسكو» و«وايبو» تداخل في الاختصاص في شأن الملكية الأدبية والفنّية، بدأ منذ إنشاء «يونيسكو» عام 1945. أما الملكية الصناعية، فلـ«وايبو» وحدها الاختصاص فيها.
إنّ عادة اعتماد يوم معيّن لإظهار الاهتمام بأمر محدّد أو لتخليده، عادة قديمة عرفتها الشعوب. عند العرب مثلاً، كان يوم «حليمة» وهو ليس سرّاً. إلا أنّ الأمم المتحدة وعائلتها توسّعتا في هذا المجال بهدف خلق ثقافة عالمية تشاركية. وهذا هدف مقبول شرط أن يرتكز على إنصاف الحضارات كلّها. ولا يتحقّق إنصاف حضارة ما إلا بقوة دول تلك الحضارة.
في المفكرة الحالية للأمم المتحدة وعائلتها، أيام مسمّاة يفوق عددها عدد أيّام السنة. اهتمامنا في سورية وفي الدول العربية بكلّ هذه الأيام مفيد، على أن يتم تركيز الاهتمام على ما يفيدنا ضمن خصوصيات اليوم المحتفى به.
تُحْيي الرابطة السورية للأمم المتحدة أربعةً من هذه الأيام هي: يوم إنشاء الأمم المتحدة، ويوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، ويوم حقوق الإنسان، ويوم مناهضة العنصرية. وفي هذه الأيام الأربعة تعطي الرابطة الأولوية في الحديث لقضية الإنسانية الأولى في أيامنا وهي قضية فلسطين.
إننا مرتاحون لأنّ يومَي الكتاب والملكية الفكرية يحظيان في سورية باهتمام واسع، رغم الظروف الصعبة. فوزارة الثقافة قادت الاهتمام، وواكبتها هيئات عدّة من المجتمع المدني. هكذا تشهد دمشق وكل المناطق السورية فعاليات مشهودة في هذين اليومين.
إن للفظة الكتاب قدسيتها في الثقافة العربية. ومن أهم المسائل الراهنة المثارة عالمياً في شأن الكتاب، التنافس بين الكتابَيْن الورقي والإلكتروني، وثمة جهود تبذلها الدول لترويج كتبها، سواء على نحو معلن أو سرّي. أما ما يواجهه الكتاب العربي من مشاكل، فيكمن في مسألة صعوبة انتقاله بسبب أساليب الرقابة الفكرية. حتى أننا لا نقرأ عن معرض عربي للكتاب إلا ونقرأ معه خبراً عن العناوين التي منعتها الرقابة من المشاركة.
وهناك صعوبة في الرجوع إلى الكتاب العربي نظراً إلى ضعف العناية بفنّ الفهرسة. فحين يودّ أحدنا البحث عن مكان بثينة شعبان في مذكرات كلينتون لا يعود إلى الترجمة العربية للكتاب. إذ ليس فيها فهرس أسماء، بل يعود إلى الأصل الانكليزي، وهو ذو فهرس أسماء غني. كما أنّ الهيئات العربية الجامعة، الحكومية وغير الحكومية، المهتمة بالثقافة عموماً والكتاب خصوصاً، تشكو من الضعف البنيوي والمالي والتواصلي.
أما في يخصّ الكتاب السوري، فنلاحظ أنه يتقدّم، إلا أنه يعاني من ضعف التعريف به وتوزيعه عربياً، حتى قبل أحداث السنوات الست الماضية. وهنا لا بدّ من الإشادة بنشاط هيئة الكتّاب، ونقترح أن تنشر مجلة «المعرفة» وهي الراسخة عربياً تعريفات موسّعة بكتب الهيئة وبغيرها من الكتب السورية. كما نشيد بظاهرة واضحة، ألا وهي تليين قبضة الرقابة على النشر الذي تمارسه وزارة الإعلام، رغم أننا نرى أنه من الأفضل إلغاء الرقابة كلّياً .
وبالعودة إلى الملكية الفكرية، بدءاً من اهتمام العرب بما عُرِف بِاسم «السرقات الأدبية»، مروراً بما هو متعارَف عليه من أن القانون الأول لحماية الملكية الفكرية هو ذلك الذي عرفته بريطانيا عام 1709. ثم كان لفيكتور هوغو دوره في تطوير أفكار أدّت بالنتيجة إلى اتفاق برن عام 1886 لحماية الأعمال الأدبية والفنية، وهو الاتفاق الذي طُوّرت هيكليته لتنسجم مع نظام الأمم المتحدة، فولدت «وايبو» التي نحتفي اليوم بذكرى تأسيسها.
إنّ التعقيدات الكبرى في موضوع الملكية الفكرية التي أتانا بها عصر الإنترنت كثيرة، وهناك حوادث السرقة الأدبية التي أثارت عواصف سياسية ومنها فضيحة جوزف بايدن، نائب الرئيس الأميركي الحالي، الذي اضطر للانسحاب من حلبة التنافس على الرئاسة خريف عام 1987، ليعود إلى الحلبة بعد عشرين سنة نائباً للرئيس. وهناك فضيحة رئيس جمهورية هنغاريا الذي اضطرته سرقته الفكرية إلى الاستقالة عام 2012. كذلك اضطرت سرقة فكرية وزير دفاع ألمانيا إلى الاستقالة قبل ذلك بسنة. ونلاحظ أنّ تعبير «السرقة» تطوّر إلى تعبير أرقّ وأدقّ هو «التناص».
إنّ موضوع الملكية الفكرية في سورية يحرز تقدّماً مشهوداً، إلا أن على الهيئات المعنية بالابداع، بذل مزيد من الجهد كي تقنع القضاء باحترام رأيها في موضوع الفصل بين الاقتباس والسرقة. على سبيل المثال: ثمة بحث قدّمه أحد القضاة لمؤتمر المحامين العرب في دمشق عام 1989. فرأى اتحاد الكتّاب العرب أن البحث مسروق سرقة تكاد تكون كاملة، وبينما رأى اتحاد المحامين العرب أن البحث يكاد يكون مطابقاً لبحث آخر نُشر قبله، رأت إدارة التفتيش القضائي أن لا سرقة هناك!