سقلاوي يكرّم اسطنبولي
منذ سبع سنوات تقريباً، بينما كان الفنانون والمخرجون في لبنان ـ كباراً ومبتدئين ـ يحاولون تركيز أعمالهم واهتماماتهم في العاصمة بيروت، في خطوات منهم لإحياء المسرح والسينما، والفنّ عموماً، غرّد شابٌ خارج السرب، لا بل ترك هذا السرب من المبدعين، واتّجه إلى الجنوب، لا بل إلى أقصى الجنوب، حاملاً على في جوّانيته عزيمة صادقة، وإرادة لا تلين، وتصميماً على أن يعيد لمدينة صور، سابع أقدم مدينة في التاريخ، وهجها الثقافي الفني… إنّه الشاب المبدع قاسم اسطنبولي.
اسطنبولي الذي، صنع شيئاً من لا شيء، زرع روح التطوّع في نفوس الشباب واليافعين، وانطلق وإياهم في بناء البنيان، ليقول وإياهم: «نحن هنا، في صور مدينة الثقافة والفن، تعالوا وشاهدونا».
وفي ظل شبه غياب الدعم الماديّ، استطاع اسطنبولي أن يضع صور على خارطة العالم الفنّية والثقافية. عبر سلسلة طويلة من النشاطات والفعاليات، في سينما «الحمرا» التي أعاد تأهيلها وافتتاحها، أو في الشارع عبر عروض نالت استحسان الصوريين والسياح.
واليوم، تحتفي مدينة صور باسطنبولي، وتعيد إليه شيئاً من الجميل. وهنا، لا بدّ من لفت أنظار المكرّمين، اليوم وغداً، إلى أنّ إنجازات كالتي حقّقها اسطنبولي، تستحق التكريم فعلاً، لكنها أولى بأموال صُرفت على حجز قاعات ومطاعم، وعلى مصاريف وضيافة. نعم، إن التكريم الحقيقي الذي يؤتي ثماره، هو الذي يتأتى من دعم أمثال اسطنبولي، معنوياً، ومادياً ومادياً ومادياً!
وبالعودة إلى حفل التكريم، أقيم أمس حفل تكريميّ للممثل والمخرج قاسم اسطنبولي، في «استراحة صور السياحية» بدعوة من مدير عام «الريجي» المهندس ناصيف سقلاوي.
حضر الحفل إلى جانب سقلاوي، رئيس اتحاد بلديات صور عبد المحسن الحسيني، رئيس المنطقة التربوية في الجنوب الشاعر باسم عباس، رئيس بلدية صور حسن دبوق، وحشد من رؤساء الجمعيات والأندية والمؤسسات التربوية، والفاعليات الاجتماعية والبلدية والاختيارية والفنية، إضافة إلى مدعوّين.
بعد النشيد الوطني اللبناني وتعريف من رنيم حلواني، ألقى اسطنبولي كلمة اعتبر فيها أن هذا الاحتفال ليس احتفاءً بشخص، إنما هو احتفاء بالمدينة وبناس آمنوا بهذا «المشوار» منذ بدايته عام 2008، إذ عمل شباب من مدينة صور والمخيمات بإخلاص وتطوّع ليبنوا مشروعاً في هذه المدينة، من أجل بناء ثقافة حياة وفنّ.
وقال: عندما نبحث عن صور، نجدها سابع أقدم مدينة في التاريخ، وفيها ثاني أقدم مسرح رومانيّ في العالم. ومن المعيب علينا ألا يكون في صور مسرح وسينما وموسيقى وفن وشعر.
ووجّه اسطنبولي تحية إلى الضيوف الذين أتوا من خارج لبنان على نفقتهم، و«استضفناهم في منازلنا، هؤلاء هم الذين صنعوا تاريخ السينما الحديث والمسرح والموسيقى في المدينة»، شاكراً جمعية «تيرو للفنون» والجمعيات والأندية كافة في مدينة صور. كما شكر بلدية صور وإدارة «الريجي» ووزارة الثقافة، مؤكداً أنّ المطلوب تطوير الثقافة في مدينتنا، منتقداً المصارف التي تبرّر عدم دعمها المشاريع الثقافية والفنية، بأن إداراتها لا تخصّص دعماً لمدينة صور، متسائلاً: «إذاً لماذا تفتتحون فرعاً في صور؟ أقفلوا واذهبوا عنّا».
وختم اسطنبولي كلمته بشكره وتقديره للمهندس ناصيف سقلاوي، متمنياً عليه دعم الأنشطة الثقافية كافة في المدينة، داعياً الجمعيات إلى تعميم تجربته.
ثم كانت كلمة لسقلاوي قال فيها: كنت قد اعتبرت أنني أوفيت قسطي من مبادرات التكريم، والتي شملت عشرات اللامعين والمميزين الذين سمّاهم المرحوم الدكتور غازي قهوجي بالسلسلة الذهبية. واليوم وجدتني ملزماً أخلاقياً أن أبادر بتكريم الفنّان المبدع قاسم اسطنبولي، الذي فرض نفسه بنشاطه وعناده وحركته وإصراره.
وذكر سقلاوي سيرة اسطنبولي الذاتية، معدّداً مشاركاته الفنية وإنجازاته الواسعة. واعتبر أنّ قاسم اسطنبولي وضع صور على خارطة الصحافة والفنّ، حيث خلق حافزاً للعمل بطريق إبداعي، ونشر ثقافة الفنّ والحياة والفرح، ودعم الأعمال الشبابية والطلابية، مستذكراً مقولة الدكتور غازي قهوجي عن اسطنبولي حين قال: «ما يفعله هذا الشاب نوع من المستحيل وسط غياب الإمكانيات والبيئة الحاضنة». معتبراً أن ما يقوم به اسطنبولي من استضافة شخصيات رائدة لا نتصوّر يوماً أنها ستأتي إلى صور، نستغرب كيف تمكّن من إقناعهم في ظل غياب الإمكانيات، وما السبب الذي يدفعه للقيام بذلك وهو الذي يخرج من أيّ مشروع مكسوراً مادياً. لذا لا يمكن إلا أن أرى سبباً واحداً، أن اسطنبولي يحب مدينته صور.
وختم سقلاوي كلامه مستغرباً انعدام دعم المصارف للأنشطة الثقافية في صور، معتبراً أن هناك من يحتاج إلى دعم القليل القليل لزرع الفرح في قلوب الناس، واعداً بالوقوف دائماً إلى جانب اسطنبولي.
وفي الختام، قُدّمت دروع تقديرية لاسطنبولي من سقلاوي وبلدية صور و«نادي التضامن».