واشنطن تسعى لتقسيم سورية
حميدي العبدالله
العرض الذي قدّمته الولايات المتحدة إلى الجانب الروسي حول كيفية تنسيق الجهود لتثبيت «وقف العمليات» ينطوي على نية واضحة، يجري الكشف عنها للمرة الأولى، تسعى إلى تثبيت تقسيم سورية، على غرار ما حصل عند تقسيم ألمانيا، وكوريا بعد الحرب العالمية الثانية. الاقتراح الأميركي يقسّم سورية إلى منطقتين، الأولى خاضعة للرقابة الحصرية الأميركية، والثانية خاضعة للرقابة الروسية. بديهي أنّ الموافقة على هذه الصيغة من قبل روسيا تعني تكريس تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ بين الدولتين، ويترتب على ذلك تكريس تقسيم سورية، وعدم احترام القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والتفاهمات الدولية الأخرى، بما فيها تفاهمات «جنيف 1» التي نصّت صراحة على وحدة الأراضي السورية واحترام سيادة سورية، وقد حذّر من ذلك مسؤول لجنة الأمن في مجلس الدوما الروسي الذي قال صراحةً أن تجارب سابقة قائمة على مبدأ تقسيم مناطق النفوذ التي حصلت بعد الحرب العالمية الثانية، وأشار إلى تقسيم ألمانيا، لم تكن تجارب ناجحة، الأمر الذي يؤكد أنّ هدف الأميركيين من هذا الاقتراح هو تقسيم سورية.
لم يأت الاقتراح الأميركي بمثابة صاعقة في سماء صافية، بل هو نتيجة لحسابات لدى صانعي القرار في الولايات المتحدة، وثمة تطوّران رئيسيان دفعا واشنطن للتقدّم بهذا الاقتراح المريب والمشبوه في هذا التوقيت بالذات.
التطور الأول، عجز الولايات المتحدة عن حشد القوة البرية الكافية للاستيلاء على المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش»، ولا سيما في محافظة الرقة، وخوفها من أن تكون قوات الجيش السوري وحلفائه الأسرع في تحرير هذه المناطق وفرض أمر واقع جديد. وترجّحت احتمالات هذا المسار بعد تحرير مدينة تدمر والقريتين، ولهذا سعت واشنطن وحلفاؤها إلى خرق الهدنة وتصعيد المواجهة على جبهات حلب وريف اللاذقية وسهل الغاب لمنع الجيش من مواصلة زحفه باتجاه الرقة ودير الزور سعياً منها لكسب المزيد من الوقت لتمرير اقتراحات من نمط هذا الاقتراح الذي قدّم إلى المسؤولين الروس.
التطور الثاني، المكاسب الميدانية التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه على كافة جبهات القتال، وخشية الولايات المتحدة، ولا سيما بعد خرق اتفاق وقف العمليات، أن يستأنف الجيش تقدّمه، لا سيما في الجبهات التي تنتشر فيها جماعات صنّفت أنها إرهابية، ويصعب على الولايات المتحدة الدفاع عنها بوصفها تشكيلات معتدلة. وبالتالي فإنّ وضع الاقتراح الأميركي موضع التنفيذ، إذا وافقت عليه موسكو، سيقود إلى وقف تحرير المزيد من المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة، وبالتالي تكريس تقسيم سورية واقعياً، على الأقلّ على غرار تقسيم قبرص الآن.