العدوان على غزّة يكشف مدى توتّر العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية»
حميدي العبدالله
كشفت القناة الأولى في تلفزيون العدو «الإسرائيلي» مضمون الحوار بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو، ومما جاء في الحوار الهاتفي على لسان أوباما مخاطباً نتنياهو: «أدعوك فوراً إلى وقف إطلاق النار لأنّ صورة الدمار في غزة تبعد العالم عن «إسرائيل» … » وأضاف أوباما: «خلال أسبوع من وقف العمليات ستقوم تركيا وقطر بمحادثات مع حماس على أساس تفاهمات 2012 وتشمل رفع الحصار والقيود عن غزة»، وأضاف ردّاً على قول نتنياهو أن تركيا وقطر تدعمان حماس «أثق بتركيا وقطر، و«إسرائيل» ليست في وضع يسمح لها باختيار الوسطاء» ووصفت القناة الأولى الحوار بأنّه لم يكن ودّياً بل متوتراً، وأن أوباما هو الذي بادر إلى إنهاء الاتصال.
لا شك في أن ما ورد في هذا الحوار ينطوي على الكثير من المعاني والدلالات حول ما يحدث في غزة والمحاور المتصارعة، وعلاقة هذه المحاور العربية والإقليمية مع الولايات المتحدة، لكن الأمر المهمّ هو المستوى الذي بلغته العلاقات الأميركية «الإسرائيلية». صحيح أن هذه العلاقات تشهد توتراً منذ التوصل إلى اتفاق مرحلي بين إيران والدول «5+1» و منذ عدول واشنطن وتراجعها عن شن اعتداء عسكري مباشر على سورية، لكن «تل أبيب» كانت في غضون السنة الماضية في وضع هجومي وإدارة أوباما في وضع دفاعي، ويتهم قادة الكيان الصهيوني وحلفاؤهم في الكونغرس إدارة أوباما بالتفريط بمصالح حيوية للولايات المتحدة وحلفائها والتراجع أمام منظومة المقاومة والممانعة، ويطلبون من الإدارة مراجعة هذه السياسة. اليوم تغيّر المشهد وانقلب رأساً على عقب. حكومة العدو الصهيوني وحلفاؤها في واشنطن في وضع دفاعي، والإدارة في وضع هجومي، وما كان لمثل هذا التحوّل أن يحدث لو أن الجيش «الإسرائيلي» نجح في تحقيق مكاسب في عدوانه البربري الغاشم على قطاع غزة.
لكن تعثّر العدوان وفشله الواضح، وعجز «إسرائيل» عن تحقيق أي مكاسب، وحاجتها إلى نفوذ الولايات المتحدة وضغوطها لوقف العدوان من دون دفع ثمن باهظ، أمور بدّلت المعادلة بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو وحلفائها في الولايات المتحدة، فـ«تل أبيب» في حاجة ماسة إلى جهود الولايات المتحدة، وخاصة مع حلفائها الذين تربطهم صلات قوية مع حركة حماس مثل قطر وتركيا، فورقة الولايات المتحدة تكمن في تأثير هاتين الدولتين على حماس، ما يفسر قول الرئيس الأميركي أوباما بأنه يثق بتركيا وقطر، وبأنّه مقتنع بقدرتهما على إقناع حماس بالعودة إلى تفاهمات عام 2012 التي تم التوصل إليها برعاية الرئيس «الإخواني» محمد مرسي.
تبدو الأزمة التي تعصف بالعلاقات الأميركية «الإسرائيلية» الآن عابرة مثلها مثل عشرات الأزمات التي مرت بها العلاقات بين واشنطن و«تل أبيب»، لكن سياق هذه الأزمة يختلف عن سابقاتها، والأرجح أنها فاتحة مرحلة جديدة من العلاقات بين الجانبين لا تقود إلى القطيعة، لكنها تنهي الاعتماد الوحيد والمطلق للولايات المتحدة على الكيان الصهيوني، بعدما تحوّل إلى عبء عسكري ومالي وسياسي عليها.