الخماسية القاتلة والرخّ الأوكراني في العلاقات الروسيّة الأميركيّة
محمد أحمد الروسان
هل بدأت العاصمة الأميركية واشنطن دي سي وعبر نواة دولتها البوليسية العميقة «البلدربيرغ» جنين الحكومة الأممية ، تعيد صناعة برّاداتها السياسية الخاصة ومكعبات ثلجها من جديد، لغايات إطلاق مسارات حربها الباردة الجديدة القديمة مع روسيّا؟ هل بدأت مسارات انتاجاتها الاستخبارية بدأت في خلق مومياءات حكم للعديد من دول العالم الثالث لما بعد مرحلة ما سميّ بـ»الربيع العربي»؟
في أي سياق سياسي وأمني وعسكري ترد تصريحات رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الأخيرة، حول خطط العسكريين الأميركيين ودراساتهم لناحية خيارات تفعيل خطة عمل لم يكن يتضمنها جدول الأعمال منذ حقبة الحرب الباردة، عبر تمركزالعسكريين ونشر خطوط الاتصال والاتصالات البحرية بالتنسيق والتشاور مع حلف شمال الأطلسي، إلى جانب افتتاح طاولة جلسات العصف الذهني ومناقشة تقديم مساعدات عسكرية لسلطات كييف الجديدة بصورة مكثفة؟ ولماذا أكّد الجنرال مارتن ديمبسي وذكّر بأنّ أساس وجود الناتو حلفاً هو تحقيق الاستقرار وقمع «العدوان السوفياتي» أو الفدرالية الروسية راهناً؟
هل نجحت واشنطن في جعل الأزمة الأوكرانية طعنة نجلاء في خاصرة الروسي، رغم استقلال القرم من خلال استفتاء شعبوي نزيه وعودتها مجدداً الى الحضن الفدرالي الروسي؟ ولِمَ كان الجنون الأميركي والغربي مركّباً ومتعدداً بعد عودة القرم الى الروسي؟ ألا يمكن اعتبار تسمية كييف رسمياً عضواً في الاتحاد الأوروبي الغربي بمثابة جنون مطبق لا متقطع، والاتحاد الأوروبي بمثابة الوجه المدني الناعم لحلف شمال الأطلسي؟ وألا يمكن اعتبار بريطانيا العظمى ودورها بمثابة حصان طروادة الأميركي و»الإسرائيلي» في الداخل الاتحادي الأوروبي؟
هل نحن أمام ريح عقيم هبّت لتحمل معها لفحات تنذر بحرب باردة من شأنها ومآلاتها أن تجمّد جميع التفاهمات والحلول في العديد من الساحات؟ ألا يمكن اعتبار سورية الصاعدة والعراق الساخن وغزّة النازفة وأوكرانيا غير المستقرة والصراع على ثروات آسيا الوسطى بمثابة الخماسية القاتلة وستكون محور كل الحكاية الباردة؟ من سينتصر على من في النهاية؟ الجليد السيبيري أم ثلوج ولاية ألاسكا؟ وهل لنا أن نكيّف تذكير الجنرال العجوز مارتن ديمبسي بالهدف الذي أنشىء لأجله حلف شمال الأطلسي كإعلان عداء لنواة الاتحاد الروسي؟ إلى أي مدى لا يسمح الأميركي للروسي بالتمدد في العديد من الساحات؟
هل ستستثمر واشنطن و»بلدربيرغها» ومجتمع استخباراتها، بالتعاون مع مجتمعات الاستخبارات الغربية و»الإسرائيلية» وبعض مجتمعات مومياءات الاستخبار العربي، في استغلال الجمهوريات الإسلامية أو التي يوجد فيها مسلمون لإثارة القلاقل والمشاكل حول روسيا؟
في المحصّلة، سوف تلجأ الولايات المتحدة الأميركية وجلّ حلفائها من بعض غرب وبعض مومياءات الحكم العربي، بإسناد «إسرائيلي» إلى دعم مكثف ومتعدد لكييف عسكرياً وسياسياً ولوجستياً واقتصادياً ودبلوماسياً واعلامياً، وسوف تزداد العقوبات على موسكو وستجهد أوروبا في البحث عن مصدر آخر للغاز إذا أمكن، وستحسم بقوّة بعض الملفات داخل نواة الإدارة الأميركية وداخل المجمّع الصناعي الحربي الأميركي، لأن أي تباطؤ هنا أو تلكؤ هناك يعني تقدماً وانطلاقاً روسيين الى الأمام، خاصةً في سورية والعراق وأوكرانيا، وإذا شئنا في الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» الراهن الى حد ما، ولاحقاً عميقاً.
السؤال: هل ترى واشنطن دي سي في تطوير حقل «سردار» النفطي والغازي الواقع بين الحدود التركمنستانية والمناطق الأذربيجانية الى حد ما مصدراً غازياً مهماً لأوروبا وبديلاً الى درجة تكتيكية موقته؟ كيف رعت الولايات المتحدة الأميركية ومهّدت لبناء الشراكات السعودية ـ «الإسرائيلية» لاستثمار نفط تركمنستان وأذربيجان؟ ما هي أسرار العلاقات بين الشركة السعودية للبترول التي يملكها الأمير تركي بن عبدالله بن عبد العزيز ومجموعة «ميرهاف» التي يديرها مسؤول «الموساد» السابق يوسف ميامان؟ الى أي مدى استطاع هذا البيدق «الموسادي» يوسف ميامان خلال فترة وجوده في وسط آسيا وعمله مع آخرين من بعض عرب في تعزيز الوجود «الإسرائيلي» هناك، من خلال تكثيف الحضور الأمني والاستخباريّ في تلك المنطقة الغنية بالطاقة في حوض بحر قزوين و/ أو بحر الخزر الذي يشكل المركز الاقتصادي لخمس جمهوريات سابقة للاتحاد السوفياتي في وقته وحينه؟ فيوسف ميامان هو رائد المشاريع النفطية والغازية في وسط أوروبا، وهذا وصف أطلقته الصحافة العالمية عليه، خاصةً الأوروبية، ونشاطات شركته هو منذ أكثر من عشر سنوات في تركمنستان، وحاز الجنسية التركمنستانية من السلطات الرئاسية بمرسوم خاص من الرئيس سبار مراد نيازوف، وتوفى الرئيس بعد عامين من منح يوسف ميامان مسؤول «الموساد» ومعزّز الوجود «الإسرائيلي» في وسط آسيا بالتعاون مع آخرين بينهم عرب.
من منكم أيّها القرّاء لا يتذكر السيد روفين داينايا أول سفير «إسرائيلي» في التركمنستان؟ أفردت تحليلاً خاصاً نشر في جميع وسائل الميديا قبل أكثر من تسع سنين حول هذا الروفين العميل السابق لـ»الموساد»، فهو بيدق موسادي مثل سواه وكان يدير عمليات موسكو قبل عام 1996، إذ استطاع يوسف ميامان تعيين روفين سفيراً هناك بتنسيق من وزير الخارجية «الإسرائيلي» الموغل في التطرف أفيغدور ليبرمان؟ انخراط واضح وعميق لعنوان الأدارة الأميركية العنوان السطحي باراك أوباما، بالأشراف على حرب ضد روسيّا في شرق أوكرانيا وعبر عقوبات اقتصادية دولية تديرها وزارة المال الأميركية وجهاز الاستخبار الخاص بها، أعلن هذا الرئيس الرخّ أنّه سيرسل مستشارين عسكريين أميركيين لدعم عمليات أوكرانيا العسكرية ضد المتمردين الموالين لروسيا في الجمهوريات الانفصالية شرق أوكرانيا، رغم أنّ هذا الرخ الأميركي يعلم أنهم موجودون هناك ويعملون تبعاً للدليل السياسي والعملياتي للعمليات الدفاعية الدولية الجديدة. وفي حال كان المجتمع العسكري والاستخباراتي الأميركي يقوم بالعمليات بالطريقة السليمة، فإنّ ثمة فرقاً شبه عسكرية من عناصر وكالة الاستخبارات الأميركية والعمليات الخاصة يراقبون ما يحدث في روسيّا وعن قرب. الدمية الأميركية الجديدة الرخ الأوكراني أيضاً هو الذي سيشرعن النشاط العسكري الأميركي على الحدود الروسية، فالرخ بيترو بوراشينكو الذي جاء إلى السلطة عبر الانقلاب العسكري المتعاظم في النجاح والمدعوم من مؤسسات «البلدربيرغ» الأميركي ضد الرئيس السابق فكتور يانوكوفيتش، وهذا الرخ الأميركي الجديد في أوكرانيا بوراشينكو يقود حكومة من عناصر متنافرة تمثل مصالح الأثرياء والمجموعات النازية الجديدة التي تتركز قواعدها وبيادقها وقواعد دعمها وبيادق دعمها في غرب أوكرانيا. «البلدربيرغ» الأميركي وعبر رخّه الرئيس أوباما استخدم تدمير الطائرة الماليزية «إم ايتش 17» فوق شرق أوكرانيا ككرة قدم سياسية لغايات شيطنة موسكو وإلقاء اللوم عليها. إذن، من الزاوية الأميركية روسيا بزعامة فلادمير بوتين مسؤولة بطريقة ما عن موت أكثر من ثلاثمئة راكب، إذ تدعم المتمردين الموالين لها في قتالهم ضد النازيين المجرمين الأوكرانيين المدعومين من واشنطن ومن «البلدربيرغ» الأميركي. طيّب وحسناً أيّها القرّاء الأذكياء: ماذا ستفعل الولايات المتحدة الأميركية و»البلدربيرغ» عندما تقوم المجموعات الانفصالية في المكسيك والمدعومة من الحكومة المكسيكية بالعبور الى أميركا وولاياتها، وتزرع العبوات الناسفة في مدن وبلدات أريزونا وتكساس وبلداتهما، بالتنسيق مع «القاعدة» وأخواتها في الداخل السوري والعراقي والأفغاني والباكستاني؟
بلى، من حق الولايات المتحدة الأميركية ان تغضب وتصاب بجنون مطبق، فالفدرالية الروسية بزعامة الزعيم الأممي فلادمير بوتين ومجتمع الاستخبارات الروسية استعادا شبه جزيرة القرم عبر استفتاء شعبوي نزيه ومن دون إطلاق رصاصة واحدة، قبل أن تتمكن واشنطن و»البلدربيرغ» الأميركي من وضع الأيادي عليها وتعطيل خطط روسيا والصين والاتحاد الأوروبي الرامية الى ربط اقتصادات آسيا وأوروبا بواسطة السكك الحديد وخطوط الغاز والمرافئ والطرقات السريعة. في الجانب الصراعي الأممي الآخر من موضوع الصراعات على آسيا الوسطى، وإذا كنّا في تحليل وتوصيف سياسي قبل أكثر من ثلاث سنوات خلت وصفنا قيرغيزستان بالمعنى السياسي والأمني الاستراتيجي بـ»إسرائيل» ثانية في آسيا الوسطى، بالنسبة إلى محور واشنطن «تل أبيب»، فإنّها من الناحية الاقتصادية وبمعناها الواسع الشمولي الاستراتيجي، وبالنسبة إلى المحور السابق نفسه، هي بمثابة «سويسرا آسيا الوسطى» لوفرة تمتعها بالثروات الطبيعية والمعادن الثمينة والمهمة مثل الأنتيمون والفحم الحجري واليورانيوم واحتياط كبير ونوعي من النفط والغاز الطبيعي. وقيرغيزستان هي جزء مهمّ من منطقة أوراسيا، والتي تشمل كل من منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، وتعد منطقة أوراسيا المسرح الجيوسياسي الاستراتيجي، لمشروع هيمنة محور واشنطن «تل أبيب»، إذ تعتبر الدولة العبرية الشريك ما فوق الاستراتيجي الأول لواشنطن، فالأولى كانت ولا تزال بمثابة قناة إمرار، للمعلومات الاستخبارية التي تجمعها الجماعات اليهودية و»الإسرائيلية» الأخرى، المنتشرة في بلدان آسيا الوسطى والقوقاز الى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.
ما حصل من عنف إثنو سياسي عميق في قيرغيزستان سبقته عمليات تعبئة سلبية فاعلة في أوساط السكّان الموالين للرئيس السابق المخلوع كرمان بيك بكاييف مطلع عام 2010، خاصةً في إثنية القرغيز الجنوبيين، وأخذت عمليات التعبئة الإثنية العدائية العرقية أشكالاً متقدمة أدّت الى عمليات اصطفاف إثني عرقي بشكل عمودي وأفقي بين القرغيز والأوزبك تضمنت قدراً كبيراً من مشاعر الكره والرغبة، ليس في نفي الآخر فحسب لا بل في استئصاله. حدث ذلك كله ويحدث برؤية ودفع وتوجيه من قبل محور واشنطن «تل أبيب»، إذ استغل الأخير فرصة ذهبية لاحت له لدى الإطاحة بالرئيس كرمان بيك لجهة دفع يد الجماعات الإثنية المتخاصمة وإطلاقها، وبخاصة القرغيز والأوزبك إنه بامتياز صراع إثنو سياسي عنيف وعميق تعمل على رعايته وإدامته كل من واشنطن و»تل أبيب» حتّى اللحظة، عبر استغلال يهود آسيا الوسطى الموجودين في دولها الخمس: كازاخستان، تركمنستان، أوزبكستان، طاجيكستان، وقيرغيزستان، وتوظيفهم لخدمة الاستراتيجيات الأميركية «الإسرائيلية» في منطقة أوراسيا.
تقول المعلومات الاستخباريّة إنّ النخب السياسية والدينية في «إسرائيل»، ومعها الجماعات اليهودية العالمية، وجماعات اللوبي «الإسرائيلي» في أميركا وغرب أوروبا تسعى جاهدةً وبشكل دوؤب الى توفير مظلات الدعم المالي، والاقتصادي والسياسي والثقافي والديني للجماعات اليهودية الصغيرة الموجودة في دول آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز، بحيث يؤدي هذا السعي الممنهج والمدروس بدقة الى أتوستراد سياسي وأمني سالك يتيح تعزيز قدرات هذه المجموعات اليهودية الصغيرة في منطقة أوراسيا كلّها كي تمارس حضورها القومي في مفاعيل متتاليات هندسية لجهة عمليات صنع القرارات السياسية والأمنية الاستراتيجية واتخاذها في دول آسيا الوسطى الخمس والقوقاز الشمالي والجنوبي، وإن تكن «إسرائيل» حقّقت نجاحات غير عادية في إعداد كوادر اللوبيات «الإسرائيلية» في كل من كازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان، إلاّ أنّها ما زالت تواجه صعوبات جمّة وعراقيل ذات عقابيل كثيرة في كل من أوزبكستان وتركمنستان حيث اللوبيات «الإسرائيلية» والجماعات اليهودية ما زالت بتأثيراتها في مرحلة الأجنّة، لصعود وتناسل غير عادي للحركات الإسلامية الجهادية في أوزبكستان، وامتلاك تلك الحركات الجهادية الإسلامية أجهزة استطلاع خاصة بها، وتنسيقات غير مباشرة مع أجهزة الاستخبارات الأوزبكية في بعض الملفات الداخلية، في حين أنّ نظام الحكم في تركمنستان يتميّز بالقوّة والصلابة، ويرفض الى الآن أي دور «إسرائيلي» في البلاد وفي آسيا الوسطى، بل في أوراسيا كلّها.
لذا، شرعت «إسرائيل» حديثاً، في اعتماد استراتيجية حديثة في آسيا الوسطى، كمرحلة أولى، إذ تركز على كازاخستان لتكون شريكاً لها في آسيا الوسطى بدلاً من أوزبكستان، وحتّى قرغيزستان وطاجيكستان، فالأخيرة باتت أشدّ ارتباطاً بروسيا الفدرالية، وبدأت تركمنستان تميل الى التفاهم مع إيران وروسيا الفدرالية وتركيا أيضاً. ولأن كازاخستان تقع في مناطق جنوب الفدرالية الروسية، فإنّ واشنطن ستعتمد على «إسرائيل»، لكونها تملك مفاتيح كازاخستان، وإن تكن الأخيرة الدولة الرئيسية في آسيا الوسطى لجهة محور واشنطن «تل ابيب»، فانّ أذربيجان الدولة الرئيسية في مناطق القوقاز الجنوبي، بدلاً من جورجيا لجهة المحور الأميركي «الإسرائيلي»، ولذلك فإنّ كازاخستان وأذربيجان تشكلان مدماكي مفاعيل الرؤى الأميركية «الإسرائيلية» فوق الاستراتيجية، لجهة مصالحهما المشتركة في جميع مناطق أوراسيا العظمى.
تشير تقارير لمجمعات الاستخبارات الاقليمية والدولية إلى أنّ المجموعات اليهودية والجماعات «الإسرائيلية» في آسيا الوسطى والقوقاز الشمالي والجنوبي سجلت نجاحات يمكن البناء عليها وتوظيفها وتوليفها، لناحية تنظيم الترتيبات والأطر الضرورية وتنفيذها، ولناحية تعزيز الروابط مع «إسرائيل»، خاصةً مع كوادر حزب «شاس» الديني الذي يشكل بؤر التمركز الديني السياسي الوطني القومي لليهود الشرقيين السفرديم المهاجرين للدولة العبرية. ومن زاوية أخرى، لعب الرئيس المخلوع كرمان بيك بكاييف عام 2010، ورئيس وزرائه فيليكس كولوف المرتبط، بشبكات الاستخبارات الخاصة بمحور واشنطن «تل أبيب»، دوراً نوعياً وكمياً هائلاً في تغلغل، شبكات الاستخبارات «الاسرائيلية» والأميركية خاصة، وشبكات استخبارات دولية أخرى تنسق معهما في قيرغيزستان. كما تذهب المعلومات أيضاً الى الحديث عن سلّة مزايا منحها الرئيس المخلوع كرمان بكاييف وقبل إطاحته عام 2010 الى أميركا في تسهيلات سريّة للقاعدة العسكرية الأميركية في ميناس، لإعداد الجماعات المسلحة ذات التوجهات الموالية لمحور واشنطن «تل أبيب» وتدريبها، وما قصّة السيد عبد الملك ريفي زعيم حركة «جند الله» المسلحة السنيّة الناشطة في إقليم بلوشستان الإيراني، والذي اعتقلته وحدة كوماندوس إيرانية بعد اعتراضها الطائرة الخاصة التي كانت تقله من دبي، سوى مؤشر دقيق جداً إلى صحة معلومات الاستخبارات الدولية المحايدة وتقاريرها، إذ كان السيد ريفي في طريقه الى قيرغيزستان ليعقد لقاءً داخل القاعدة العسكرية الأميركية في ميناس مع مسؤولين كبار وعلى مستوى عالٍ من ضباط الاستخبارات الأميركيين و»الإسرائيليين».
في حين أنّ المعلن للعموم، الأممي والإقليمي، أنّ هذه القاعدة العسكرية في ميناس تقوم فحسب بنقل القوّات الأميركية والإمدادات العسكرية الى أفغانستان. مفارقة عجيبة ومضحكة لا تنطلي إلاّ على السذّج من العوام الأممي والإقليمي والمحلي، وما أكثر هؤلاء!
إشارة لا بدّ منها إلى موافقة رئيسة الحكومة الانتقالية بعد إطاحة كرمان بيك في 2010، في بيشكك مدام روزا، لحظة توليها زمام السلطة وقبل ولادة المنتج الاستخباري الذي سمي بـ»الربيع العربي»، على استمرار عمل القاعدة العسكرية الأميركية بدوريها المعلن وغير المعلن، وتقول تقارير استخبارات ذات مصادر مختلفة آنذاك، أن مدام روزا هذه هي مع تدعيم الروابط القرغيزيّة مع محور واشنطن «تل أبيب»، إذ تم التفاهم معها وحولها ومن ثم استمالتها له، إذ كانت سفيرة لبلادها في واشنطن، وأثناء تولّيها مناصب رفيعة أخرى مهمة في المنظمات الأممية ذات الارتباطات العمودية والأفقية مع شبكات الاستخبارات الأميركية «الإسرائيلية»، إذ كانت ناشطة أممية في مجالات حقوق الإنسان والمساعدات لمؤسسات المجتمع المدني الأخرى، خاصةً في منطقة البلقان والقوقاز الشمالي والجنوبي وجورجيا، فهي ليست بعيدة عن رؤى واشنطن و»تل أبيب» وتطلعاتهما، في آسيا الوسطى، بل في أوراسيا العظمى كلها، ومثلما ذكرت آنفاً، وافقت فور تسلّمها السلطة بعد إطاحة الرئيس كرمان على تمديد فترة بقاء قاعدة ميناس الأميركية في بلادها، رغم اعتراضات أطراف داخلية وإقليمية، وأعني الفدرالية الروسية.
صحيح مئة في المئة أنّ للثلاثي الأممي – الفدرالية الروسية والولايات المتحدة الأميركية والصين – مصالح استراتيجية، بل فوق نستولوجيا الاستراتيجي في جمهورية قيرغيزستان، لكنها مصالح متعاكسة، متعارضة، مختلفة العناصر ومرتكزات. هذا المثلث الأممي المتنافس والمتصارع بصمت وعمق على آسيا الوسطى وفيها، بل على أوراسيا العظمى كلّها وفيها، وإن يكن العامل الداخلي حافزاً حقيقياً كسبب في ما حصل ويحصل وسوف يحصل في قرغيزستان، فإنّ مفاعيل تأثيرات العامل الخارجي للصراع هناك، في قيرغيزستان وفي ملفات صراع النفوذ الأميركي على أسيا الوسطى وكل أوراسيا العظمى، وملفات الصراع الروسي مع واشنطن، في آسيا الوسطى وأوراسيا العظمى كمجال حيوي روسي، لا تتنازل عنه موسكو البتة تحت أي ظرف دولي أو أقليمي.
مع الإشارة الى أهمية العامل الصيني كجزء من مفاعيل تأثيرات العامل الخارجي في الصراع القيرغيزستاني الداخلي، لارتباطاته بالصراع الصيني الداخلي، حيث تتموضع جمهورية قيرغيزستان جغرافياً في شمال شرق أسيا الوسطى على جبال تيان شان، ويحدها من الشرق الصين، ومن الغرب كازاخستان وأوزبكستان، ومن الجنوب طاجيكستان، وتتمتع قيرغيزستان بحدود طويلة جدّاً مع مناطق شمال غرب الصين عبر المناطق الجبلية شديدة الوعورة، وإلى مسافة تزيد على 600 كلم، حيث تقع مقاطعة سينكيانغ في شمال غرب الصين وتسكنها أعداد كبيرة من المسلمين الأيغور والقيرغيز المسلمين والمطالبين بالانفصال عن الصين، وثمة العديد من الفصائل المسلحة الصينية المعارضة في قيرغيزستان، حيث تقدم القاعدة العسكرية الأميركية في ميناس الدعم المالي والسياسي والعسكري والاستخباراي لها كي تقوم بحرب وعصابات داخل مقاطعة سينكيانغ الصينية المسلمة، وتقول معلومات استخبارية ذات مصادر مختلفة ومقنعة إن شبكات الاستخبارات «الإسرائيلية»، بالتعاون مع شبكات الاستخبارات الأميركية والتايوانيّة تساهم في تدريب الحركات الصينية المسلحة والمعارضة لبكين والمطالبة بالانفصال.
الاستخبارات الصينية غير غافلة البتة عمّا يحصل وتملك أكبر شبكات التجسس في العالم، وإن كانت تركز على المعلومات العلمية ودقائق العلم الإلكتروني، وآخر ما توصل اليه العلم الحديث، من اختراعات إلكترونية مختلفة، إلاّ انّها تراقب الوضع عن كثب وتعمل بهدوء وصمت، وهي مطلعة على نوايا محور واشنطن «تل أبيب» الساعي الى المزيد المزيد من تدهور الأوضاع في قيرغيزستان وتفاقمها، فمن شأن ذلك أن يؤدي الى تفكيك دول آسيا الوسطى الأخرى ويقود الى فوضى خلاّقة في أوراسيا العظمى كلها، وهذا ما تسعى واشنطن و»تل أبيب» جاهدتين إليه، وعندئذ، وفي هذه اللحظة الزمنية تحديداً، سوف تتدخل الصين بقوّة وعلناً وسراً لحماية أمنها القومي والداخلي من أخطار الأخطبوط الشيطاني الشرّير لمحور واشنطن «تل أبيب» ومن تحالف معه من الغرب الأوروبي.
تفيد المعلومات حول دولة كازاخستان بأن هذه الأخيرة ذات مساحات كبيرة وشاسعة وسكّانها الكازاخ وطنيون حتّى النخاع ويتميّزون بالتماسك والشعور الوطني والاعتزاز بقوميتهم، وهي بالتالي دولة حاجز وعازل تفصل بين الفدرالية الروسية عامة، ومناطق جنوب روسيا الفدرالية خاصة من جهة، وكل من قيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان من جهة أخرى، لذا نرى أنّ موسكو تصنّف الصراع القرغيزي الداخلي لدى نشوبه، بأنّه خطر ثانوي بالنسبة إليها، ولذا كان التدخل الروسي عبر منظمة الأمن والتعاون الأوروبية في حينه في التعامل مع الصراعات في الداخل القرقيزي.
ملاحظة: الرخّ في لعبة الشطرنج يقصد به الملك، والبيدق هو الجندي.
محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
www.roussanlegal.0pi.com
mohd ahamd2003 yahoo.com