«طبخة» جنبلاط ووظيفة الحريري داخل «استراتيجية» الملك عبد الله لمكافحة الإرهاب

يوسف المصري ـ «البناء»

يقول مرجع سياسي لبناني إنّ آذان المحافل السياسية اللبنانية لا تزال تحاول استراق السمع ولو بمفعول رجعي للحوار الذي دار بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والنائب وليد جنبلاط. ويؤكد هذا المرجع أنّ المعلومات المتسرّبة عن لقائهما زهيدة، وما وصل إلى مسامعه خلال الساعات الأخيرة من شخصية قريبة لجنبلاط تظلّ بحاجة إلى التأكّد منها.

تقول هذه الشخصية إنّ النائب جنبلاط ذهب إلى السيد نصرالله تحت عنوان أن الاستقرار لن يعود ممكناً الحفاظ عليه من دون إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية. وبنظر جنبلاط فإنّ كلّ الأطراف اللبنانية معنية بتجسيد الاستقرار ولو في حدّه الأدنى الموجود حالياً. واعتبر جنبلاط أمام نصرالله أنّ حزب الله يقف على رأس الجهات اللبنانية ذات المصلحة بالاستقرار والمؤمنة به أما بالنسبة إلى انتخابات الرئاسة الأولى فقال جنبلاط إنّ المطلوب الخروج من استعصاء معادلة: إما الجنرال ميشال عون أو رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وكرّر طرح مرشحه هنري حلو بوصفه رئيساً برتبة «مدير أزمة». وقال بحسب الشخصية عينها: نعرف وفاء السيد حسن للجنرال عون، ولا نطالب بشيء على هذا الصعيد، ولكن من الممكن أن يتمّ الإفراج عن اصطفاف الرئيس نبيه بري وراء موقف تأييد ترشيح عون المستمرّ حتى يقول الأخير لا أريد الرئاسة. وأضاف أنّ تجمّعاً نيابياً يضمّ كتلة المستقبل وكتلة بري وكتلته قادر على تأمين نصاب انتخاب رئيس وأنه يقترح اسم الحلو كمرشح توافقي للرئاسة أو شخص يشبهه إذا وُجد.

وتقول الشخصية عينها إنّ جنبلاط لا يتحرك من فراغ، فهو جسّ نبض مواقف الكثير من عواصم القرار الدولي والاقليمي قبل أن يمضي في حملته السياسية لإنضاج طبخة الرئاسة الأولى. وتميل الشخصية عينها إلى الاعتقاد بأنّ البلد مقبل ربما على تكرار تجربة أياد علاوي رئيساً للحكومة العراقية في مقابل سعد الحريري رئيساً لحكومة لبنان التي حصلت قبل سنوات ثم طرأ انقلاب عليها نتيجة تطورات إقليمية. وما هو متوقع حصول انتخابات رئاسية في أيلول يليها تمديد لعامين أو حتى لمدة ثانية كاملة لولاية المجلس النيابي الحالي، وبعد ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية لبنانية جديدة برئاسة الحريري.

لكن الشخصية عينها تؤكد أنّ إشارة البدء بالمرحلة الأولى من هذا المسار باتجاه انتخاب رئيس توافقي ومدير أزمة في أيلول، مرتبطة بنجاح امتحان يحصل في العراق، وقوامه قبول رئيس الحكومة نوري المالكي بطلب إيراني بالإتيان برئيس جديد للوزراء مكانه يخفف من الاحتقان الداخلي العراقي المذهبي، ويعطي الواقع السياسي هناك اندفاعة جديدة لمواجهة الحالة الداعشية بالاشتراك مع السنة المعتدلين.

تضيف الشخصية عينها أنّ إرهاصات مثل هذا التحوّل العراقي بدأت تبرز على سطح الأحداث، خصوصاً لجهة بروز بدايات توافق شيعي عراقي وإيراني على السير وراء رغبة المرجع الشيعي السيستاني بخصوص هذا الأمر، ومن ثم ملاقاته دولياً وإقليمياً.

وتتوقع الشخصية عينها أنّ جنبلاط يوجه إيقاعات اتصالاته اللبنانية الحالية على هدى خريطة التطورات العراقية المرتقبة، وأنّ الحريري ليس بعيداً عن هذا التوجه. فالأخير له همّ أساسي في هذه المرحلة وهو حجز دور له في استراتيجية الملك عبد الله لمقاتلة التطرف الداعشي داخل الطائفة السنية في العالم، على اعتبار أنّ داعش هي الجيل الجديد من القاعدة الذي بدأ يخلف جيل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري ويحلّ مكانهما في تهديد أمن المملكة. ويبدو أنّ الحريري نجح في نيل هذه الوظيفة داخل استراتيجية الملك. وهذا ما يفسّر إقدام الأخير على تخصيص الحريري بأنه الجهة التي سيقدّم من خلالها مبلغ المليار دولار للجيش اللبناني لدعم قدراته العسكرية في مكافحة الإرهاب. ويفسّر هذا الامر أيضاً خلفيات مواقف الحريري الأخيرة ذات اللهجة المرتفعة في أحداث عرسال والتي خلت من وضع أية شروط على دعم الجيش في معركته ضدّ الإرهاب كما فعل أتراب له في كتلته.

وبإزاء بعض الملاحظات التي برزت في بيروت بخصوص أنّ الملك عبد الله اتصل بالرئيس السابق ميشال سليمان ليبلغه تضامنه مع لبنان في مكافحة الإرهاب، بمناسبة أحداث عرسال، علماً أنّ سليمان لم يعد رئيساً للجمهورية، تقول الشخصية عينها إنّ هناك سببين اثنين أدّيا إلى هذا التصرف، الأول لأنّ السعودية لا تريد تجاهل الموقع المسيحي على رأس الدولة اللبنانية وحتى لو كان شاغراً، خوفاً من تفسير ذلك وكأنّ الرياض تتكيّف مع لبنان من دون رئيس أو أنها لا تعير هذا الأمر كبير أهمية.

ثانيا لأنّ الملك كان أمامه خياران لإجراء الاتصال، الأول إجراؤه مع قائد الجيش العماد جان قهوجي والثاني مع رئيس الحكومة تمام سلام، إلا أنه وبناء على نصيحة من ديوانه يبدو أنّ الحريري لم يكن بعيداً عنها، فضّل الاتصال بسليمان على رغم أنّ ذلك ينطوي على خرق للبرتوكول، ولكنه أقلّ شأناً من اتصاله بقائد الجيش. أضف إلى الاعتبار السياسي الآنف حول رغبة الرياض بعدم الظهور وكأنها متصالحة مع غياب الرأس المسيحي في الدولة اللبنانية. الثاني الاتصال بتمام سلام ولكن الرياض لا تريد الظهور بأنها تتكيّف مع انتقال صلاحيات الرئيس الماروني إلى الرئيس السني.

ويبدو أن الحريري ناسبته الحالة الأخيرة لأسباب تخصّه، حيث تروّج مصادره أنّ عدم اتصال الملك بسلام لإبلاغه تضامنه ضدّ الإرهاب، وأيضاً تخصيصه حصراً أي الحريري من دون الحكومة ليدفع هبة المليار دولار عبره للجيش، إنما تشكل دلائل ساطعة على أنه لا يزال هو الزعيم السني الأوحد المعتمد سعودياً في لبنان وكدليل أيضاً على أنّ الحرب ضدّ الإرهاب في بلد الأرز لا يمكن خوضها من دون الاعتماد على ثقل الحريري وليس غيره داخل الشارع السني اللبناني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى