غزّة: براعة العمل السياسيّ لا تقلّ أهمية عن براعة العمل العسكري

حميدي العبد الله

عندما حقق الفيتناميون النصر على الولايات المتحدة الأميركية، أكبر قوة عسكرية بعد الحرب العالمية الثانية، أكدوا أنّ الشرط الأساسي الذي حقق هذا الانتصار العظيم المدوّي يكمن في العمل السياسي الذي كان بمستوى العمل العسكري أو أكثر براعة منه أو يتقدم عليه ويضاهيه.

كذلك المقاومة في لبنان، انتصرت في حرب تموز عام 2006 على العدوان الصهيوني الذي حظي بمباركة الدول الثماني، بما فيها روسيا حينذاك وجميع الدول العربية والإسلامية، باستثناء سورية وإيران، ليس فحسب بقدراتها العسكرية وتضحيات مجاهديها وصمود شعبها الذي قهر تواطؤ القوى الداخلية التي حاولت طعن المقاومة في الظهر وتخاذلها، وكانت تدعو العدو الصهيوني وتؤلّبه على مواصلة مذابحه في لبنان، بل أساساً في براعة العمل السياسي الذي خاضته قيادة المقاومة وواكب انتصاراتها العسكرية وحضّها، وبراعة ما قامت به في مواجهة العدو في أرض الميدان وعلى مستوى التقاصف، رغم الفرق في قدرات العدو وقدرات المقاومة عام 2006.

لا يبدو أنّ مثل هذه البراعة السياسية توافرت للمقاومة في غزة وواكبت الانتصارات والتضحيات الكبيرة والبارعة التي سجلها مقاتلو المقاومة ومجاهدوها في وجه آلة الحرب الصهيوني، إذ ضاعت هذه البراعة السياسية بين نهجين ومعسكرين:

ـ المعسكر الأول تمثله تركيا وقطر وحاول توظيف نفوذه وتأثيره في بعض فصائل المقاومة لتصفية حسابات مع بعض الأنظمة، خاصة مصر والسعودية، في حين أنّ المعسكر المقابل حاول تعطيل أي عملية سياسية تقود إلى ظفر المقاومة بوضوح في المعركة، محاولاً حرمان قطر وتركيا، وبالتالي حركة حماس، من أيّ انتصار سياسي واضح.

ـ المعسكر الثاني يكمن في الصراعات الداخلية الفلسطينية. صحيح أنها هذه المرة كانت أقلّ حدة في مواكبة العدوان، لكنّها عطلت أي إمكان لعمل سياسي بارع يحصّن المقاومة ويعزز انتصاراتها وبطولاتها الميدانية. السلطة تسعى إلى توظيف العدوان لمصلحة العودة إلى غزة والإشراف على المعابر، وحماس تسعى إلى حرمان السلطة من تحقيق مثل هذه المكاسب على حساب تضحياتها وتضحيات سكان قطاع غزة.

أدّى تنافر الأداء السياسي بين المعسكرات إلى بقاء زمام مبادرة العمل السياسي في يد رئيس حكومة العدو الصهيوني ولعلّ مأزقه كان يدفعه إلى قبول أي مبادرة لوقف إطلاق النار من أي جهة وتحت أي تسمية، لكنه كان يجهد في المقابل في توظيف تلك المبادرات التي لم تنجح مرة واحدة، للظهور بمظهر الحريص على التفاعل الإيجابي مع المجتمع الدولي، والتوصل إلى تهدئة إنسانية، في حين بدت المقاومة كأنها غير حريصة على تمكين شعبها وأنصارها من الحصول على الوقت الكافي لإخلاء الشهداء والجرحى من الساحات التي استهدفتها آلة الحرب الصهيونية الغاشمة، وهكذا كان الأداء السياسي كأنّه أقل براعة من الصمود الشعبي، والأداء العسكري لفصائل المقاومة في مواجهة العدوان.

يُخشى أن يؤدي هذا الخلل إلى خاتمة قد لا تكون في مستوى التضحيات التي قدمها أهل غزة والضفة الغربية إذ سقط عشرات الشهداء والجرحى في الضفة تضامناً مع غزة، ويخرج العدو من المواجهة كأنه هو الذي حقق المكاسب الكبرى، وتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل العدوان من حصار وإقفال للمعابر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى