وقاحة في السياسة… عهر في التعصب الدينيّ!
محمد ح. الحاج
في امتحان محرقة غزة، سقط الضمير العالمي، العربي والدولي على حد سواء، وبانت عورة السياسة في أوضح صورها إلى حدّ الوقاحة، وهكذا أمكن لباراك أوباما ووزير خارجيته كيري وأمين عام الأمم المتحدة أن يروا أن المقاومة ارتكبت الإثم عندما أسرت جندياً صهيونياً، أو ضابطاً برتبة ملازم، وارتفعت عقيرة هؤلاء تأمر بإعادته وتسليمه فوراً، لكنهم لم يتذكروا عشرة آلاف أسير فلسطيني. الجندي الصهيوني «ابن إله». باقي البشر «غوييم» بمن فيهم أوباما وكيري وبان، ومعهم باقي الجوقة من أغراب وأعراب يا للسخرية . العالم مهتم كثيراً بمقتل بضعة جنود، وإصابة بعض منازل المستوطنين، لكنه أعمى لا يشاهد الخراب والدمار على مساحة غزة التي تختصر العالم… المقاومة ردّت على العدوان بقصف مناطق المستوطنات بصواريخ أشبه بالألعاب النارية عذرا من المقاومة لا تدمر بالمعنى الصحيح، إنما تلقي الرعب في قلوب القطعان المذعورة أصلاً، والقبة الحديدية أضحت مثقوبة ومخروقة، وعلى المواطن الأميركي دافع الضرائب أن يدفع المزيد لترقيع «القبّة»! أما الأساس فهو الصندوق البترو أعرابي ومفتاحه مع الخازن الأميركي.
حصان طرواده : ولد في حينه فكرة، تجسّد في هيكل خشبي ليوضع في خدمة طرف ضدّ طرف وحيد هو مدينة طروادة المحصنة. كان وسيلة لتحقيق غاية، وكان متناسباً في زمنه مع المكان والزمان. اليوم، في العصر الحديث، عشرات الأفكار التي تواكب الزمن والأمكنة، «القاعدة» ومشتقاتها من مسميات، أبناء الصهيو ـ ماسونية بلبوس يتفق مع الطروادات الحديثة كلّها، بغداد ودمشق والقاهرة، وطرابلس الغرب، وكلّ مدينة وبلدة عربية، وجميع الأحصنة في خدمة طرف وحيد ضد الجميع. تطوّر الزمان، فرض تطوير الأمكنة والأفكار، وبقي التعصب الديني وحده الوسيلة الأكثر نجاعة لتحريك هذه الأحصنة ونقلها حيثما تقتضي الحاجة، وما أكثر المتطوعين لقيادتها وإدخالها أيّ طروادة تقع في المرمى. عهر سياسي بلا حدود يخدمه تخلف ديني مغرق في تعصبه. ومع تبلد الضمير العالمي أصبح العهر السياسي يمارس وقاحة بلا حدود. سقط الخجل.
أقرأ في محرقة غزة وجهاً لحماس شاء لنفسه أو أُريد له أن يجسد حصان طروادة، مارست قيادته وقاحة من نوع ما خرجت على إرادة الأمة تجاوزت مفاهيم الوطنية التي تخدم القضية لتزج بالدين والمذهب في أتون الصراع، وهذا يحرف الصراع عن وجهته ليخدم العدو. صراع مع السلطة غير البريئة من الخضوع والمشاركة في اللعبة الدولية لتصفية القضية، وموقف ضدّ الدولة الوحيدة التي بقيت تعمل للقضية وتدعم المقاومة. هي القشة التي قصمت ظهر البعير، وفي عالمنا يقرّ الجميع بأن تنظيم «الإخوان المسلمين» منذ لحظة ولادته في محفل لندن وانطلاقته من القاهرة إلى مدن الأهراب كان مشبوهاً وكان لمحاربة القيادات الوطنية كأداة تحركها قوى الغرب الاستعمارية، ولا خلاف البتة على أن نشأة «القاعدة» كان لغاية محاربة «الإلحاد الشيوعي» في أفغانستان بتمويل من «الإيمان الوهابي» وهو ماسوني في واقع الأمر، وبعدما استنفد مهمته في خدمة أميركا، ربما انقلب على صاحبه أمر مشكوك فيه لكن نهجه بقي مغرقاً في تخلفه، في الأفكار التي تلقنها، وتحوّل من محاربة إلحاد مزعوم إلى تكفير شامل يطول مئات الملايين من البشر. ممارسة وتوجّه يلقيان دعم الغرب وتأييده ضمن حدود المنطقة طالما يخدم القضية الصهيونية في تصفية القضية، ويوجه الأنظار بعيداً عن ممارستها لاستكمال عمليات التهويد. وللحقيقة يمكن التأكيد على أن ليست حماس من قام بالرد الأولي على ممارسات العدوان، وليست حماس من قتل المستوطنين الثلاثة. عشرات علامات الاستفهام قائمة في هذا الشان! هل تم تصحيح مسار الحصان أم جرّه إلى مسار قسري؟
لم تدرك القيادات في أيّ طروادة حديثة أبعاد اللعبة، ولم تقرأ أغلبها على ما يبدو ما وراء اليافطات المرفوعة، لم تعالج بشكل جذري المسببات والمطالب المرفوعة، إمّا لقصور داخلي، أو بسبب العجز عن اتخاذ قرارات ذاتية والعمل بتوجيهات خارجية ملزمة لارتباطها بتلك الجهات.
المدن الطروادية المستهدفة تم تأليبها بعضها على بعضها الآخر، فساهمت من حيث لا تدري في الانهيار، بل ساهمت في إشعال الحريق في غيرها، وإذ يعلو الصراخ ويقترب الحريق منها، تستنكر ما ساهمت فيه وتقف نقيضاً لموقف تبنّته، من دون أن تستنكره. جهاد في طروادة الشام والعراق ولبنان، وإرهاب في جدة والرياض وغيرها من طروادات الخليج والمغرب. صمت الجميع عما جرى في الجزائر والخرطوم ، ولاحقاً في تونس والقاهرة، كما دعموا الحرائق في الشام ولبنان، وأمروا أزلامهم بقوة الإغراء المالي للتشهير بالمقاومة، وبالجيش السوري، والآن يهاجمون الجيش اللبناني بعد فرملة عجلة الإدارة على المستوى الرسمي اللبناني. التدخل الخارجي منع انتخاب رئيس للجمهورية وأوقف تشكيل حكومة لأشهر طويلة، وسيمنع انتخاب مجلس للنواب. الفراغ السياسي يدفع بالبلد إلى أتون الفوضى والحريق. وحده الجيش اللبناني يبقى الضامن ولذلك يستهدفونه. وتبقى الأصوات النشاز وحدها التي هاجمت موقف الجيش السوري تهاجم الجيش اللبناني، متجاوزة الإجماع الشعبي الوطني والمصير الذي تتلاعب به رياح الفتنة. وقاحة بلغت أوجها في عملية الخلط بين التعصب الديني المذهبي والعمل السياسي. سقطت المفاهيم وسقطت معها ورقة التوت. تعرى هؤلاء وتخلت عنهم الجهات كافة التي ينتمون إليها، وحسناً يفعل أي قائد سياسي أدرك واستشرف المستقبل المظلم فرفع صوته وأعلن موقفه إلى جانب الجيش الذي يدافع عن وجود الدولة بأقل الإمكانات، إنما بإرادة وتصميم وإخلاص.
ليس مهماً أن تعلن السعودية عن دعم مالي للجيش، ولا أن تتعاطف فرنسا فتعلن أنها تسرّع تزويده الأسلحة مدفوعة الثمن سعودياً وربما سلفاً، الأهم أن توضع خطة متكاملة لتعاون وتكامل عسكري بين الجيوش الثلاثة، العراقي والشامي واللبناني، وأن يقف الجيش الأردني فيغلق الحدود ويمنع التدريب، وأن يبادر العالم إلى محاصرة « الطاعون الأصفر» قبل أن ينتشر. ليست منظمة الصحة العالمية المسؤولة عن وقفه، بل الجيوش الوطنية بدعم شعبي وتضامن عالمي، وإلاّ فالعاقبة ستطول العالم الذي يفرح اليوم بالتخلص من متخلّفيه دافعاً بهم إلى المنطقة لزيادة الحريق. وحده العدو الصهيوني يرقص فرحاً، لكن على أنغام الموسيقى الجنائزية إثر محرقة غزة التي لم يسلم من عقابيلها.