ربح الحريري= الخسارة
هتاف دهام
لم تنفع صولات رئيس تيار المستقبل سعد الحريري والمهرجانات التعبوية التي أقامها في بيروت وضواحيها، وجلسات الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، يدخن النرجيلة في جولاته البيروتية، من إحداث فارق بسيط عن نسبة المشاركة في انتخابات بلدية 2010 والنداءات والمؤتمرات الصحافية.
أثبتت نسبة المشاركة 20.14 أن الزعامة الحريرية المأزومة على مستويات عدة تبحث عن متنفس تعيد من خلاله تأكيد حيويتها وحضورها وتأثيرها في الناس وتفاعلها مع المبدأ الديمقراطي، فحالة العشق بين الزعامة الحريرية وصندوقة الاقتراع مصابة بأزمة العلاقة بين الطرفين، وليس كما تدعي الحريرية السياسية وحلفاؤها من أن الهدف الدائم والأساس هو صندوق الاقتراع كفيصل وحكم.
ما قام به رئيس التيار الأزرق في انتخابات بيروت هو أنه حصل على المشاركة نفسها التي حصل عليها منذ ست سنوات، فهناك ستة أجيال جديدة من جمهوره بلغت سن الـ 21، وهؤلاء الشباب لم يأتوا لينتخبوا زعيم بيت الوسط. إن الإقبال الباهت يتعدى المقاطعة إلى عدم الاهتمام من الجمهور البيروتي بهذه الانتخابات ونتائجها، وعدم ثقة الشباب بـ «بوسطة» السلطة لتقديم نموذج أفضل من النموذج السابق الذي طاله الكثير من الفضائح من الدالية والرملة البيضاء والقاعدة البحرية الحوض الرابع في مرفأ بيروت وكاميرات المراقبة… ولائحة الفساد لا تنتهي.
لم تكن معركة بلدية بيروت عبارة عن معركة مشاركة حقيقية، بل كانت عبارة عن محدلة كبيرة حملت كل القوى السياسية المتناقضة في بيروت في 8 و14 آذار باستثناء حزب الله. لأول مرة في تاريخ الانتخابات البلدية في العقد الأخير يكون التيار الوطني الحرّ وحزب القوات مجتمعين في لائحة واحدة يقودها الحريري، رغم أنّ المشاركة المسيحية في الانتخابات لم تستطع أن تحدث البصمة المطلوبة في لائحة البيارتة. لم يؤمن «الجمهور المسيحي» الطامح لـ«فجر التغيير» بهذه اللائحة، ومتأكد من أنّ تمثيل أحزابه، المنضوي تحت لوائها، في البلدية لن يغيّر في الواقع المستقبلي، ولن يعيد أراضي المسيحيين التي صادرتها شركة سوليدير في وسط بيروت لأصحابها، بل على العكس سيعيد غصة الهيمنة من جديد، فسجلوا على هذا الواقع اعتراضهم بعد الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وهذا ما أدّى إلى تباين بين القيادة والقاعدة الشعبية سواء عند التيار الوطني الحر أو عند حزب القوات.
درس حزب الله خياراته بدقة، فهو يعلم أنّ نسبة المشاركة الحقيقية في الانتخابات هي الحكم الفعلي. لذلك قرّر أن لا يوفر قدرته على الحسم في الصندوق. فضّل أن يكون خارج لائحة يقودها الرئيس الحريري، لأنه يعلم أن هذه اللائحة تشعر أهالي بيروت بالإلغاء. لم يجد أيّ مبرّر أو حاجة ليكون طرفاً، لذلك انكفأ، فهو في طبيعته ليس عاشقاً للمعارك الخاسرة شعبياً. أما جمهوره «الشيعي» الذي يملك الوعي السياسي، فانقسم إلى قسمين: الأول التزم بقرار القيادة، وهذا ما سبّب تدني نسبة المشاركة عن النسب العادية في الصناديق الشيعية، أما الثاني فمارس حريته الانتخابية، وصوّت بأكثريته للائحة «مواطنون ومواطنات في دولة».
شكلت «نية المشاركة» المعيار الأساسي لمراقبة الانتخابات في ظلّ عدم توفر رافعة سياسية حقيقية وإمكانيات وقدرات لوجستية للائحة «بيروت مدينتي» التي مثلت ولائحة الوزير شربل نحاس نوعاً من موقف وحالة ضمير أكثر مما شكلا حالة تحدٍّ فعلي لمحدلة السلطة، رغم أنّ هناك من اعتبر أنه من الأفضل للائحتين لو توحّدتا لأنهما تحملان حالة اعتراض وجداني وشعبي على الوضع القائم.
لم يعُد الحريري زعيم السنة في لبنان. يعادل ربحه الهزيمة والخسارة بفوز لائحة البيارتة بنسبة 12.5 ، حاز تيار المستقبل منها على 9 ونسبة 3.5 للأحزاب المشاركة في اللائحة نفسها مقابل 5.4 للائحة بيروت مدينتي و 2.24 للائحة الوزير نحاس والمستقلين. تراجعت شعبيته عن عام 2010، حيث حصل يومها على 13 من أصل 18.5 من نسبة المشاركة، علماً أنّ التيار البرتقالي كان في عام 2010 ضدّ الحريري وهو اليوم معه، رغم أنّ أصحاب القمصان «الزرق» اتهموا العونيين بالتصويت للائحتي نحاس وبيروت مدينتي.
بدأت الحريرية السياسية تصفية نفسها في بيروت. وتعكس الأزمة التي يواجهها تيار المستقبل أفول نجم الحريري في الشارع السني في ظلّ سياسة التوازن السعودي الجديدة تجاه الرئيس نجيب ميقاتي والوزير عبد الرحيم مراد، وهذا سيجعل الحريري يتمسك بمنطق رفض النسبية في أيّ قانون انتخابي ينتظر أن يبصر النور.