– الانتخابات البلدية – والتوازنات المحيطة بالمقاومة
ناصر قنديل
– لا يمكن حصر القراءات المتصلة بالانتخابات البلدية التي عرفها لبنان حتى الآن بالقوى اللبنانية، فالإشارات التي حملتها الانتخابات حول الأحجام والأوزان، ووضع الأطراف اللبنانية بقياس بعضها لبعض، سواء لجهة ما تؤشر إليه بخصوص مستقبل التوازنات التي ستحكم الانتخابات النيابية المقبلة والانتخابات الرئاسية، إذا أجريت من مجلس نيابي جديد، ولكن وبصورة خاصة تتمّ قراءة النتائج بعيون تهتمّ بمدى جهوزية البيئة اللبنانية لانقسامات وفتن تحاصر المقاومة، ودرجة حيوية الشارع الذي يمكن أن يتولى هذه المهمة، ومقابلها درجة حيوية بيئة المقاومة وتفاعلها مع القيادة السياسية للمقاومة وتماسكها من حولها، ودرجة قدرة هذه القيادة على إدارة معارك انتخابية تستدعي ماكينات بالآلاف وتنظيم وإدارة وتفاهمات تستهلك قدرات قيادية وبشرية ومادية يفترض أنها كلها مستنزفة بالحرب في سورية وما هو مرصود لمواجهة الخطر «الإسرائيلي».
– «إسرائيل» ومعها السعودية ومن ورائهما أميركا على خط القراءة التفصيلية للنتائج، في ظلّ حرب مفتوحة على المقاومة في الميادين الإعلامية والمالية والأمنية كلّها وربما كما يُقال إنّ طبول الحرب «الإسرائيلية» تستعدّ لتقرع وراء الباب لتستثمر نتائج كلّ ما يجري في ساحات الحرب الأخرى، التي يفترض أن تظهر نتائجها تفكّكاً في بيئة المقاومة وانفكاكاً عن قياداتها، وارتباكاً لدى هذه القيادة، وهي الشروط التي ترهن بها «إسرائيل» الانتقال إلى جدول أعمال عسكري تقيم الحسابات كثيراً قبل التورّط فيه، ولن تتورّط ما لم تتوثق من نجاح ودقة الحسابات في تفكك وضعف بيئة المقاومة وارتباك قيادتها من جهة، وتبلور نهوض في بيئات مقابلة مستعدّة للخوض في مواجهة مباشرة مع المقاومة وامتلاكها للحيوية والحماسة اللازمتين للقيام بهذه المهمة.
– أتاحت انتخابات بيروت والبقاع التعرّف على عيّنات دالة ذات مغزى وأهمية على الضفتين المعنيتين في أيّ مواجهة داخلية تضعف المقاومة وتمهّد أو تواكب حرباً مقبلة عليها، لقياس تأثير الحرب المفتوحة خلال سنة بصورة مركزة على بيئة المقاومة واستنهاضاً للبيئات المراهن عليها لمواجهتها، فجمهور تيار المستقبل الذي تشكل العاصمة بيروت ساحته المحورية، وخط التماس الرئيسي بينه وبين جمهور المقاومة وجسمها، والذي تتجه نحوه العيون المراهنة على تفجير فتنة أهلية بوجه المقاومة، كان على موعد مع اختبار تاريخي نادر أظهر عجزه وترهّله، وصولاً إلى هامشية يمكن أن تقولها النتائج عن تيار لا يصل تمثيله إلى 9 من هذه البيئة البيروتية، بفقدان نصف وزنه وأغلب حيويته، بينما سجلت انتخابات البقاع، حيث عمق المقاومة الشعبي قدرة تجييش تراوحت بين 50 و60 معبّرة عن تماسك حاسم مع قيادة المقاومة في ثمانين بلدية من مئة وثلاث وأربعين، وبمقدار ما ظهرت قيادة تيار المستقبل مربكة بإدارة معركتها وتحالفاتها، وخائفة من المنافسات، ظهرت قيادة المقاومة المنخرطة في معارك كثيرة قدرتها على توفير مقدرات قيادية للانتخابات وحشد جيش من الكوادر والشباب لإدارة ماكينتها والفوز بها.
– التفاوت والتعاكس في حالة البيئة الحاضنة للمقاومة ومقابلها البيئة التي يقودها الرئيس سعد الحريري، والتي يمكن أن يراهن عليها لمواجهة تتحوّل فتنة مع المقاومة، تقول إن لا أرضية يمكن التأسيس عليها في البيئة المحيطة بتيار المستقبل لمواجهة مع المقاومة وبيئتها، فدرجة العزوف الشعبي عن تيار المستقبل ورئيسه هي «لا» كبيرة لأيّ خطة مواجهة يمكن أن تدور في رأسه أو في رأس من يراهنون على تورّطه فيها. في المقابل بيئة حاضنة للمقاومة تزداد نهوضاً وتماسكاً وتمسكاً بقيادتها وموقعها، وثقة بخياراتها وتمنحها حضوراً لافتاً.
– إذا كانت الحملة التي بدأت من واشنطن وامتدّت إلى الخليج وعلى رأسه السعودية لشيطنة المقاومة وقياداتها وتنشيط القوى المناوئة لها، واستنهاضها تمهيداً لمواجهة يراهن عليها هؤلاء بانتظار قطاف حربي «إسرائيلي» يتوّج هذه الحملات، تحتاج إلى قياس نتائجها، فإنّ الانتخابات البلدية كآلة لقياس النتائج قدّمت حصيلة مخيّبة، تقول إنّ هذا الرهان لا أفق له، وإن لا جمهور لبناني مستنهَض على قاعدة العداء للمقاومة، وإن جمهور المقاومة لم يصبه الإعياء والتعب ولا دبّ به اليأس وكلّ حديث عن تفكك وانفكاك في قواعد هذا الجمهور أضغاث أحلام، وبالتالي أحلام الحرب «الإسرائيلية» ستبقى مؤجلة طويلاً، ورهانات الإنهاك والاستنزاف والحصار في غير محلها.