كردستان مهددة بالتقلص إلى حدود 1991
في التاسع من حزيران الماضي توسع حدود «إقليم كردستان بنسبة 40 في المئة خلال ساعات قليلة إثر انهيار الجيش العراقي في الشمال أمام تنظيم «الدولة الإسلامية داعش». وكان ذلك أول تعديل جغرافي لحدود الإقليم منذ عام 2003 عقب سقوط النظام السابق. حينها سيطر البيشمركة على مناطق خارج الحدود الرسمية للإقليم المرسومة منذ عام 1991 وفق اتفاق مع النظام العراقي في سبعينات القرن الماضي.
بعد التمدد في مناطق كردية خارج حدود الإقليم في 2003 ظهرت قضية «المناطق المتنازع عليها»، لكن هذه المناطق كانت تخضع لتقاسم غير رسمي أيضاً، حيث كانت توجد البيشمركة في القسم الشمالي من هذه المناطق الممتدة من محافظة ديالى وحتى الموصل، فيما القسم الجنوبي كانت في أيدي القوات العراقية، ولإيجاد مخرج قانوني تم استحداث ما يسمى «القوات المشتركة» بهدف التنسيق في إدارة هذه المناطق. لذا، عندما انهار الجيش العراقي أمام «داعش» فإن القوات الكردية استولت على الأراضي الخاضعة لهذه القوة المشتركة، وباتت المناطق المتنازع عليها تحت سيطرة قوة واحدة هي البيشمركة.
إلا أن هذا التوسع كان منذ البداية محفوفاً بالمخاطر، ليس من الناحية الأمنية فقط، بل الاقتصادية أيضاً، فبين ليلة وضحاها زاد عدد سكان الإقليم من خمسة ملايين إلى ما يقارب عشرة ملايين، أضيف نحو أربعة ملايين، هم سكان كركوك وسنجار وسهل نينوى، يضاف إليهم أكثر من نصف مليون نازح من مدينة الموصل وضواحيها إلى مدن الإقليم، وفي الأساس هناك ما يقارب ربع مليون سوري غالبيتهم من الأكراد السوريين يقيمون في الإقليم كلاجئين. كان على الإقليم تلبية حاجة هذه المناطق الجديدة بالوقود والكهرباء وتوفير الأمن، ويبدو أنها لم تكن مستعدة لمثل هذا العبء الكبير على خلاف الصورة المتخيلة.
مع مطلع آب الحالي شنّت الدولة الإسلامية هجوماً ما زال قائماً، نتج عنه حتى يوم أمس فقدان «إقليم كردستان» لمعظم أراضي القسم الغربي الشمالي، والتي سيطرت عليها بعد عام 2003 وليس فقط تلك التي ضمّتها في التاسع من حزيران الماضي. ويعني ذلك أن «إقليم كردستان» عاد إلى الحدود التي فرضتها الحكومة العراقية بعد اتفاقية الجزائر عام 1975 بعد التنصل من بنود اتفاقية 11 آذار عام 1970 والتي كانت تضم في حدودها مدينة كركوك.
لا يبدو أن كردستان يتقلص جغرافياً فقط إلى حدودها الصغرى، بل إن المكاسب التي حققتها وروجت لها على نطاق واسع معرضة للتبخر، فشركات نفطية علاقة مثل «شيفرون» و«إكسون موبيل» بدأت بإجلاء موظفيها من مدن الإقليم، ما يعني هروباً جماعياً للاستثمارات، وسيحتاج عودتها في حال صمود الإقليم إلى سنوات من العمل لتعود إلى الوضع الذي كانت عليه قبل التاسع من حزيران الماضي.