خلفيّات قضيّة عرسال و«الهيئة»… و«الهبة» السعودية
نور الدين الجمال
لم يعد خافياً على أحد أنّ ما يسمى بـ«تنظيم داعش» هو صناعة أميركية بامتياز، باعتراف أكثر من جهة أميركية، إذ اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون بأن الولايات المتحدة هي التي أنشأت حركة «طالبان» الأفغانية وأوجدتها، والأمر نفسه ينسحب على تنظيم «داعش». كما أن الاستخبارات الأميركية أعلنت في وقت سابق أنها درّبت ألوف عناصر «داعش» في الأردن تمهيداً لإرسالهم إلى سورية، وآخر ما يتعلق بهذه الاعترافات والحقائق ما أكده السيد سنودن عندما قال إن هدف الولايات المتحدة الأميركية الأساسي عندما أنشأت «داعش» هو حماية أمن «إسرائيل».
تقول مصادر سياسية لبنانية إن ما يحصل في بلدة عرسال راهناً من خلال العصابات الإرهابية التكفيرية المتمثلة بـ«داعش» و«النصرة» ليس سوى حلقة متصلة بما يحصل على الأرض السورية، وما شهدته الساحة العراقية من سيطرة «داعش» على بعض المناطق في العراق، تحديداً في الأنبار والموصل، والموبقات التي ترتكبها يومياً في حق الشعب العراقي، خاصة المسيحي منه.
لكن في مقابل هذا الاعتداء السافر على الجيش الوطني اللبناني وعلى أهالي بلدة عرسال من قبل الجماعات الإرهابية، لم يقف الجيش اللبناني مكتوف الأيدي، علماً أن المجموعات سيطرت في مرحلة هجومها المفاجئ على بعض مراكز الجيش في محيط بلدة عرسال، إلا أن الشجاعة والبسالة اللتين أظهرهما الجيش اللبناني كانتا كفيلتين باستعادة زمام المبادرة وإعادة الأوضاع إلى نصابها، وإن يكن ملف المخطوفين من العسكريين لم يحسم بعد بالطريقة التي تحافظ على هيبة الجيش اللبناني وكرامته، فـ«هيئة علماء المسلمين» التي تولّت القيام بوساطة لحل سلميّ لما حصل في عرسال لم تتوصل إلى النتائج المرجوة، بغض النظر عن الجهة التي كلفت هذه الهيئة بتلك الوساطة والتي تعتبر المصادر السياسية أنّها جاءت لتشكل غطاء للمجموعات الإرهابية التكفيرية، فبمجرد حصول أي لقاء بين تلك المجموعات وأي جهة، أيّاً تكن هويتها السياسية أو الروحية، يطرح علامة استفهام كبيرة حول دور «هيئة علماء المسلمين» في عملية الهجوم الإرهابي على عرسال.
ترى المصادر السياسية أن وساطة «هيئة العلماء المسلمين» لم تطرح على مجلس الوزراء لمناقشتها واتخاذ قرارها السياسي من أعلى سلطة في البلاد، في هذه المرحلة من شغور موقع الرئاسة الأولى، ولا يحق لرئيس الحكومة تمام سلام التحاور مع هذه «الهيئة»، خاصة أن بعض المعلومات يشير إلى أن رئيس الحكومة هو الذي كلّفها بهذه المهمة. وإذا صحت المعلومات فهذا الأمر خطير ويشكّل سابقة خطيرة في تخلّي الحكومة عن مسؤولياتها ودورها في رفضها الحوار مع الإرهابيين، على ما أعلن الرئيس سلام في بيان الحكومة المشهور في الجلسة ما قبل الأخيرة، والذي لم يجرؤ فيه على لفظ عبارة الإرهابيين والتكفيريين، بل استعمل عبارة «المسلحين»، علماً أن من هاجم وارتكب المجازر في حق أهالي عرسال وعناصر الجيش اللبناني وضبّاطه هو تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، وهما مدرجتان على لوائح الإرهاب العالمية والعربية.
تشير المصادر السياسية إلى ملف تسليح الجيش اللبناني من فرنسا عبر «الهبة» التي قدمتها المملكة العربية السعودية والبالغة ثلاثة مليارات من الدولارات منذ نحو ثمانية أشهر، علماً أن الجيش اللبناني قدم لائحة أولية بما يحتاج إليه من أسلحة. لكن بحسب المعلومات المؤكدة فإنّ الهبة وطالما هي باسم السعودية فإنها تحتاج إلى موافقتها، وهي نفسها ستوقع العقود مع الشركات الفرنسية التي ستنال 5 في المئة من إجمالي الصفقة، والسعودية لم تعط موافقتها حتى الآن، وفي حال حصول ذلك وتم توقيع عقد بيع الأسلحة فإنها ستسلم إلى السعودية ومن ثم تسلّمها السعودية إلى لبنان. والسؤال البديهي: كيف يمكن أن تصل الأسلحة إلى الجيش اللبناني في حين أنّ السعودية لم توقع على عقد الصفقة؟ هذا دليل واضح على أنه حين أعلن عن هبة ثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني لشراء السلاح كان الهدف سياسياً وإعلامياً فحسب في تلك المرحلة، وهو دليل آخر على أن من يدعي حرصه على تقوية الجيش اللبناني، إن في الداخل أو في الخارج، وتزويده السلاح النوعي الدفاعي في مواجهة الإرهاب، لا يترجم مواقفه عملياً، فالترجمة تتمّ بالمزايدة فحسب، وهذا ما نلمسه ونشاهده بأم العين وعلى أرض الواقع.