نذير العظمة: تنبثق الحداثة من رحم الأصالة وتعبّر كتاباتي عن الإنسان المعاصر في سياق النهضة
دمشق ـ كوثر دحدل
قامة من قامات سورية الشامخة. الدكتور نذير العظمة، الناقد والباحث والأديب وأحد شعراء الحداثة من جيل الرواد، تمحور شعره حول الذات والوطن والمرأة، وعبّر من خلال أعماله عن معاناة الذات والتجربة الإنسانية، وأفاد من التراث والثقافة العربية فزاوج بين الحداثة والأصالة مستعيناً بالفولكلور والأسطورة والتجربة الصوفية.
يقول الدكتور العظمة: «إن الحداثة تنبثق من رحم الأصالة وتعبر عن تجربة إنسانية ميدانية، والميدان ثقافة وليس ترفاً. والثقافة تعبير عن مسؤولية حضارية ووجهة نظر تنبثق أيضاً من تجربة فعلية. أعمالي الإبداعية متأثرة بالزمن الذي عشت فيه، زمن الأحزاب العقائدية والحركات الشعبية، فكتاباتي الشعرية والمسرحية والنقدية لم تكن محايدة بل سعيت دوماً من خلالها إلى التعبير عن الإنسان المعاصر في سياق تجربة النهضة ومواكبة الموكب الحضاري الإنساني في الأوطان والثقافات الأخرى».
يضيف الدكتور العظمة أن لسورية مساهمات كبيرة جداً بالنسبة إلى الأمم الأخرى، فهي موطن أوغاريت الأبجدية والأرقام، وهي التي أعطت الشراع والمحراث، وفي الفترة الإسلامية نقلنا العلوم والفلسفة الإغريقية .. وأضاء السوريون العلم للآخرين، لا سيما النهضة الأوروبية التي لم تكن لولا النهضة العربية وحضارتها، خاصة بين القرنين التاسع والثاني عشر من الميلاد.
إن حضارتنا العربية وثقافتنا مستمرة منذ الجذور، من سومر إلى أوغاريت إلى ميسلون. أنا ابن هذه الثقافة، مناضل علماني واع للجذور الثقافية العربية والأصول، والنهضة هي في رأيي تواصل كوني تحت سقف الثوابت الحضارية، كما أني مؤمن بما قال به أنطون سعاده من أن العقل هو الشرع الأعلى للإنسان. تغذيت بالثقافة الصوفية من والدتي ومن جدي والد أمي الذي كان يعزف القانون في بيتنا العربي في الصالحية وتعبّر قصتي «المعراج والرمز الصوفي» المترجمة إلى الإنكليزية عن هذه التجربة الصوفية وتأثير المعراج في العالم والأدبين التركي والفارسي».
يشير الدكتور عظمة إلى أنه درس الفكر الصوفي والفكر السياسي والتمدن الإسلامي من خلال الإبداع الأدبي في جامعة بورتلاند الأميركية الرسمية التي عمل فيها عشرين عاماً، مضيفاً قوله: «تعلمت الآرامية في الجامعة الأميركية في بيروت مع أنيس فريحة وقرات كتباً مترجمة من تاريخنا بالآرامية كما تعلمت الفارسية كونهما لغتين شرقيتين، وتعلمت الإنكليزية والفرنسية خلال سنوات دراستي في دمشق، وساعدني ذلك في مجال عملي في الأدب المقارن المنطلق من الثقافة الإسلامية. كان هاجسي أن أوفق بين الحداثة والمعاصرة، فكانت أعمالي محاولة للتوفيق وهي تجربة وطنية تعبر عن تجربة جيل كامل. أحببت اللغة الفرنسية وخاصة الشعر الفرنسي الذي كان خلال المرحلة الثانوية حافزي لي لكتابة الشعر، ثم كان تكويني الثقافي والعلمي من خلال تجربتي السياسية والثقافية واعتمادي على نفسي إذ عملت لفترة كي أتمكن من مواصلة دراستي الجامعية في الأدب العربي على يد أساتذة بينهم قسطنطين زريق وشاكر مصطفى وشكري فيصل وشفيق جبري وأمجد طرابلسي، وجميعهم مرتبطون بالحداثة والمعاصرة، وهذا أثر فيّ بالطبع، إضافة إلى التحديات التي واجهتها في بداية حياتي، خاصة أني حكمت مرتين بالإعدام بسبب مواقفي السياسية في تلك المرحلة. وبعد سجني مراراً انتقلت أواخر الخمسينات إلى لبنان بمساعدة بعض الأشخاص، وهناك حزت منحة دراسية في الجامعة الأميركية في بيروت، ومنها كانت الانطلاقة إلى الجامعات الأميركية في الولايات المتحدة حتى أكملت الدكتوراه في فلسفة الأدب، ثم حصلت على ماجستير في الأدب الانكليزي وعملت رئيسا لدائرة قسم الشرق الأوسط في جامعة بورتلاند الأميركية».
يعتبر الدكتور العظمة أن الإبداع وظيفة حضارية، لافتاً إلى أن شعره يحمل هذه النكهة المعاصرة، مردفاً: «مطلع الثمانينات من القرن الفائت، عدت من أميركا إلى لبنان وعملت في ثقافة المقاومة ووقفت ضد احتلال «إسرائيل» للبنان، وخرجت من بيروت بعد الحصار مع الجنود في السفن، وعلى أثر ذلك أُلغيت الدائرة التي عملت فيها في جامعة بورتلاند الأميركية، وبذلك انتهى عملي هناك فدرّست في جامعات عربية».
خلال عمله في المغرب إبان الاحتفال بالذكرى الألفية لابن زيدون، وبرعاية وزارة الثقافة هناك، أرسل الدكتور العظمة إلى إسبانيا وأقام في المدن التي عاش فيها الشاعر الكبير المحتفى به عامذاكـ، وكتب مسرحية «سيزيف الأندلسي» التي عرضت في الرباط في ذكرى الألفية وتضمنت ربطاً للتاريخ بالأسطورة وبحياة ابن زيدون وحبه لولاّدة، فضلاً عن حياته المرتبطة بعصر المقاومة إذ وجد فيه العظمة تجربة مشابهة لما عاشه في الحب والدفاع عن الوطن، فاتخذ من ابن زيدون رمزاً للتعبير عن تجربتهما المشتركة.
يمضي العظمة قائلاً: «عام 1974 أصدرت رواية «الشيخ ومغارة الدم» التي تعبر عن أساطير جبل قاسيون في دمشق، خاصة قابيل وهابيل وأهل الكهف، وهي نضال لأجل الحداثة بين الفكر التقليدي والحديث وأعدّ أجزاء منها لتقدم في إذاعة دمشق. كما أنها ترجمت إلى الإنكليزية. إن الشعر والمسرح مرتبطان ارتباطاً تاماً بالحاضر الذي ينشأان فيه سعياً إلى الانطلاق إلى المستقبل وهذا شبيه بتجربتنا اليوم».
تربو مؤلفات العظمة على 55 كتاباً منشوراً، بينها 15 مجموعة شعرية و20 كتاباً نقدياً بحثياً و10 ترجمات و10 مسرحيات وروايتان، بينها «سيزيف الأندلسي» التي عرضت لفترة على مسرح الحمراء، ومن المسرحيات الشعرية التي أخرجت في الإذاعة السورية «ابن الأرض» و«جراح من فلسطين». كما عمل العظمة كمستشار لوزارة الثقافة في مهرجان أبو العلاء المعري لمدة خمس سنوات، وكان مشاركاً في الإعداد لتكريم بدوي الجبل وعمر أبو ريشة ونزار قباني وشفيق جبري ومحمد الماغوط. وأصدر له اتحاد الكتاب العرب حديثاً «طائر الرعد»، فضلاً عن كتاب نقدي بحثي عنوانه «عودة عشتار من العالم الأسفل» دار علاء الدين وحول ذلك يقول: «عشتار مستمرة لديّ ومتطورة عبر الزمن. ترجم هذا الكتاب إلى الانكليزية». كما صدر له لدى دار علاء الدين كتاب بحثي عن المقاومة والشهداء عنوانه «أدب المقاومة بين الأسطورة والتاريخ» الذي يوقّعه قريباً.
حول الفوز بالجائزة التقديرية لوزارة الثقافة التي حصل عليها حديثاً يقول العظمة: «إنها ذات قيمة معنوية كبيرة تفوق قيمتها المادية، لأنها تقدير لعملي في الشأن الثقافي طوال عقود وتقدير يدفعني إلى المزيد من التفاعل مع مختلف القضايا الفكرية»، معرباً عن امتنانه لاهتمام وزارة الثقافة بإنتاجه الأدبي والإبداعي.
نذير العظمة من مواليد دمشق عام 1930، من المؤسسيين لمجلات عديدة بينها مجلة «شعر» و«الأدب الحديث» بالإنكليزية لاتحاد الكتاب العرب. كان رئيساً لتحرير جريدة «البناء» كما نشر في الدوريات والصحف العربية وشارك في مهرجانات أدبية عديدة في العالم، منها في إيران وتركيا والهند والاتحاد السوفياتي سابقاً، وألقى من خلال مشاركته محاضرات متعددة حول البعد الحضاري والثقافي لسورية المعاصرة والقديمة.
يعتبر العظمة من أوائل الشعراء الذين كان لهم دور في تطوير القصيدة العربية الحديثة وابتكر القصيدة المدورة الموزونة المنطلقة بلا قافية، وكان أستاذاً في عدد من الجامعات السورية والعربية والأمريكية. من أبرز مؤلفاته رواية «الشيخ ومغارة الدم» و«المعراج والرمز الصوفي» وديوان «جرحوا حتى القمر».
نال الدكتوراه في فلسفة الأدب من الولايات المتحدة عام 1969، وماجستير في الأدب الإنكليزي من جامعة بورتلاند عام 1965. مجاز باللغة والأدب من الجامعة السورية عام 1950 وأمضى أربعين عاماً في التدريس والتعليم الجامعي في أميركا والمغرب والسعودية. عضو مجلس كلية الآداب وأستاذ زائر لجامعة هارفارد وجورج تاون ورئيس لجنة الملاك والترقية في جامعة بورتلاند الرسمية في أميركا، وسكرتير خازن لجمعية الاستشراق الأميركية من غرب أميركا وكندا ومدير لقسم المعلومات في مؤسسة أبي ذر الغفاري في لبنان. عضو في جمعية الاستشراق الأميركية و من مؤسسي اتحاد الكتاب العرب في سورية.