أسلوب «مبتكر» للهرب من قانون انتخابات مقلق

روزانا رمّال

يُلفت في الانتخابات البلدية الكثير من البرود الممزوج بحماسة غير مسبوقة لما هو مفترض أن يشكل بعضها هاجساً في لحظة الحسم عند الأفرقاء، واطمئناناً في لحظة القلق، مما يجعل الاقتناع بتقديم نفَس تغييري جديد ومطمئن أبعد من أن يكون تمثيلاً فرضته الظروف وبعض المتغيرات التي عصفت بالشارع اللبناني الذي قرّر الاستيقاظ مرتين من سباته. الأولى لحظة النزول إلى الشارع، والثانية لحظة قرار لوائح من المجتمع المدني بين مثقفين وفنانين وغيرها خوض المعركة الانتخابية.

الانتخابات البلدية مؤشر إيجابي للاستقرار يتوق إليه اللبنانيون للتعبير عن آرائهم التي لا بد من أن تُستكمل بانتخابات نيابية وهي التي تمثل بيت القصيد في مختبر التجارب التي تعيشها أروقة المجالس واللجان المختصة بصوغ قانون انتخابي عصري يلغي مرحلة من الاصطفاف التي أنتجت فساداً لسنين طويلة. كلّ هذا تماشياً مع ما يسمّى التغيير الذي يعيشه العالم العربي الذي بدأ في لبنان عشية اغتيال رئيس وزرائه الأسبق رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري منه، وبالتالي نضوج الرغبة بالتخلص من القانون الذي يؤشر لتلك المرحلة، لكن هذا لا يبدو فعلاً ما تصبو إليه القوى التي قدمت نفسها للبنانيين معادية للنظام السوري ورافضة لأي إرث مما تسميه بقايا الحكم السابق. والانتخابات البلدية في بيروت تضع علامات استفهام كبيرة جداً عن رغبة الأفرقاء الحقيقية من التخلص من قانون ساهم بتكريس زعامات وترأس كتلاً تحوي عدداً كبيراً من النواب بطريقة عززت حضور الكتل في المجلس النيابي عدداً ونفوذاً ما يعني أن اللجوء إلى قانون يقلص من هذا الحضور بسهولة غير وارد وأنّ الحديث المجمّل أو المنمّق حول ضرورة التوصل لقانون انتخاب عادل لا تعني أن الأفرقاء مستعدون للتوجه إليه بسلاسة مطلقة، بمجرد أنه يدخل البلاد بمرحلة جديدة ويخلصها من نظام أجمع الكل على وجوب التخلص منه، وهو قانون الستين الشهير. فكيف اذا كان هذا القانون «القانون النسبي» الذي يدق ناقوس الخطر يضع النقاط على الحروف لجهة الاستفراد بزعامات وهمية وإلغاء زمن الكتل الكبرى؟

فجأة يظهر في انتخابات بيروت البلدية لوائح من شخصيات اجتماعية ومدنية أبرزها لائحة «بيروت مدينتي» التي شكلت بالاهتمام الذي حصدته من وسائل الإعلام محطّ أنظار الشباب المتطلع للتغيير لأسباب وخصائص عدة يتمتع بها المرشحون الذين يجسّدون حالة محبّبة على قلوب الشباب الطامح إلى التغيير بأيادٍ غير ملطخة بموروثات السياسة.

لم تقابل هذه اللائحة التي من المفترض أن تمثل خطراً على التمثيل في بيروت، وبالأخص على اللائحة المدعومة من تيار المستقبل الذي لم يبد قلقاً، رغم ما برز من اعتراض من هنا أو هناك أو محاولات تضييق، إلا أنّ هذا لم يستدعِ أن يتوجّه الحريري نحو الاستنفار أو الحشد الذي من شأنه أن يحمي فيه سطوته على بلدية مدينة بيروت.

لم تكن المشاركة بالانتخابات البلدية في العاصمة كبيرة. وهذا يعود إلى سبب رئيسي وهو غياب المنافسة التي كان ممكناً أن يشكلها طرح أي مرشح لحزب الله قادر على جعل الحريري يحشد ويستنجد بالعصبيات الكفيلة بأن ترفع نسبة المشاركة إلى ضعفها، إذاً الحشد الطائفي غاب عن الاستحقاق. السؤال هنا حول ما إذا كان الحريري قلقاً من لائحة «بيروت مدينتي» أم لا يوضع في إطار يجعل اللائحة قدمت خدمة غير مباشرة للأحزاب للعودة إلى قوانين انتخاب تحميهم من فزاعة القوى الشبابية المدنية وبيروت مدينة واحدة من الإثباتات على إمكانية تقدم التغيير بوجه السلطة بالسنوات المقبلة أو ربما بالانتخابات النيابية إذا تمّ اعتماد قانون عادل للتمثيل يعطي المستقلين فرصة أكبر.

كلّ هذا يأخذ إلى الحذر من أن تكون القوى السياسية تتقدم نحو الانتخابات النيابية بهذا المفهوم لتعود وتتوافق على قانون انتخاب يشبه إلى حدّ كبير القانون الحالي لا بل تعيد الكرة وتقوم باتفاقات انتخابية على غرار التحالف الرباعي الشهير الذي لا يزال حتى الساعة يعتبر أحد الأخطاء في رصيد الثامن من آذار، بعد أن تبيّن أنه قدّم للخصوم الأكثرية النيابية على طبق من فضة.

مجموعة أسئلة من دون تحليلات تطرح اليوم لتجيب عن أسئلة تتعلق بقانون الانتخاب الذي يبدو أكثر استعصاء من البت بملف الرئاسة العالق مثل أن يكون الحريري المطمئن للائحة «بيروت مدينتي»، والذي كشف عن هذا بعدم إجرائه أيّ استنفار عالي المستوى بوجه اللائحة مرتاحاً لميول بعض مرشحيها المسبق لفريق الرابع عشر من آذار ما يعني على الطريقة اللبنانية أن اللائحة أكثر قرباً من 14 آذار منها إلى 8 آذار التي تبعد أشواطاً. ويؤكد هذا تصريح احد مرشحيها بانتمائه للرابع عشر من آذار «التي تخلوا عنها» أيّ الحريري، تلك الحركة التي تطالب بخروج السوريين وسحب سلاح حزب الله وترفض أن يكون الرئيس سوري الهوى عكس الحريري الذي رشح سليمان فرنجية المعروف الهوى هو الآخر.

هل يستخدم الحريري وحلفاؤه «بذكاء» فزاعة ظهور الحركات الشبابية التي تهدّد بإلغاء مفهوم النظام ككلّ للاتفاق على قانون انتخابي يعيد المجلس السابق بنسخة منقحة قليلاً إلى السلطة؟ هل الانتخابات البلدية التي جرت في بيروت بلوائح لم ترد مد اليد للوائح علمانية أخرى خشية إزعاج الحريري لتبقيه خارج الاستنفار وتحصر المحاولة بعفويتها وتقدمها للناس ولو خدمت مباشرة وغير مباشرة مساعي الحريري فتعود صيغة جديدة للتحالف الرباعي بذريعة أخطر؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى