الحرب الكونية على اليمن… الأسباب والتداعيات
علي القحوم
في البداية لا بدّ لنا أن نتدرّج عن بدايات المؤامرة وكيف وصل الحال في اليمن إلى ما هو عليه اليوم، ولذلك علينا العودة إلى مفترق الطرق لنسرد الوقائع والمعطيات التي أدّت إلى جعل اليمن ساحة للصراعات والتجاذبات الإقليمية والدولية… وجعل الشعب اليمني يدفع فاتورة باهظة جراء هذه المؤامرات التي نسجت في أروقة الفنادق والتجمعات الدولية… لا سيما أنّ هناك لاعبين أساسيين في هذه المؤامرة لا بدّ من ذكرهم بشكل متسلسل مع تسلسل الأحداث والمراحل من اجل أن نصل إلى نتيجة يغفلها الكثير من المتابعين للشأن اليمني، حيث يقتصر البعض منهم على ذكر الشيء البسيط ليبني في تحليله عن مجريات الأحداث في اليمن… لتشخيص المؤامرة التي أدّت إلى تكالب وتحالف دولي منقطع النظير ضدّ الشعب اليمني، وشنّ حرب ظالمة وغاشمة وغير مبرّرة على اليمن، أكلت الأخضر واليابس، ودمّرت كلّ شيء…
هناك مرحلة سابقة مرّ بها اليمن، وهي أساسية وكان من نتائجها هذا العدوان، تلك المرحلة هي مرجلة صعود «الإخوان المسلمين» إلى سدة الحكم في اليمن واستغلالهم للثورة الشعبية التي انطلقت شراراتها في 2011، لا سيما بعد صعود «الإخوان» إلى الحكم في مصر… وكان التنسيق بينهم كبيراً في زيارات متبادلة واتفاقات سرية وعمل حثيث لتحقيق مشروع «الإخوان» في اليمن ومصر..
وكانت تركيا وقطر تتبنيان هذا المشروع، فيما تعمل السعودية والإمارات عكس التيار، وكانت المخاوف من «الإخوان» واضحة… ولهذا عملوا على أن يكون هناك دور خليجي في اليمن عبر المبادرة الخليجية من أجل إبقاء اليمن كما كان، الحديقة الخلفية للمملكة التي تسيطر على قراره السياسي…
وفي ظل هذا كله عمل «إخوان» اليمن على السيطرة على السلطة والتحرك إلى «أخونة» الدولة، فتمّ إقصاء الجميع، وهذا كان بشكل تدريجي، وتحرّكوا أيضاً في مشاريع ترتبط بالإقليم في التآمر على سورية… فكان التنسيق بين تركيا وقطر وإخوان اليمن للعمل على فتح معسكرات الدولة واستيعاب المقاتلين وتجنيدهم، ومن ثم إرسالهم إلى تركيا وبعدها يتمّ تسهيل دخولهم إلى سورية عبر الحدود التركية…
كما انه في الشق الآخر، ومن أجل أن لا تثار المملكة السعودية، عمل «إخوان اليمن» وجناحهم العسكري على اتجاهين… الأول: التظليل على المملكة وابتزازها وتخويفها عبر تقارير كاذبة من «أنصار الله» لضمان كسب الرضا السعودي وجني الأموال… وكانوا يوهمونهم بأنهم السدّ المنيع ضدّ ما كان يطلقون عليه «الحرب ضدّ الروافض» و«المدّ الإيراني»، وكانوا يتقاضون من المملكة ملايين الريالات، وأشعلوا حرب دماج وكتاف وحوث وعمران وإب وغيرها…
أما الاتجاه الآخر فكان هناك تحركات سرية من قبل الإخوان لإعداد أعمال عدائية ضدّ المملكة يديرها علي محسن الأحمر والشيخ حميد الأحمر، وكانت له تصريحات نارية ضدّ المملكة آنذاك في الوقت الذي كان هناك توجه سعودي إماراتي لضرب مشروع «الإخوان» في مصر بعد التماس الخطر منهم، وتحرك خطير في الإمارات والسعودية… ولو صمد «الإخوان» في مصر لفترة أطول لشهدنا تلك الأعمال العدائية من «إخوان اليمن» ضدّ السعودية والإمارات…
أيضا سبب آخر لعدم ظهور هذه الأعمال على الأرض فشلهم في إدارة الحروب والمشاكل في الداخل، وفشلهم في إدارة الدولة حيث أوصلوها إلى الإفلاس بسبب نفقاتهم الكبيرة من خزينة الدولة على حروبهم العبثية لضرب الخصوم في الساحة اليمنية… في الوقت نفسه الإخوان اتفقوا مع هادي على إبقائه رئيساً مقابل انخراطه معهم في هذه المؤامرة… وكان يصدر قرارات لمصلحتهم مثل تعيينات في المؤسسة العسكرية والمدنية ومحافظين وتجنيد الآلاف، والصمت على ما يعملوه وتضليل المجتمع الدولي والمملكة في تطمينهم وإشعارهم بأنّ الأمور تسير على ما يرام… وعندما التمس هادي سقوط «الإخوان» وضعفهم تركهم وأغلق الباب عليهم…
هنا الشعب اليمني لم يقف متفرّجاً على ما يحصل، حيث تحرك في ثورة التصحيح الشعبية في 2014 ضدّ الفساد والمفسدين وأسقطهم وأسقط معهم كلّ تلك المشاريع والمؤامرات… فالثورة الشعبية في اليمن ليست امتداداً لأحد، بل هي ثورة شعبية مطالبها محقة وعادلة وأراد الشعب اليمني من خلالها رسم مستقبل يمن جديد حرّ ومستقلّ وذي سيادة ورفض الوصاية والهيمنة الخارجية…
وهنا وبعد التخبّط الكبير لإخوان اليمن تحركوا صوب إيران وأرسلوا حسين الأحمر في زيارة سرية إلى إيران وكان رسولا رسميا للإخوان واستلم مبالغ مالية واتفق معهم على برامج عمل في اليمن بعد أن قطعت المملكة تلك المخصصات بعد إسقاطها نظام الإخوان في مصر.. في تلك المرحلة إيران كانت تعمل وبشكل كبير من اجل أن توحي للأميركان والسعوديين أنها موجودة في اليمن.. وأموالها لم تتدفق على طرف لوحده بل لعدة أطراف في اليمن وكان الكثير يعقد صفقات معها ويستلم أموال منهم : علي سالم البيض وعلي محسن الأحمر وهادي وقيادات أحزاب جنوبية وشمالية ولا يستطيع احد نكران ذلك.. كما أن هادي عقد مع الإيرانيين صفقة أدارها رئيس جهاز الأمن القومي الأحمدي في الإفراج عن معتقلين.. وأيضا كان يطلب من الإيرانيين بان يكون لهم دور في اليمن وهو من جعل الوفد الحكومي أن يذهب إلى إيران يطلب بترول وغيره.. فيما كان يقدم تقارير للسفير الأميركي والسعودي بان عليه ضغوط من قوى الثورة للاتجاه صوب إيران.. فهادي كان يلعب لعبة قذرة وعندما كشفت هذه اللعبة وحصلت قيادة الثورة على وثائق تثبت هذه الحقائق دعت الشعب اليمني للخروج في الساحات لرفض مشاريع التقسيم والتجزئة والبيع والشراء لليمن والتآمر على الثورة الشعبية.. حينها قدم هادي استقالته وتبعته الحكومة وتركوا فراغا في السلطة وكانت الأمم المتحدة في الإخراج الأخير للتوافق السياسي اليمني لسد الفراغ السياسي.. في الضفة الأخرى كان هناك تحركات للقاعدة وداعش لاستهداف أبناء الشعب اليمني في المساجد بالتفجيرات والمفخخات.. وكان الوضع يتعقد أكثر فأكثر وخرج من صنعاء سفارات أجنبية وخليجية وهادي هرب إلى عدن وبدأت المؤامرة تحاك ضد اليمن وأعلن هادي في خطابة من عدن بأنه سيرفع العلم في مران وهذا كان بمثابة إعلان الحرب.. حينها تحرك الجيش واللجان الشعبية ضد القاعدة وداعش في البيضاء ومأرب وعدن ولحج وشبوة وأبين وحقق انتصارات كبيرة واستطاع أن يطهر تلك المناطق من رجسهم بعد أن عملوا وبشكل علني في تلك المناطق من رفع أعلامهم السوداء وذبح من ذبحوا من الجنود اليمنيين والمواطنين.. وأُريد للجنوب أن يكون ساحة ومنطلقا وبيئة خصبة للمشروع القاعدي الداعشي.. لكن بفضل الله وفضل تكاتف أبناء الشعب اليمني تم طرد تلك العناصر الإجرامية من تلك المناطق وباتت أمنه.. حينها هرب هادي إلى الرياض وأعلنت الحرب من واشنطن وقصفت صنعاء وباقي المحافظات اليمنية.. ودمروا المدارس والجامعات والمؤسسات العسكرية والمدنية والطرق وكل ما له علاقة بحياة الشعب اليمني وقصفوا بكل ما لديهم من قوة.. واستأجروا الجيوش والمرتزقة وشركات القتل والإجرام من بلاك ووتر وغيرها والقاعدة وداعش في أن يحققوا أي شيء.. لكن بفضل الله خابت آمالهم وصمد الشعب اليمني جبنا إلى جنب مع الجيش واللجان الشعبية وسطرت الملاحم البطولية والاستبسال والتضحية من اجل هذا الوطن الغالي.. فلا مقارنة بين التقنيات العسكرية المستخدمة من قبل العدوان الأميركي السعودي وبين ما يمتلكه الجيش اليمني فالفارق كبير من حيث التقنيات والطائرات والأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع وغيرها.. وفوق هذا فرضوا حصارا بحري وحضر جوي فما تركوا خيار إلا واستخدموه في هذه الحرب هنا تجلى دور قيادة الثورة الشعبية وحكمتها في مواكبة الأحداث وإصدار التوجيهات والتعليمات في مواجهة هذا العدوان فسماحة السيد / عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظة الله منذ الخطاب الأول له في بداية العدوان وبقية الخطابات وهو يوضح ويؤكد ويشرح ويحذر لكن دون جدوى.. لم يكن العدوان يصغى لما يقوله القائد وبان عدوانهم خاسر ولن يجنوا من ورائه إلا الخيبة والخسران.. وهذا فعلا ما حصل خلال عام من العدوان أرادوها حربا خطفة وسريعة لكسر إرادة الشعب وثنية من المضي صوب التحرر والاستقلال.. وجهلوا تاريخ هذا الشعب وحاضره وتجاهلوا واستقلوا بقدرات الجيش اليمني واللجان الشعبية وظنوا بأنهم يستطيعون أن يحققوا أهدافهم وبشكل سريع.. حيث تمكنت قيادة الثورة الشعبية من إدارة الملفات بحنكة وحكمة منقطعة النظير وأبرزت الأحداث عظمة هذه القيادة على أعلى المستويات العسكرية والسياسية وإدارة شؤون البلاد في ظل عدوان وتكالب عالمي كبير.. فكان للقيادة دور بارز في صمود الشعب اليمني ومواجهة العدوان فالتوجيهات والخطابات كانت بمثابة محرك لدينموا الصمود والثبات من رؤية للمواجهة والتحرك للدفاع عن اليمن أرضا وإنسانا.. لقد اثبت أبناء الشعب اليمني طيلة عام من العدوان أنهم مهد العروبة واصلها وهم هم من يحملون همومها ويرفعون رايتها وتسطر الشعب اليمني الريادة والقيادة من خلال المحافظة على العروبة والوقوف ضد المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة.. والتصدي لقوى الغزو والاحتلال بإرادة لم ولن تنكسر فكان الصمود أسطوري أذهل العالم أمام أعتى الحروب التي لم يحصل مثلها في التاريخ فـــ 100 ألف غارة جوية كانت كفيلة بمسح اليمن من الخارطة وباستخدام القوة المفرطة أرادوا من اليمنيين أن يستسلموا ويرفعوا الراية البيضاء فقتل وجرح 26 ألف مواطن يمني.. وفوق هذا فاليمن صمدت وتحدت وقارعت وواجهة بكبرياء وبالإمكانات المتواضعة دون كلل أو ملل ودفعت فاتورة كبيرة وبرزت بأنها حرة ومستقلة في القرار وفي المصير.. وبهذا ستبقى في الخارطة كما هي بل أفضل من قبل وعليهم أن يدركوا أن اليمن ليست امتداد لأي مشروع.. ولن تقبل أن تكون كذلك فهي صاحبة المشروع والقرار بعيدا عن المزايدات فعام من العدوان كشف هذه الحقيقة التي ظل الكثيرون يظللون عليها ويلوثوها بالأكاذيب والتقارير المغلوطة عاشت اليمن حرة مستقلة..
وبعد عام من العدوان وصل السعوديون والأميركان إلى قناعة بان المبررات قد استنفدت وكشف الغطاء وباتوا على يقين أن إيران غير موجودة في اليمن فتح بعد ذلك باب للتفاهمات المباشرة مع أنصار الله وحصل تهدئة ووقف إطلاق نار وتشكيل لجان ميدانية تتابع وقف إطلاق النار.. فالتفاوض مع المملكة السعودية يعتبر مكسبا سياسيا للشعب اليمني وهي الخطوة الصحيحة لقطع الطريق على تجار الحروب ومصاصي الدماء من رغبتهم في استمرار الحرب على اليمن..
لا السعودية ولا إيران ولأميركا ولا روسيا ولا غيرهم كلهم الجميع اخطئوا في حساباتهم وتقديراتهم مع اليمن ولذلك السعودية والأميركان قاموا بإبراز عضلاتهم على اليمن وشنوا حرب مدمرة إمعانا منهم في إرعاب الآخرين وهذا فعلا ما حصل.. حيث تابعنا أن الكثير لم يستطع أن يعمل شيء اكتفى بالتصريحات الإعلامية فقط أما مواقف لم نجد أي موقف صادق إلا موقفا واحدا لسماحة السيد الشجاع حسن نصر الله حفظه الله ولحزب الله ولذلك اليوم يدفع فاتورة وقوفه مع الشعب اليمني أما الآخرين فكتفوا بالاهتمام بشؤونهم الداخلية وكأن شيء لا يعنيهم.. فإيران اكتفت بالإنكفئ الداخلي والاتفاقات مع الغرب حول برنامجها النووي وخفضت الصوت.. والروس عندما لمسوا الجدية في التدخل العسكري الأميركي السعودي في سوريا انسحبت واكتفت بالمرادفة البسيطة وهذا كله بسبب الانعكاسات للحرب الدائرة على اليمن.. فتراجع روسيا وإيران فتح المجال أمام السعودية وأميركا وحلفائهم كلاعبين أساسيين في المنطقة.. حيث كان يظن البعض بأنها شاخت وتراجع دورها المحوري في المنطقة فسكوت إيران وانكفائها إلى الداخل جعل من المملكة السعودية لاعب قوي في الإقليم.. وخسرت إيران دورها المحوري في المنطقة واتضح تراجعها في مواقفها تجاه سوريا والعراق وفلسطين ولبنان.. وباتت إيران محاصرة ومكبلة بسبب سلوك سياسة الإنكفئ والنأي بالنفس في الوقت الذي يتحرك الآخرون للهيمنة على المنطقة.. وفي اعتقادي انه لن يسلم من مردودات النيران المشتعلة في اليمن أي احد.. وان هذه النيران ستلاحقهم إلى الداخل حتى وان سكتوا ورفعوا أياديهم وادخلوها إلى جيبوهم فلا يعني ذلك أنهم قد احترزوا واستطاعوا أن يسلموا من هذه النار..
وهنا نقول للأميركان وللمملكة السعودية وإيران كفى متاجرة بدماء الشعب اليمني أقفوا هذه الحرب العبثية فلا يوجد في اليمن إلا أهلها وهم من يدفعون الثمن.. وهم من ينشدون الحياة الكريمة والدولة العادلة التي تكفل الحقوق والحريات فلن تكون اليمن يوما ماء تابعة لأحد ولن ترضى بالتبعية والوصاية الخارجية مهما كان..
alialsied gmail.com