تركيا لا تغيّر في سياساتها إنما تراكم المشكلات
د. هدى رزق
لا تغيير في السياسة الخارجية التركية مع تنحّي رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو. فالرئيس رجب أردوغان هو الذي يتولى الاقتراحات والإشراف على تنفيذ السياسات. هو الذي يعترض إذا ما حاول رئيس الوزراء أو وزير الخارجية طرح فكرة مغايرة لفكرته، وهذا دأبه منذ كان رئيساً للوزراء عام 2007.
لا يعمل رئيس الوزراء الا بموجب رؤية أردوغان وانْ اختلفا في أسلوب تطبيق السياسات تكون الأمور قد بدأت بالخروج عن السيطرة. هذا لا يعفي أوغلو من أية مسؤولية، فهو كان في موقع المنفذ والمشارك في الموافقة على السياسات والعمل على تطبيقها.
يبدو انّ هذا المثقف السياسي قد شكل عنواناً كبيراً لحقبة التأسيس في الوقت الذي ظهر فيه حزب العدالة والتنمية كحزب حديث وديمقراطي، فرئيس الوزراء كان يعمل بأمرة أردوغان وليس بالتشاور معه حسب ما يُقال في أوساط حزب العدالة والتنمية.
يكمل أردوغان اليوم ما بدأه مع الاتحاد الاوروبي، ويعطي اشارات مبكرة على ما ستكون عليه لهجة أنقرة اتجاه اوروبا. يستعمل لغة جافة غير دبلوماسية انها لغة حافة الهاوية السياسية. فالاتحاد الأوروبي يحاول التملص من تعهّداته بطلب تعديل قانون الإرهاب التركي مقابل إلغاء تأشيرة دخول الأتراك الى أوروبا ويطلب تعريفاً جديداً للإرهاب يتطابق ومفهومه.
لم يتمّ تحويل القرار الذي صدر عن اللجنة الأوروبية الى لجنة العدل والداخلية، فتركيا حسب وجهة نظر الاتحاد لا تستطيع الإيفاء بالشروط المفروضة عليها في المهلة المحدّدة، ايّ في شهر حزيران، لذلك تمّ التأجيل الى شهر تشرين الأول/ أكتوبر. تعتقد تركيا انّ الاتحاد الاروربي يحاول إخراج حزب العمال الكردستاني من لائحة الإرهاب لذلك يطالبها بتعديل القانون.
اما موقف تركيا من الولايات المتحدة فسيبقى على حاله، اذ لا زالت واشنطن تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي وتشدّد على تحالفها مع وحدات الحماية الكردية، وتبدي انزعاجها من حالة الديمقراطية وحرية الصحافة والرأي في تركيا وتنتقد تسييس القضاء. لكن التعاون مع تركيا سيستمرّ بفضل المصالح المشتركة بين الدولتين، وهذا ما يعطي الرئيس التركي الحق في القول انّ الغرب بحاجة الى تركيا.
لا تشغل مشاكل التأشيرة بال القيادة التركية بل انّ التطورات في سورية بعد الاتفاق الأخير بين روسيا والولايات المتحدة هي ما يشغل بالها، نظراً لتحوّل أولويات أوباما الى محاربة «داعش» وعدم مطالبته برحيل الأسد. تحاول أنقرة التعايش مع هذه الفكرة، فما من مسؤول رسمي يتحدّث عن إطاحة الرئيس السوري لكن هذا لا يمنعها من المشاركة الفعّالة في الحرب الدائرة في الشمال السوري ودعمها لـ»جيش الفتح» مع حليفتها السعودية، بعدما أوقفت روسيا مشاركتها من أجل اتاحة الفرصة امام الحل السياسي.
ورأت انقرة انّ التناقض بين براغماتية روسيا وغضب إيران قد أفادها بعدما سجلت اختراقات. لكن حساباتها تراجعت بعد عودة المشاركة الروسية التي كانت قد طالبت الولايات المتحدة بالسيطرة على حلفائها، وشككت بقدرة كيري على التأثير على تركيا والسعودية بعدما خرق «جيش الفتح» الهدنة المعلنة.
مسألتان تأخذان اليوم حيّزاً كبيراً من اهتمامات الرئيس التركي… الأولى تكثيف جهوده لدفع «داعش» خارج الحدود التركية السورية بسبب الصواريخ التي تمطر بها «داعش» مدينة كيليس الواقعة على بعد 3 كلم من الحدود السورية. معظم سكان المدينة هم من التركمان وقد أودت الصواريخ بحياة 21 مواطناً تركياً إضافة الى 8 من اللاجئين السوريين الذين يتخطى عددهم عدد سكان المدينة.
صرّح أردوغان انّ تركيا ستردّ على قصف الصواريخ، وكان فريق من القوات الخاصة التركية قد عبر الحدود في الأيام الأخيرة من اجل ضرب «داعش» في الوقت الذي كثف فيه الجيشان الأميركي والتركي جهودهما من أجل إزالته من خط جرابلس مارى. لا تستطيع تركيا إبعاد ضربات «داعش» عن كيليس إلا عبر استخدام الطيران، وهذا الامر متعذّر بسبب الموقف الروسي بعد إسقاط طائرة السوخوي من قبل تركيا.
أوحى أردوغان في تصريح أخير له بأنه سيقوم بعمل منفرد من أجل إبعاد «داعش»، ربما يعتقد انّ إنهاء الهجمات يتطلب إنشاء منطقة عازلة وتدخل قوة برية، فكيف يمكن لتركيا إحراز تقدّم في هذا الشأن دون التعاون مع الأميركيين والموافقة الضمنية لروسيا.
اما المسألة الثانية فتتمثل في علاقة واشنطن مع حزب الاتحاد الديمقراطي ما يخيف أنقرة هو اعتقادها انّ الحزب قد حصل على اعتراف من الغرب بإقامة منطقة حكم ذاتي في شمال سورية. لذلك تصمت عن موضوع إزاحة الرئيس السوري كون القوى البديلة ستكون إما الأكراد أو «داعش وأحلاهما مرّ بالنسبة إلى تركيا.
في خضمّ هذه المشاكل التي تعيشها تركيا تشتدّ الحرب في جنوب شرق الاناضول مع حزب العمال الكردستاني، ويتعرّض الأمن للاهتزاز من خلال بعض التفجيرات في اسطنبول. يبقى الشغل الشاغل للرئيس هو النظام الرئاسي الذي يمكنه الحصول عليه بواسطة تصويت حزب الحركة القومية الذي يشهد خضات داخلية، في وقت يعتقد المراقبون بأنّ هذا الحزب لم يعد يتمايز عن حزب العدالة والتنمية، لا في المواقف السياسية الداخلية ولا تلك الخارجية. يشهد حزب الحركة القومية تغييرات يمكنها ان تتبلور من خلال المؤتمر المبكّر الذي انْ عقد سيتمّ اختيار السيدة مارال اكشينر كبديل عن الرئيس الحالي للحزب دولت بهشلي، وهذا يعني خسارة العدالة والتنمية أصوات لطالما راهن عليها في مسعاه للوصول الى النظام الرئاسي الذي تقف المرشحة ضدّه.