بلديات 2016… فعالية الانتخاب لتكريس إرادة شعبية

هاني الحلبي

ثلاثة أضلاع تتركّز عليها الدعوة للانتخابات البلدية في خضمّ التحديات والاستحقاقات الوطنية المصيرية التي تعصف بلبنان ومحيطه الطبيعي القومي.

الضلع الأول أنها تأكيد استمرار النظام العام من المؤسسات العامة والبلدية لتقوم بوظائفها التنموية والخدمية التي تجوّد واقع المتحدات المحلية وترقي مستواها إلى حد أرفع مما عليه. ويتابع المواطن العادي فضلاً عن الخبير مستوى الترقي الذي تحقق منذ أول انتخابات بلدية بعد الحرب الأهلية في حزيران 1998 حتى اليوم بما لا يُقارن بما كانت عليه قبله لعقود مضت. لكنها أقل بكثير مما يجب أن تكون قد بلغته لو توفر مواطن كريم ودولة منظّمة وحسن انتخاب أكفاء وخبراء وناشطين تنمويين اجتماعيين.

الضلع الثاني أن الانتخابات البلدية تريح العملية السياسية بفتح ميدان جديد للنفخ الدعائي غير الفساد الحكومي وغير المزايدات السياسية في الفراغ الرئاسي والكل مشارك بتفاوت فيهما، فتبتعد بؤرة اهتمام الرأي العام عن التسديد على المفاسد في الوزارات التي تتواطأ على تهريب مديريها العامين من مساءلات قضائية حساسة جداً. وزارات تنظر بخفة ورعونة لأمن المواطن اللبناني العادي فضلاً عن أمن ضباط جيشه وقواه الأمنية وأمن سياسييه وأمن المقاومة وجمهورها بالتسلل إلى شؤونهم الشخصية والعاطفية والأسرية ومواعيدهم وهمومهم وشجونهم ومواقفهم وأسرارهم كافة لتبقى مشرعة لاقتناص أهداف ثمينة تصيبنا بمقتل، وما أكثرها.

الضلع الثالث تفتح الانتخابات البلدية والاختيارية شروخاً جديدة وتصدعات عميقة في البنية الاجتماعية والسياسية الرديفة. قد تفحص تحالفات ناشئة، وقد تُسقط تحالفات راسخة، فتبعثر فسيفساء السياسة والمجتمع على توزع جديد، إلى هذا الحد أو ذاك، لكنها تهدد لحمة روابط الحياة المتآلفة في مجتمع عصابي طائفي عائلي جهوي ما زال قابعاً في كهوفه وظلماتها لولا قلة متنورة تعد بمستقبل أفضل إن أصبحت أكثرية كافية. أداء القوى السياسية المتدخلة بطغيانية في الاستحقاق البلدي خاطئ، لأنه يسلب الخصوصية البلدية من الاستحقاق ويسيّس الجانب التنموي والخدمي، ويبعد الناس عن قانون المحاسبة البلدية البديهي لكل هيئة بلدية خدمت سنوات ستاً، في ما أعطت وفي ما عملت وفي ما قصرت عنه وفي تعيين الشروط والأسباب التي حالت عن الإنجاز وأوقعت التقصير. كثيرة هي القوى النكدة التي إن حاسبها الناخبون فتقوم بتوظيف اخطبوطها السياسي والرسمي ضد هيئة البلدية المنتخبة فتعطل مشاريعها وتذيقها «زوم الزيتون» مراً علقماً، كما يُقال في أدب الفلاحة. فالتقصير ليس دائماً مسؤولية من تولّى المسؤولية البلدية بل أحياناً يكون مسؤولية من يعطل العمل البلدي نكداً، بخاصة إذا كان قوة أكثرية طائفية في منطقتها وبلدتها، يمكنها أن تعزل البلدية وتقاطعها وتمطرها بالشكاوى وبل تعطل الأجهزة المنصوبة في الشوارع للخدمة العامة لتزيد كلفة الصيانة وتظهر التقصير المفتعل بأبشع صورة. وكثيرون هم طغاة الميدان باسم تلك القوى الطائفية كافة. وأحياناً يقدمون انفسهم باسم كتلة سياسية أو «زعامة» طائفية او باسم المقاومة ليمنعوا مواطنين يريدون خدمة بلدهم وربما لهم نشاط وخبرة وازنة في العمل التنموي والتخصص العلمي والميداني. فيَسِمُون أعراس الاقتراع بـ»معارك كسر العظم»، او «إقفال البيوتات»، او «اقتلاع الطائفة»، او «تهجير الحزب» او الحركة المعنية ليشدوا عصب الكثرة المتغافلة عن حقيقة الانتخاب أنه فرصة حساب تعزل المخطئ او المقصر او الوجيه في المسؤولية البلدية لمصلحة المعطاء بنبل وتطوّع واستعداد. الاقتراع البلدي فرصة نادرة ليمارس المواطن حرية اختياره. بعيداً عن مغريات المرشحين وداعميهم بوظائف سيتم استحداثها فور خروجه من معزل الاقتراع أو تهديدهم بلقمة خبزهم أو حليب مواليدهم إن صوّتوا للائحة «المعادية». فأي إغراء عارض ربما هو وعد فارغ، فلا يستطيع أي سياسي مهما عظمت قدرته أن يُرضي كل مناصريه. فما إن تنقشع غيمة الانتخابات حتى يبدأ عض الأصابع ندماً على «صوت» مجاني، ولو كان مقابله جهاز هاتف أو خط خلوي أو شيك مصرفي. من المذهل ان يجول سياسي كبير على القرى ليستفز الناس في استحقاق بلدي، في نهاية يوم الاقتراع ستأتي هيئة مشلولة القدرة إن لم يُفرج «سنيورة» الحكومة، وأي سنيورة غيره، عن أموال البلديات، وإن لم يتم إيجاد محاسبة حقيقية في البلديات ويتم اختيار كفاءات نظيفة غير محاصصة بسبب انتماءاتها السياسية التي تمرر صفقات كبرى على حساب دورها البلدي التنموي. ومن المذهل أيضاً تقاطرُ المتقاعدين إلى مسؤوليات المخترة والبلديات، وإن كان يُفهم أن المتقاعد أصبح رجلاً مسناً إلى حد ما، ومكتفٍ براتبه التقاعدي ما يجعله متفرغاً للعمل العام إن توفرت له تربية وطنية وتنموية مناسبة، لا توفرها المؤسسات العسكرية، ما يجعل المسؤولية البلدية والاختيارية فرصة لهم، لإعادة ممارسة دور أمني سياسي تحت غطاء بلدي او اختياري. وهذا ربما يكون ذا فائدة وطنية إن احسن إنضاجه لننتقل إلى حالة مجتمع مقاوم يكون فيه كل مواطن خفيراً، لكنه في الحالة الراهنة ينعكس سوءاً على العمل التنموي والاجتماعي والسياسي المحلي، من ظاهراته رفع أسعار العقارات نتيجة التنافس على حيازتها بين الموسرين من المغتربين ومن المتقاعدين. ومن المذهل تلهّف بعض السياسيين على اختيار غير مقيمين في قراهم لرئاسات بلديات، أطباء ومهندسين ورجال اعمال وأغنياء، يتم فرضهم فرضاً واستخدام طرائق التسويق كلها لاستكمال مسرحية الترشيح. ما الهدف من ذلك؟ هل هي صفقة ما؟ أم اكتفاء شر هؤلاء نيابياً بالرئاسة البلدية، او توظيف إمكاناتهم في تمويل خطط محلية لمن رشحهم؟ لا يمكن لرئاسة بلدية ان تنتج إن لم يكن الرئيس كفلاح يقظ مع الفجر إلى بستانه يعشب الأعشاب الضارة عن ازهار الجمال وأعشاب الغذاء.

اليوم السبت يبدأ الصمت الانتخابي ويمنع القانون أية دعاوة انتخابية. وفي هذا حكمة عودة الناخب إلى خياراته الحقيقية. إلى مصالح هذه الحياة، إلى جروحه الموجعة، إلى آلامه التي لا يحاكيها نائب او وزير إلا بالمناسبات السنوية.

غداً الأحد، في المرحلة الثانية للانتخابات البلدية بعد المرحلة الأولى منها في بيروت والبقاع، ليكن اقتراعكم عرس محبة، يبلسم جراح أية عملية ائتلافية او تنافسية بينكم، في مدنكم وقراكم. بلسمة طبيب محب وماهر، كأم الصبي التي ترفض قطعه بينها وبين المرأة المزيفة التي تدّعي أمومته. وتأكدوا أن أية هيئة بلدية لن تعمل إن تواطأتم معها على التقصير والدعم المجاني وإن لم تعتصموا امام بلديتكم وتغلقوا الفضاء حولها ولو كانت من بيتكم ومن لحمكم. السلطة تغرّ. ولا يكبر عليها إلا كبار. انتخبوا كباراً في حياتهم وفي قيمهم لتستفيد قراكم ومدنكم من سنوات ستٍّ من العمل الجاد.

باحث وناشر موقع حرمون haramoon.org/ar

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى