القانون الأميركي الافترائي وسياسة الازدواجية في المعايير!
أسامة العرب
أقرّ الكونغرس الأميركي بتاريخ 17/11/2015 قانوناً افترائياً يرمي إلى حظر التمويل الدولي لحزب الله، وفرض تطبيق قانون العقوبات الأميركية على الأشخاص الذين يرتكبون أو يشاركون أو يتدخلون أو يساهمون في مخالفة أحكامه. ومن ثم في 18 آذار 2016 أصدر الرئيس الأميركي مذكرة فوّض بموجبها رئيس الأمن القومي الأميركي جيمس كلابر، كامل صلاحياته وموجباته المعطاة بموجب القانون السابق. ولاحقاً في 15 نيسان 2016، استحدث مكتب مراقبة الأصول الخارجية في وزارة الخزانة الأميركية «أوفاك» لائحة خاصة بالقانون تعرف بـ«لائحة إجراءات العقوبات المالية على حزب الله» ضمّت أسماء أكثر من 100 فرد ومؤسسة، وذلك بغية تجميد أصولهم ومنعهم من التعامل مع المصارف والمؤسسات المالية في أيّ بلد في العالم.
ومن ناحيتها، ما تزال الدولة اللبنانية غائبة بشقيها التنفيذي والتشريعي عن مواجهة هذا القانون العابث بسيادتها الوطنية، غير مُكترثة لواجبها بالدفاع عن مقاومتها الباسلة التي لا تزال تتابع تحرير ما تبقى لها من أراضٍ محتلة صهيونياً، كما تتصدّى يومياً لخطر الإرهاب القابع على حدودها. ولكننا نستغرب حقيقةً كيف تتجاهل الويلات المتحدة مبادئ القانون الدولي، والتي تؤكد على عدم إمكانية إلزام مواطني دول أخرى بقوانين أجنبية عنها، ما لم يتمّ إبرام معاهدة دولية تجيز ذلك، وعلى أن تصادق السلطة التشريعية الوطنية لاحقاً عليها.
كما أننا نستغرب أيضاً كيف تنكر الويلات المتحدة دوماً حق الشعوب بتقرير مصيرها بنفسها، والذي يشير الى حق كلّ مجتمع ذي هوية جماعية بتحديد طموحاته السياسية وتبنّي النطاق السياسي من أجل تحقيق هذه الطموحات وإدارة حياة المجتمع اليومية وهذا دون تدخل خارجي أو قهر من قبل شعوب أو منظمات أجنبية. علماً بأنّ الممارسات الأميركية الأخيرة، تعتبر من قبيل سياسات القهر والإخضاع التي تنال من إرادة اللبنانيين الوطنية، ذلك أنها تكرههم على قبول قوانين أجنبية لا علاقة لهم بها، مهدّدةً إياهم بمعاقبتهم وملاحقتهم تعسّفياً من خلال أجهزة قضائية خارجية لا تتمتع بأية مصداقية.
ونحن لا نعلم لماذا لا تعتبر الويلات المتحدة الممارسات الصهيونية بحق شعوبنا العربية والإسلامية في فلسطين المحتلة ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، والجولان المحتلّ، ممارسات إرهابية؟ ولماذا لا تعتبر أيضاً هباتها المالية الموجهة لدعم عمليات الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة، من قبيل جرائم تمويل الإرهاب؟ وأليس مجلس الأمن الدولي من أصدر القرارات الرقم 242 عام 1967 والرقم 338 الصادر عام 1973 بخصوص إلزام «إسرائيل» بإعادة الأراضي العربية المحتلة، والقرار الرقم 497 الصادر في 17 كانون الثاني 1981 بخصوص إلغاء قوانين «إسرائيل» التي فرضت بموجبها ولايتها وإدارتها على الجولان السوري المحتلّ. وكذلك قرارات مجلس الأمن الرقم 465، 476، 478 بخصوص إلغاء قوانين «إسرائيل» الرامية إلى ضمّ مدينة القدس إليها.
علماً بأنّ مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، يُعدّ من المبادئ القانونية الدولية الملزمة لجميع الدول. كما أنّ الكفاح المسلح أو المقاومة المسلحة ضدّ الاحتلال تعتبر الصورة الأكثر استخداماً لممارسة حق تقرير المصير لا سيما أنّ الشرعية الدولية لا تتحرك بتاتاً لتقوم بتنفيذ أيّ من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي، إلا إذا كانت تلك القرارات تعود بنفع مباشر للويلات المتحدة أو ربيبتها «إسرائيل».
من ناحية أخرى، فإننا لا نفهم أيضاً كيف تسمح الويلات المتحدة لنفسها بأن تتعرّض للحقوق والحريات الشخصية لمواطني دول أخرى، في حين أنّ المادة الثامنة من الدستور اللبناني تنص على أنّ: «الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف إلا وفاقاً لأحكام القانون اللبناني ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون اللبناني أيضاً». وبالتالي فإنّ القانون الأميركي يشكل مسّاً صارخاً بالحقوق الأساسية للّبنانيين والمصانة دستورياً. خصوصاً أنّ تنفيذ هذا القانون يمسّ بسيادة دولتنا كما سبق وذكرنا، ذلك أنه يطالب مصارفنا اللبنانية بتطبيق قوانين غير لبنانية، وبالرغم أيضاً من مخالفتها مبادئ القانون الدولي.
ونحن لم نتفاجأ أبداً عندما علمنا بأنّ منظمة الـ»أيباك» الأميركية كانت وراء عملية تمرير القانون الأميركي المذكور آنفاً، لا سيما أنها تعمل لمصلحة الكيان الصهيوني، وتسعى لتشويه سمعة كلّ من يقاومه أو يتصدّى له، بغية النيل من إرادة المناضلين ودفعهم للتخلي عن مشروعهم الوطني بتحرير أراضيهم المحتلة.
مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ من مرّر هذا القانون الباطل اعتمد على عنصر الكذب واختلاق أدلة مادية غير صحيحة ومفبركة. وبالتالي، فمن الممكن ملاحقتهم بجرم الافتراء، إذ المادة 403 من قانون العقوبات اللبناني تنصّ على أنّ «كلّ من قدّم شكاية أو إخباراً إلى السلطة القضائية أو إلى أيّ سلطة يجب عليها إبلاغ السلطة القضائية فعزا إلى أحد الناس جنحة أو مخالفة يعرف براءته منها أو اختلق عليه أدلّة مادية على وقوع مثل هذا الجرم عوقب بالحبس من شهر إلى ثلاث سنوات. أما إذا كان الفعل يؤلف جناية عوقب المفتري بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر».
«En cas de classement sans suite d,une plainte, les juridictions doivent appr cier la pertinence des accusations post es par la personne qui la d nonciation calomnieuse est report e». Annotation sous l,art. 226 – 10 – Nouveau code p nal fran ais n 44 preuve par appr ciation .
وبناءً عليه، فبإمكان سلطتنا القضائية الوطنية والمستقلة أن تتصدّى فوراً لهذه الجريمة الافترائية النكراء وأن تضع حدّاً لآثارها. لا سيما أنّ مصارفنا الوطنية غير ملزمة إلا بتطبيق أحكام قوانيننا اللبنانية، وغير ملزمة كذلك إلا بتطبيق الأحكام والقرارات الصادرة عن قضائنا الوطني.
كما أنّ إقامة الدعوى بحق المفتري، يمكن أن تتمّ حتى قبل إجراء أيّ تحقيق قضائي أو إداري عن الوقائع التي تضمّنها الإخبار الكاذب. وبالتالي، فإنّ محكمتنا الوطنية تستطيع أن تجري ذلك التحقيق بنفسها بغية وقف آثار القانون الأميركي الافترائي، وإن اتخذ صبغة تشريعية. حيث إننا يجب ألا ننسى أنه حتى العبودية في الويلات المتحدة الأميركية قد اتخذت سابقاً صفة قانونية، بموجب تشريعاتها. وهنا نتذكر أيضاً خطاب الزعيم الأميركي ذي الأصول الأفريقية مارتن لوثر كينغ من معتقله في مدينة برمنغهام في ولاية ألاباما: «أنا أقرّ بأن كلّ مواطن يقوم بالعصيان المدني للقانون عندما يخبره ضميره بأنّ القانون غير عادل، وهو مستعدّ لتحمّل عقوبة السجن في سبيل إيقاظ ضمير المجتمع على ظلمه، فهو في الحقيقة يعبّر بذلك عن أقصى درجات احترامه للشرعية»، وهذا ما أدّى لاغتياله لاحقاً في 4 نيسان 1968.
وأخيراً، فإننا ننبّه شعوبنا الإسلامية والعربية إلى ضرورة الانتباه من مكر وأطماع الدول الداعمة للكيان الصهيوني مالياً وسياسياً وعسكرياَ. مؤكدين أننا اليوم بأمسّ الحاجة للتصدّي لهذه الحملة الأميركية الافترائية على مقاومتنا الباسلة، كما أنّ للمتضرّرين الحق بالطبع، بملاحقة كلّ من يفتري عليهم أمام المحاكم الوطنية، مهما علا شأنهم وتعاظمت قواهم. حيث إنه ما بين منطق الحق ومنطق القوة، فإنّ منطق الحق سوف يكون الغالب بالتأكيد.
محام، نائب رئيس
الصندوق الوطني للمهجّرين سابقاً