انتخابات المتن… عِبَر سياسية وخذلان قواتي للجنرال
هتاف دهام
فشل تحالف التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية بأن يثبت قوته في الانتخابات البلدية. وهي أول استحقاق حقيقي قبل الانتخابات النيابية والرئاسية يُمتحن فيه هذا التحالف، وسط واقع طبيعي يمكنه إسقاط معايير النظريات على الواقع. وأهمية هذه الانتخابات، رغم أنها بلدية، وفرت أول فرصة حقيقية لغربلة النظريات عن الوقائع، بعدما فاز هذا التحالف في دوائر مؤثرة مسيحياً وذات وزن في بيروت الأولى وزحلة، رغم أنّ هذا التحالف ربح نظرياً في بيروت وزحلة وفي دير القمر مع خروق للشمعونيين وآل البستاني.
لم يكن التحالف متماسكاً بل كان تحالفاً موضعياً. كان الطرفان يتفاهمان في مكان ويفترقان في آخر. ففي المعارك الكبرى كان العونيون في وجه القواتيين أو العكس، كحال بسكنتا والحدث وجونية، لذلك فإنّ هذا التحالف لا يزال جنينياً ولم يستطع أن يثبت نفسه.
أتت النتائج التي أحرزها النائب ميشال المر وحزب الكتائب والحزب السوري القومي الاجتماعي في المتن، ومجموع بلديات الساحل والجبل إضافة إلى العبر الأهمّ التي أوجدتها انتخابات جونية والحدث وبسكنتا لتصل إلى المحدّد السياسي التالي: إذا كانت انتخابات عروس البقاع بالنسبة لرئيس حزب القوات سمير جعجع تمثل معركة ذات طابع مصيري لأسباب معقدة ومربكة عدة، بينما رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لم يكن الرأس الحربي فيها بل كان قائد معراب، فإنّ انتخابات جونية تمتلك المعيار نفسه من جهة جنرال الرابية الذي خاض معركة الزعامة المسيحية ببعدها الوطني العابر للمناطق عبر عاصمة كسروان بالتحديد وبعض القوى والبيوتات السياسية فيها كالنائبين السابقين فريد هيكل الخازن، ومنصور غانم البون ونعمت افرام والقوات اللبنانية.
هذا هو المعنى السياسي الكبير لمعركة جونية البلدية، رغم أنّ المعركة «على المنخار» وانتهت باختراق 4 من اللائحة الثانية، لكن هذا لا يعني أنّ العماد عون كـ»زعيم» تاريخي مسيحي ومن بعده التيار البرتقالي لا يستطيع أن يدّعي النصر السياسي بما يتجاوز أهمية معركة زحلة بكثير، خاصة أنّ زحلة لو اتحدت في انتخاباتها السيدة مريام سكاف والنائب نقولا فتوش لكان لهذه المعركة كلام آخر.
رغم الطبيعة البلدية لانتخابات كهذه، إلا أنّ هناك مجموعة من العبر السياسية التي يجب التوقف عندها:
ـ زيارة قائد فوج المغاوير السابق العميد شامل روكز إلى جونية وقيادته شخصياً المعركة الانتخابية المنتصرة، ومبادرة الجنرال إلى زيارة مماثلة، في حين بقي رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل خارج مشهد كسروان وانتخاباتها.
ـ إنّ معركة الرئاسة التي كانت موجودة على خلفية المشهد في زحلة وجونية ربح فيها العماد عون، وخسر فيها كلّ حلفائه وخصومه في كسروان، وكلّ البيوتات المسيحية التاريخية التي وضعتها الزعامة العونية في كسروان على الرفّ.
ـ إنّ تحالف الرابية – معراب لا يملك الانسجام والانسيابية والوئام والوحدة التي جرى الترويج لها. هذا التحالف لا يزال يختزن في داخله الكثير من الشكوك، خاصة أنّ رئيس تكتل التغيير والإصلاح هو في الموقع المانح، ورئيس حزب القوات هو في الموقع المتلقي والراغب في الإرث باكراً.
تتمتع الساحة المسيحية بحيوية، رغم ما أشيع عن محاولات مصادرة هذه الحيوية، التي ترجمت في استمرار الحفاظ على ثلاثي الطاشناق العمارة – حزب الكتائب. وظهر ذلك في مراعاة حزب الطاشناق لتحالفاته مع الجميع، لا سيما في انتخابات سن الفيل، انطلياس، جل الديب، الزلقا، وضبية، ونجاح حزب الكتائب في إثبات حضوره في سن الفيل، وتمكن «امبراطور المتن» من الدفاع عن قواعده التاريخية منذ ما بعد الطائف، وتكريس رئاسة اتحاد بلديات المتن لبتغرين.
أما الحزب القومي الذي يتمتع بكثافة شعبية في قرى المتن الشمالي كلها من مجدل ترشيش إلى الساحل كان شريكاً فعلياً على خارطة المتن الشمالي كلها، لا سيما في ضهور الشوير، بتغرين، المتين، ضبية، مجدل ترشيش، ديك المحدي، بيت الشعار، الزلقا، جل الديب، انطلياس، وداعماً أساسياً في رومية. وهذا ما دفع حزب الكتائب، خوفاً من التمدّد القواتي إلى التعاطي مع «القومي»، تحت عنوان الإنماء والحفاظ على حضوره السياسي على غرار ما حصل في الخنشارة والمروج . وتحالف التيار الوطني الحر بدوره مع «القومي» في بسكنتا ومرجبا ضدّ القوات والكتائب وفي بلدات أخرى، وسارع المر إلى التوافق معه في بتغرين تزكية وفي ضبية من خلال دعم لائحة قبلان الأشقر وغيرهما.
في المحصلة، لن يؤثر ما حصل في جونية من خذلان قواتي للجنرال العوني على العلاقة بين معراب والرابية. لم يلق الأداء القواتي استحساناً عند القاعدة العونية التي ضربها قائد معراب في الصميم في معركة جونية، أم المعارك في كلّ الانتخابات السابقة واللاحقة، بل تحوّلت إلى معركة رئاسة الجمهورية ولو هُزم العماد عون فيها لكانت اعتبرت نكسة معنوية له. لكن رغم «النكعة» القواتية الخبيثة، سجلت هذه الانتخابات للجنرال المزيد من تعزيز المكانة السياسية على المستوى المسيحي وعلى المستوى الكسرواني.