في فعاليات ذكرى النكبة
راسم عبيدات
فعاليات هذا العام في الذكرى الثامنة والستين للنكبة، تميّزت بمشاركة شعبية واسعة، ليس فقط في الداخل الفلسطيني- 48 والضفة الغربية وقطاع غزة ومخيمات اللجوء، بل امتدت لتغطي معظم الدول الأوروبية والعربية والإسلامية، وما يميّز احتفالات هذا العام، هو الإبداع والتنوّع في هذه الفعاليات، التي تعمّق وتجذّر من انتماء شعبنا وتمسكه بحقه في العودة إلى أرضه ودياره التي هجّر وطرد منها قسراً على يد العصابات الصهيونية، ففي مخيّم الدهيشة شاهدنا قطار العودة والشبان ينادون ويدعون الناس للصعود والركوب إلى قراهم التي هجروا منها، وفي رام الله كانت الباصات القديمة التي كان يستخدمها اللاجئون مُعدّة للانطلاق إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها.
في كلّ عام يزداد شعبنا تشبّثاً وتصميماً على العودة، والفعاليات بأشكالها وتنوّعها تأتي رداً على الروايات الصهيونية التي تنكر على شعبنا حقه في العودة وحتى الوجود، فمن مقولات «أين هو الشعب الفلسطيني؟» إلى «كبارهم يموتون وصغارهم ينسون» تسقط على صخرة التصميم والعناد الفلسطيني، أن لا تخلّي عن حقه بالعودة.
الصراع مستمرّ ومحتدم مع المحتلّ بكلّ الأشكال، وشعبنا يواجه ليس خطراً سياسياً، بل خطراً وجودياً في ظلّ حكومة صهيونية يمينية مغرقة بالتطرف، تمارس كلّ أشكال التهويد والتطهير العرقي بحق شعبنا الفلسطيني، حيث مشاريع التهويد تغطي كلّ مساحة فلسطين التاريخية، فمن مشروع المتطرف العنصري «أريه كنج» لتهويد الجليل الذي كان السبب المباشر لاندلاع يوم الأرض الخالد في 30/3/1976، حيث دافع شعبنا عن أرضه ووجوده بالدم والتضحيات، إلى مشروع «برافر» التهويدي لمنطقة النقب، والتي كان المهرجان والمسيرة المركزية لهذا العام من نصيبها، تأكيداً من شعبنا بأنه شعب حيّ لا ولن يموت ولن يغادر أرضه في نكبات جديدة، والقدس والضفة الغربية هي الأخرى تتعرّض لـ «تسونامي» استيطاني يغيّر من واقعها الجغرافي والديمغرافي جذرياً.
حق العودة يشكل أحد أهمّ مرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني، وهو غير قابل للتأويل ولا يسقط بالتقادم، ولا يمتلك أيّ كان الحق في التنازل عنه، رغم أننا نشهد الكثير من المؤامرات التي تستهدف إلغاء وشطب هذا الحق، وقد يستغرب البعض من أنّ الحرب الحالية التي تدور رحاها في سورية، أحد أهمّ أهدافها، الشطب الكلي للقضية الفلسطينية، فتطويع المنطقة بسقوط سورية والعراق، يعني إعادة رسم خرائط المنطقة، بما يشمل تصفية القضية الفلسطينية حقوقاً وقضية ومشروعاً.
المجتمع الدولي والأمم المتحدة يتحمّلان المسؤولية كاملة عن استمرار نكبة شعبنا، فـ «إسرائيل» كدولة مارقة قامت بقرار من الأمم المتحدة، واستمرت بالتمدّد والتوسّع على حساب شعبنا الفلسطيني وأرضه، رغم عشرات القرارات الدولية التي أكدت بطلان إجراءات وممارسات الاحتلال بحق شعبنا الفلسطيني، وحق شعبنا في العودة إلى أرضه التي طرد وشرّد وهجّر منها قسراً، ولكن لم نلمس وجود إرادة دولية جدية لتنفيذ أيّ من القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وفي المقدمة منها حق العودة، بل وجدنا أنّ أميركا ودول الغرب الاستعماري التي تتشدّق ليل نهار بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، شكلت مظلة سياسية لـ»إسرائيل» في الأمم المتحدة تحميها من أية عقوبات أو قرارات قد تفرض أو تتخذ بحقها نتيجة عدم تنفيذها لأيّ من القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بل تلك الدول التي رعت واحتضنت هذا الكيان الغاصب وأوجدته في قلب الوطن العربي، جعلت منه كياناً فوق القانون الدولي، في «تعهير» سافر للقانون الدولي وازدواجية في معاييره وانتقائية في تطبيق قرارات الشرعية الدولية، حيث جرى ويجري تطبيقها على الأمة العربية والإسلامية بشكل خاص، وبما يخدم «إسرائيل» والقوى الاستعمارية الغربية والولايات المتحدة الأميركية.
مَن يعتقد بأنّ مشاريعه لتصفية القضية الفلسطينية، وجوهرها حق العودة قد تنجح، فهو واهم، والبعض قد يستفيد من الحالة الفلسطينية الضعيفة والمنقسمة على ذاتها في محاولته لتمرير مشاريع وإطلاق مبادرات تقوم على تصفية هذا الحق، ولكن أيّ قيادة فلسطينية قد تتخلى عن هذا الثابت فهي ستنتحر سياسياً، نصف شعبنا موجود خارج الوطن يحمل مفاتيح العودة ويسلمها من جيل لجيل، ووعي بدلاً من أن «يتقزّم» ويُطوّع، نجد انه يتجذّر ويزداد قناعة وتشبّثاً بحقه في العودة، وكذلك مشاريع السيطرة على الذاكرة الجمعية لشعبنا وتشويها عبر اللقاءات والمشاريع التطبيعية تفشل فشلاً ذريعاً، ولا يغيّر من حقيقة الأشياء «عبرنة» أسماء القرى والشوارع والبلدات الفلسطينية، ولا بدّ من عملية توعية وتثقيف شاملة يستحضر فيها في المنهاج والمحاضرات والندوات والمسيرات والمهرجانات، كلّ الأسماء العربية لها للقرى والبلدات العربية المدمّر منها وغير المدمّر، وإنتاج أفلام وثائقية و»فيديوات» و»يوتيوبات» ومعارض صور ورسوم كاريكاتيرية توثق للعادات والتقاليد والتراث وكلّ مظاهر الوجود والمعالم التاريخية والحضارية لقرانا وبلداتنا المدمّرة.
التشبث والتمسك بحق العودة ليس مسؤولية الأحزاب والقوى، بل هي مسؤولية جماعية، يجب على كلّ فرد منا تحملها، وان يكون بمثابة بوق إعلامي لها، حينها فإننا نقصر الطريق على مشروع احتلالنا ونكبتنا.
إنّ مجابهة المخطط والمشروع الصهيوني القائم على شطب قضيتنا وحقوقنا وتفكيك مشروعنا الوطني، يجب أن يجابه وفق استراتيجية فلسطينية موحّدة، استراتيجية تقوم على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية والتحلّق حول المقاومة والصمود.
صحيح أنّ النكبة تولّد عنها الكثير من النكبات، في ظلّ هجوم شامل نتعرّض له كشعب فلسطيني يستهدف وجودنا، ونفي حقوقنا، ولكن ما هو أصحّ بأن الأجيال الفلسطينية التي لم تعايش النكبة أو ما يسمى بالنكسة او التي ولدت ما بعد أوسلو، واحد من أخطر مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، هي الأكثر تمسكاً بحق العودة، وهي مَن تحرّك وتقود الميدان في انتفاضته الشعبية، وهي التي تقول بأن لا حلّ بدون حق العودة.