تركيا والمصير المجهول؟

هشام الهبيشان

إعلان رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو، استقالته من الحكومة التركية على أثر خلافات سياسية مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان «فتح الأبواب وأسّس لمرحلة جديدة بتركيا، ستقود تركيا الى المجهول خصوصاً مع سعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للاستئثار بالسلطة كما يتحدث جُلّ معارضيه، كما برزت الى الواجهة مجموعة تحديات قد تطيح بحزب التنمية والعدالة، وهذا ما بدا واضحاً من خلال الثورة الداخلية التي بدأت من داخل الحزب الحاكم، والتي تزامنت مع مسارات وثورات إعلامية جديدة للصحف ووسائل الإعلام التركية التي تعكس سخط طيف واسع من الشارع التركي المعارض لسياسات النظام التركي الداعم للمجاميع الإرهابية في سورية، بالإضافة الى سخط طيف من الشعب التركي من سياسات النظام التركي بالداخل التركي، فمشاهد الاعتقال الأخيرة، والاعتداء على المتظاهرين السلميّين، تُظهر طبيعة وحجم الأزمات المتلاحقة التي يعيشها النظام التركي وحزب العدالة والتنمية تحديداً، وهنا يمكن القول وبهذه المرحلة، إنّه يبدو واضحاً لجميع المتابعين لتداخلات الفوضى بالحالة التركية، إنّ النظام التركي ومن خلفه حزب التنمية والعدالة، أصبح يعاني من حالة فوضى وتخبّط وأزمة داخلية صعبة الى حدّ ما.

داخلياً، يبدو واضحاً في هذه المرحلة تحديداً كما يؤكد بعض معارضي النظام التركي، بأنّ الدولة التركية تعاني أزمة اجتماعية – اقتصادية – ثقافية – سياسية مركبة، فهي اليوم تعيش كدولة على وقع أزمة اقتصادية خانقة، خصوصاً بعد الأرقام الاقتصادية السلبية التي ظهرت مؤخراً، والتي رافقتها سياسة قمعية ينتهجها النظام التركي ضدّ معارضيه، وهذه المؤشرات تؤكد حسب معارضيّ النظام التركي بأنّ النظام التركي بات يمرّ بأزمة ثقة خارجية وداخلية، خصوصاً بعد أن بات حلم تركيا بأن تكون واحدة من أعضاء دول الاتحاد الأوروبي أمراً صعب المنال، وعلينا أن لا ننسى هنا أنّ تركيا بالفترة الأخيرة، بدأت تعاني عزلة إقليمية وضغوطاً دولية بعد فشل الرهان على الإخوان في مصر، وعدم حدوث اختراق ملموس في الملف السوري التي كانت لها فيه، مساحة نفوذ كبيرة، ولها دورٌ بارز بتطوّر أحداثه المتلاحقة على الأرض السورية من خلال نفوذها بدعم ما يسمّى بالمعارضة السورية.

وبالعودة الى ملف الداخل التركي، فاليوم يقرأ بعض المتابعين أنّ النظام التركي أثبت أنّهُ وصل بحواره مع بعض مكونات رئيسية من الشعب التركي الى طريق مسدودة، وخصوصاً بملف السلام مع الأكراد وبالتحديد مع حزب العمال الكردستاني «بي كي كي»، فالأكراد الذين ما زال زعيمهم التاريخي عبد الله أوجلان، والمحكوم بالمؤبد محتجزاً في سجنه الانفرادي في بحر مرمرة، منذ 15 عاماً، مسبّباً فقدان ثقتهم بهذا النظام كما يتحدّثون، بالإضافة الى أنّ النظام التركي بدأ يمارس سياسة مزدوجة المعايير بتعامله مع قوى سياسية مختلفة على الساحة التركية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر حزب «الشعب الجمهوري وحزب «الحركة القومية» – اليميني المعارض، وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وجماعة فتح الله غولن، وخصوصاً بعد إعلان مجموعة من الأحكام والاعتقالات على رموز سياسية ودينية بالداخل التركي، وعلى بعض معارضي النظام خارج تركيا.

فالسياسة البوليسية التي ينتهجها النظام التركي كما يؤكد معارضو هذا النظام الآن بحقّ معارضيه تثبت أنّ النظام التركي في طبيعة الحال، لا يمكن له أن يتبع أيّ نهج جديد، يؤسّس لحالة شراكة وطنية تخدم توفير حالة من الأمن والاستقرار بالدولة التركية، فهو في النهاية وكما يتحدّث معارضوه، نظام إخواني، ليس له فكرة أو أداة أو أرضية أو حاضنة، سوى التحشيد المذهبي والتأزيم الجيو سياسي داخل تركيا بشكلٍ خاص، وبالإقليم بشكلٍ عام، لضمان استمرار بقائه في سدّة الحكم، بالإضافة الى كلّ ذلك، فداخلياً اليوم يعاني الشعب التركي من أوضاع أقتصادية صعبة.

فهناك بعض المكونات من الشعب التركي تعيش أوضاعاً صعبة جداً، فلا يغرّ البعض إنْ شاهد حجم العمران واتساعه ونشاط الاقتصاد الاحتكار الضيّق الذي يُملّك المستثمرين الأجانب ما يزيد على 55 على الأقلّ من حجمه ورأس ماله، فاليوم يعلم أغلب المطلعين على خفايا ما وراء الكواليس، وخصوصاً الخفايا الاقتصادية، وتحديداً خبراء الاقتصاد، يعلمون حجم الأزمة الاقتصادية في الداخل التركي، والتي حاولت حكومة «المستقيل» أوغلو ومن أمامها الرئيس التركي اردوغان إخفاء حقائقها عن الشعب التركي الذي بات يشعر بنتائجها بشكلٍ ملموس بالفترة الأخيرة تحديداً، فهناك اليوم تقارير «غير رسمية» تشير الى وصول ما مجموعه 18 من أصل مواطنيّ المجتمع التركي الى حدود معدلات خطوط الفقر و 5 الى ما دون معدلات خطوط الفقر ببعض المدن التركية، خصوصاً المدن التي يقطنها الأكراد بشرق وجنوب شرق تركيا ديار بكر – موش – بينغول – أورفة -عنتاب- بطمان، فبهذه المدن يظهرُ بشكلٍ واضح الارتفاع في عدد مناطق وجيوب الفقر، وعلى هذا لنقس معدلات البطالة والتضخم ونمو الاقتصاد وحجم الأزمات الاقتصادية مجتمعة، المتولدة عن هذه الأرقام بعموم هذه المدن والمحافظات التركية الـ 81 الأخرى.

أمّا داخلياً أيضاً، أصبح واضحاً بالفترة الأخيرة أنّ الكثير من المؤسسات والجمعيات والأحزاب ووسائل الإعلام المعارضة بالداخل التركي، باتت تفتقد أدنى حقوقها السياسية وحقّها في التعبير عن آرائها وامتلاك حريتها، وكلّ ذلك يتمّ بحجج واهية، والهدف من وراء ذلك هو تكميم الأفواه المعارضة، والتشديد على عمل وسائل الإعلام المعارضة التي بدأت في الفترة الأخيرة بالكشف عن الكثير من ملفات الفساد المتعلقة بالحكومات التركية المتعاقبة، والتي يقودها أو يشرف عليها من سنوات كُثر حزب العدالة والتنمية، والذي وصل إلى الحكم في تركيا عام 2002، ومن هنا يمكن القول إنّهُ بهذه المرحلة ومع ظهور مجموع هذه الملفات، الاقتصادية والسياسية والقبضة البوليسية ومصادرة حرية الشعب التركي وبحجج واهية، وبالإضافة الى الاتهامات العالمية للنظام التركي بتمويل الإرهاب بسورية والعراق تحديداً، فهذه بمجموعها بالإضافة الى الأحكام الجائرة بحقّ المعارضين للنظام التركي، تطرحُ بمجموعها مجموعة تساؤلات عن المصير المستقبلي لحزب التنمية والعدالة، وإنْ كان هذا الحزب سيأخذ البلاد بأكملها مستقبلاً الى حالة الفوضى، والى المزيد من تعميق حالات الانقسامات المجتمعية بالداخل التركي «عرقياً وطائفياً، والى المزيد من التضييق على معارضيّ هذا الحزب.

ختاماً، إنّ المرحلة المقبلة بالداخل التركي، تُنبئ بمزيدٍ من التعقيدات الشائكة بالحالة التركية، وخصوصاً بعد أخذ النظام لوسيلة القمع وتشديد القبضة البوليسية على معارضيه كخيارٍ مستقبلي قابل للتطبيق بجميع المراحل، مما سيعمّق حالة الشرخ بين النظام التركي وبين مكونات كثيرة من عموم الشعب التركي، وخصوصاً هنا مع الاكراد والعلويين الأتراك الذين باتوا يضيقون ذرعاً بسياسة النظام التركي نحوهم، وهي سياسة تهميش واقصاء كما يتحدثون، وهذا ما سيفرز كما يؤكد الكثير من المتابعين نتائج غير متوقعة، ومفاجآت كبرى بالداخل التركي، ستكون هي البداية لخروج حزب العدالة والتنمية من مشهد الحزب المحتكر للسلطة؟ فهل هذا يعني أنّ طموح أردوغان للاستئثار بالسلطة قد سقط!؟ وهنا سأترك الإجابة على هذه الاسئلة للأيام المقبلة، لتعطينا إجابات واضحة عن طبيعة المسار السياسي المقبل في الداخل التركي، لاستيضاح معالم المرحلة المقبلة، وأثرها المستقبلي على الداخل التركي وعلى المنطقة ككلّ…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى