طريق الحلّ السياسي للقضية الفلسطينية مغلق…
محمد شريف الجيوسي
لم تمرّ فترة على القضية الفلسطينية والشعب العربي الفلسطيني أسوأ وأشدّ حلكة من هذه الفترة، منذ أن فكر نابليون يإقامة «وطن قومي لليهود في فلسطين».
ذلك أنّ الدول العربية المنشغلة بالقضية الفلسطينية عادة ولديها الحدّ الأدنى من القدرة على اتخاذ المواقف لصالحها، منشغلة منذ سنوات بهمّها الخاص، حيث تشنّ عليها قوى الإرهاب والظلام والتكفير حرباً همجية مدعومة من المحور الصهيو أميركي الأوروبي الغربي والرجعيتين العربية والعثمانية، هذه الدول هي سورية والعراق واليمن وليبيا والجزائر.
كما أنّ القوى الدولية التي بمقدورها تحقيق حالة من التوازن الإقليمي والدولي منشغلة بالانتصار للدول المستهدفة الآنفة الذكر، ليس دفاعاً عنها فحسب ولكن دفاعاً عن الذات أيضاً، فلو استطاع الإرهاب الانتصار لكان الدور القادم على تلك الدول كـ روسيا الإتحادية وإيران الإسلامية والصين الشعبية ومن بعدها دول «بريكس» وكوريا الديمقراطية، ودول أميركا اللاتينية الصديقة التي عادت القوى الاستعمارية بقيادة واشنطن تحاول الالتفاف على مكاسبها التقدمية وإسقاط قراراتها المستقلة كما في فنزويلا والبرازيل .
أما القوى القومية واليسارية والوطنية والثورية العربية ومعها النقابات المهنية والعاملية، فلم تعد منذ مطلع التسعينيات تمتلك قوة الضغط السياسي على الحكومات، حيث وقعت مصر مبكراً اتفاقية كامب ديفيد مسقطة مكاسب حرب تشرين التحريرية المفترضة، وترك انهيار الكتلة الاشتراكية مفاعيل سلبية على العالم وبخاصة المنطقة العربية، وحصار العراق وما استتبع من توقيع اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة، ثم قرار معاقبة سورية، فلم تعد تلك القوى قادرة على تحريك الشوارع العربية، وتكرّست موضوعياً، في أحسن الحالات، أنظمة قطرية متفرقة وإنْ كانت وطنية.
والأسوأ مما سبق، وكنتيجة له، انقسمت السلطة الفلسطينية على ما هي عليه من هزال، بعد انقلاب حركة حماس في غزة وإعلانها إمارة إخوانية، مستغلة حصولها على أكثرية أعضاء المجلس التشريعي وتعاطف العالم معها جراء الحصار على غزة ومنهية وجود السلطة فيها وقصرها على الضفة الغربية الفلسطينية واضطهاد معارضيها.
وقد قدّم الانقسام خدمة جلى للكيان الصهيوني، فبعد أن كانت إسرائيل ترى في محمود عباس ومحمد دحلان قبل وفاة الرئيس الفلسطيني عرفات، شريكين مناسبين للتفاوض، أصبحت تتذرّع بالانقسام بعد وقوعه، بذريعة أنّ السلطة الفلسطينية في رام الله لم تعد قادرة على التفاوض نيابة عن المنشقين في غزة، وزادت واقعة فصل دحلان الأقرب إلى القبول لدى تل أبيب وواشنطن والغرب بعامة من أيّ قيادي فلسطيني آخر وفي المقدمة عباس في منح الإسرائيليين فرصة إضافية للتحلل من التوصل إلى حلول.
وعندما جرى الاتفاق بين حركتي فتح وباقي الفصائل على المصالحة والعودة للوحدة والاتفاقات العديدة التالية، أخذت إسرائيل بالضغط لكي لا تتحقق الوحدة، فتكرّس التنسيق الأمني بين سلطة رام الله والعدو الإسرائيلي وتكرّس نهج التهدئة مع إمارة غزة الإخوانية.
ووجدت تل أبيب في الانشقاق فرصة لتحقيق متغيّرات جيوسياسية على الأرض، فهي تتعامل منفردة مع كلّ من رام الله وغزة، ما يحقق لها فرض إرادتها بسلاسة أكبر عليهما، وقد اتفقت مع الإمارة على تحديد 100 متر على طول القطاع لا يسمح بدخول الغزيّين به، لكن تل أبيب تمدّدت نحو 150 متراً فيه، وعندما جرت محاولة للالتفاف على الاتفاق بحفر أنفاق، تمكّنت إسرائيل من القبض على عابر من خلال أحدها، أقرّ ببقية النفاق وتمّ هدمها.
وترى إسرائيل ومعها الولايات المتحدة والغرب أنّ التعامل مستقبلياً مع الإمارة الغزية الإخوانية، أفضل بالنسبة لها من التعامل مع سلطة رام الله المفتوحة على مكوّنات سياسية فلسطينية عديدة وترى أي السلطة أنها هي التي تمتلك الشرعية الفلسطينية والإقليمية والدولية، ولها امتداد جغرافي وتعداد سكاني أكبر وإمكانات اقتصادية بالقياس لغزة، وهي عوامل غير مشجّعة من وجهة إسرائيلية.
وحيث إنّ إخوانيّي غزة جزء من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين مكتب الإرشاد العالمي ، فإنّ التوصل إلى اتفاق معهم، سيكون محمياً من إخوانيّي العالم ومكتب الإرشاد العالمي وعابراً للحدود، ما يتيح اعترافاً أوسع بسلطة الاحتلال، وهو ما رأينا مؤشرات سابقة عليه، حيث وعدت قيادات إخوانية سورية بالاعتراف بـ«إسرائيل» في حال تسلّمت الحكم في سورية.
وتمهّد إسرائيل حالياً قبل مدّ نفوذ حماس إلى الضفة، باستكمال بناء المزيد من المستوطنات في القدس وتنزيح المواطنين الفلسطينيين منها بشتى الطرق والوسائل والأساليب، وأسرلة الأغوار الفلسطينية بحيث تلتقي جغرافياً مع مستوطنات القدس اليهودية، وبذلك تفصل إسرائيل جنوب الضفة الخليل وبيت لحم عن شمالها نابلس وجنين وطوباس وطولكرم وقلقيلية فتصبح الضفة ضفتين كانتونين لا سبيل إلى الانتقال من واحدة إلى أخرى منهما، إلا بإذن من تل ابيب أو تهريب ربما أو بإقامة نفق مراقب إسرائيلياً، يوصل بينهما.
بهذه المعاني، لا سبيل لحلّ سلميّ شامل وعادل ودائم!؟ ولا سبيل لحلّ الدولتين، ولا توجد إمكانية لإقامة دولة مختلطة يهودية عربية على كلّ أرض فلسطين التاريخية، فمن يجزّئ الأرض والسكان لن يعمد إلى إقامة دولة واحدة، ومن يقونن يهودية الدولة، فلن يتيح مشاركة الآخرين لها فيها، بل الأرجح إنه يخطط لطرد فلسطينيّي 1948 ولكن على دفعات وبشكل تمييزي بغرض زرع الشكوك بين المكونات الفلسطينية المذهبية والطائفية والإثنية.
ويدخل في نطاق المخطط الصهيوني، نقل الاختلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية حول العديد من القضايا العقدية والسياسية، بما فيها تعميم تجربة غزة الإخوانية خارج حدود فلسطين، بكلّ ما انطوت وتنطوي عليه من أحادية وقمع وتعصّب وتفسيخ لبنية المجتمع، وصولاً إلى مزيد من الانقسامات على مستوى الإقليم، قد تصل إلى إشعال حروب أهلية في بلدان لم تكتو بعد بنيران الخريف الأميركي و«الفوضى الخلاقة».
m.sh.jayousi hotmail.co.uk