خيارات داعش المقبلة: إمارة لبنان أو إمارة الأردن

وليد زيتوني

أصبح واضحاً أنّ تمدّد داعش في المنطقة على حساب الدول الكيانية الموجودة، يحظى بالرضى الأميركي والغربي وبدعم من الأنظمة العربية الدائرة في فلك محور الشر والنهب. وأن الضوابط التي تضعها الإدارة الأميركية على العصابات الداعشية الوهابية هي نوع من ترسيم الحدود بالنار. بدليل ما يحصل في العراق، فالإدارة الأميركية الساقطة من عالم الإنسانية لم تتحرك لمشاهد القتل والذبح والسبي والتهجير لشرائح متعددة من الشعب العراقي، إنما تتحرك بدافع الحفاظ على مصالحها النفطية في كردستان.

وأصبح واضحاً، أنّ الضوء الأخضر الأميركي قد أعطيَ لداعش بتنفيذ مخطط «برنارد لويس»، مشفوعاً بالترهيب والتخويف الإعلامي المتماهي مع الإرهاب الصهيوني التلمودي للعصابات اليهودية في فلسطين. فداعش الأميركية أصلاً ومنشأ، تسير بحسب البرنامج المحسوب بدقة الساعات السويسرية، بحيث لم تكن عملية عرسال الأخيرة إلا استطلاعاً بالدم لقياس متانة الجبهة العسكرية والشعبية في لبنان.

داعش التي ولدت من اللاشيء بحسب البعض، هي بالحقيقة قديمة قدم القاعدة، وقدم بن لادن والظواهري. فيوم أسدل الستار على القاعدة الأفغانية، انتقلت بأمر عمليات سيدها إلى العراق كمحطة إولى وسورية كمرحلة ثانية. لم يكن من واجبات هذه القاعدة إلا وضع يدها على منابع النفط بدلاً من الاحتلال المباشر للقوات الأميركية المكلفة مادياً وبشرياً. وهو ما صرح به العديد من المسؤولين الأميركيين وآخرهم هيلاري كلينتون في مذكراتها التي صدرت حديثاً.

إن ما تقدم يقودنا إلى القول إنّ داعش بوضعها الحالي لا تلبّي كامل متطلبات المشروع الأميركي إذا لم تستحصل على ميناء بحري، يؤمّن لها وبالتالي للإدارة الأميركية نقل النفط بشكل آمن وبأرخص التكاليف. هذا ما استدعى داعش ومن ورائها المشّغل الأميركي إلى تحضير الأرض والعدة والعتاد وإيجاد الصيغ المتاحة لتأمين المطلوب.

أمام داعش الآن خياران لا ثالث لهما لتحقيق هذه الغاية. إما الدخول عبر الحدود اللبنانية للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وهو الخيار الأفضل أيضا للطرف الأميركي، وإما خلط الأوراق في الأردن تمهيداً للوصول إلى البحر الأحمر. على رغم العوائق والتعقيدات التي تعترض تنفيذ مخطط كهذا في أي من الخيارين. إلا أنه يبدو قد أعطي الخيار اللبناني أولوية في التنفيذ، وهو ما حاوله داعش فعلاً في عرسال بحسابات خاطئة على المستوى التكتيكي.

ما حدث في عرسال أذهل أصحاب الشأن، أولاً بفضل بطولات الجيش الذي ظلّ قوياً ومتماسكاً على رغم الحظر القديم والمتمادي في تسليحه وتجهيزه، وعلى رغم حملات الافتراء التي طاولته، خصوصاً من بعض الطبقة السياسية المتواطئة مع هذا المشروع عن معرفة أو عن غايات وحسابات ضيقة، وثانياً بالالتفاف الشعبي الواسع حوله باعتباره المؤسسة الشرعية الضامنة لبقاء لبنان واستمراره. فكانت معركة عرسال معركة وجود وليست معركة حدود كما تصورها البعض. وهو ما دفع بأصحاب المشروع أنفسهم إلى الالتفاف على الانتصار الوطني بمحاولة امتصاصه عبر إعلان مساعدات وهِبات للجيش نؤكد أنها ستبقى غير مجدية وغير فعّالة استناداً لتجاربنا السابقة معها.

ربما ستكشف الأيام المقبلة استهدافات داعش ومن وراءها. هل ستبقى داعش على خيارها اللبناني وبالتالي تعيد الكرة بعد استنهاض الشارع والقوى الموالية لها؟ أم أنها ستذهب باتجاه الأردن وهو الخيار البديل؟

فالأردن الآن في مرجل، والانقسامات التقليدية وغير التقليدية على أشدها. العصابات الداعشية يشتدّ عودها في معان والمناطق المحيطة وعلى طول الحدود الأردنية ـ السورية، السلاح ينتشر والسياسة الأردنية أصبحت في حالة ضياع كاملة. هل يستطيع الأردن مواجهة مشروع الوطن البديل للفلسطينيين؟ أم يواجه حركة داعش المتمددة على حساب السلطة المركزية وصولاً إلى البحر الأحمر؟ الأردن في مأزق وداعش بالمرصاد.

هل ينتصر المشروع الداعشي ـ الأميركي من بلاد الرافدين إلى البحرين الأبيض والأحمر؟ أم تنتصر إرادة الشعب المتمثلة بمقاومة محور النهب؟

إنها اللحظة التاريخية التي تدعونا إلى بذل الغالي والرخيص للحفاظ على وجودنا وعزتنا وكرامتنا الوطنية. إلى الاستقلال الفعلي والسيادة الفعلية والحرية الحقيقية لأمتنا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى