توطين السوريين حقيقة…
روزانا رمّال
تتوالى اجتماعات فيينا لوضع أسس للحلّ السياسي في سورية من دون أن تتضح معالم بداية أو نهاية هذا المأزق الذي بدأ يشكل معضلة دولية يخشى أن يطول البت فيها، فتزداد التعقيدات بازدياد الوقت وولادة عناصر جديدة، فالأزمة في سورية لم تكن أول الأمر كما هي الحال عليه اليوم، لا بعواملها ولا أفرادها ولا اللاعبين فيها، ففي بضعة أشهر يضاف عنصر جديد ويضخ في الساحة السورية لم يكن مسبقاً أحد أوجه الاستقرار فيها أو حتى الحرب، فـ»داعش» على سبيل المثال احد المواليد الجدد للأزمة، ومثله بعض الكتائب والفصائل الأخرى التي لم تكن موجودة بالأسماء والصفات التي هي عليها اليوم.
كذلك لم يكن الإيرانيون لاعبين بارزين أو مباشرين في الساحة السورية، ولم يكن حزب الله أيضاً واحداً من البنادق المعلن عنها هناك، فالحزب لم ينضمّ إلى الميدان في العام الأول من الأزمة، تركيا أيضاً عزّزت حضورها المباشر وباتت أحد عناوين الشمال السوري، بالإضافة إلى ملفّ الأكراد، ومن ثم التدخل الروسي العسكري المباشر…
كلّ هذه عناصر خلقتها إطالة الأزمة، فازدادت تعقيداً، لكن بالنسبة للبنان تبقى أزمة أساسية اختلقت بتتابع مع تلك المذكورة خضت الدول الغربية والأوروبية على وجه الخصوص، وحركت المنظمات والقوى الدولية والوجوه الأممية نحو لبنان وهي أزمة النازحين السوريين.
تقدّم رئيس وزراء بريطانيا فيليب هاموند نحو لبنان بزيارة سريعة جاب فيها على مخيمات اللاجئين، فتبعه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بزيارة مشابهة متخطياً حتى غياب رئيس للجمهورية رامياً كلّ الحسابات الديبلوماسية والشكليات، وكان أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون قد حلّ ضيفاً لثلاثة أيام في البلاد للأمر عينه، كلّ هذا يحكي الكثير عن هذه الأزمة التي تعتبر على ما يبدو صفارة إنذار الدول الكبرى في مرحلة الإرهاب و«الإسلاموفوبيا» التي تعيشها أوروبا من المتشدّدين الذين هاجموا مراكز حيوية واستهدفوا مدنيين عزلاً في أحداث دموية مثل تلك التي جرت في فرنسا وبلجيكا…
تتحدث المصادر الديبلوماسية في فيينا عن قلق بالغ من الملف وعن «حيرة» تحيط بالمسؤولين الغربيين بين اولوية البت في مصير النازحين بالبلدان المجاورة او بين حلّ الازمة سياسياً، من دون أن يكون بنداً اساسياً عليها، فيتمّ التفرّغ لاحقاً للموضوع لكونه إنسانياً، ولهذا السبب تكثفت الزيارات إلى البلدان التي تضمّ نسبة اكبر من اللاجئين مثل لبنان والاردن وتركيا، ويبدو ان القرار النهائي بالملف لم يتخذ بعد بسبب عدم الاتفاق على مخرج للأزمة يرضي الدول المضيفة.
الأبعاد السياسية والأمنية التي تسيطر على الحكومات الغربية هي نفسها تلك التي تسيطر على الدول المضيفة، فلبنان مثلاً غير قادر على تحمّل فكرة استيعاب عدد من السكان يضاف إلى تعداده الذي يعني تأمين خدمات صحية ومعيشية غير ممكن الاستحصال عليها إلا عبر المساعدات والهبات الدولية، وهذا أيضاً لم يعد مطروحاً في كواليس مباحثات الحلّ السياسي في سورية، حسب توضيح وزير خارجية لبنان جبران باسيل، الذي حضر اجتماعات مؤتمر فيينا، فهو لفت الانتباه إلى أنّ هذا الملفّ مهمل بشكل كبير، لكنه لفت أيضاً إلى نقاط خطيرة جداً تؤكد على جدية التوجه نحو توطين اللاجئين في الدول المضيفة.
يقول باسيل إنه استمع إلى بيانات عديدة والى مواقف ممثلي دول أوروبية ودول عظمى، وأنهم يطرحون سيناريوات مريبة بشأن الموضوع، مثل السعي إلى إبقاء اللاجئين في البلاد المجاورة مع سورية، والسعي إلى التخلص من فكرة الهبات الدولية والتوجه نحو إيجاد حلول تؤمّن معيشة أكثر استقراراً لهم مثل وظائف أو أعمال أو غيرها تجعلهم يتوجّهون نحو الثبات أكثر في البلدان التي يعيشون فيها، فينضمّون إلى نسيجها تدريجياً… التوطين ليس فزاعة، هذا ما يؤكد عليه باسيل ويتحدّث بقلق بالغ عن مطالعته للملف.
مصدر متابع للملف مقرّب من سورية يقول لـ«البناء» إنّه يمكن الاستفادة من ملف النازحين السوريين بطريقة عكسية مما هو مطروح اليوم، أو ما يظهر على انه ملفّ يعقد الحلول الدولية للازمة السورية، وذلك عبر جعله مادة ضاغطة على المجتمع الدولي تؤدّي إلى تسريع الحلّ السوري بدلاً من إطالة مدى المباحثات، وهنا يجب على الحكومات وأبرزها الحكومة اللبنانية وممثليها في المؤتمرات السياسية المرتبطة بالملف التمسك بموقفها الرافض بشكل قاطع لأيّ طرح أو عرض أو هبة يكون ثمنها التوطين. فالموقف الثابت في هذا الإطار يتكفل وحده الإسراع بتذليل العقبات التي تعرقل الحلّ كي يعمل على عودة جزء أساسي من النازحين السوريين إلى بلادهم وتفريغ المخيمات.
كلام المصدر يستحضر تصريح باسيل بعد خروجه من جلسة الحوار الذي يقول فيه «متفقون على رفض التوطين لغير اللبنانيين»، لكنه يتساءل: ما هي الإجراءات التي تقوم بها الحكومة؟
كلام وزير الخارجية يشير إلى قلق حقيقي يدور بهذا الإطار ويستوجب على أساسه التأكد من موقف الحكومة الرافض لأيّ شكل من أشكال التوطين المخفية.
عقدة النازحين السوريين تشكل أيضاً عند «الإسرائيليين» استثماراً ناجحاً قادراً على خلق بؤرة أمنية خارجة عن الشرعية الدولية تمكنها الاستخبارات «الإسرائيلية» من التغلغل فيها او الجماعات المتطرفة، فتنطلق منها وعبرها لتنفيذ مهمات أمنية فتزعج حزب الله بأكبر قدر ممكن وتصبح ورقة لاعبة بالأمن الداخلي…