هل تؤسس المناورات المحيطة إلى تدخل برّي في سورية؟

شارل أبي نادر

ما يسترعي الانتباه ويجدر التوقف عنده في ما يجري في المنطقة حالياً، وخاصة في المربع الصاخب ما بين العراق وسورية والأردن وتركيا، إنه بالإضافة للغليان العسكري والأمني في كلّ من العراق وسورية وما يواكبه من مشاريع تمتدّ ما بين طروحات حول حلول سلمية مقترحة في مفاوضات غير واضحة المعالم إلى خطط ومشاريع قرارات بالحسم العسكري تتوزع أطرافه وأهدافه تبعاً لخارطة الميدان الملتهب، تجري مناورات عسكرية لافتة من خلال جنسية الدول المشتركة ومن خلال الأسلحة والقدرات العسكرية المستعملة ويمكن قراءتها كالتالي:

مناورة «الأسد المتأهب» في الأردن بين وحدات أميركية وأردنية، تجري للمرة السادسة على التوالي وتشترك فيها وحدات برية وبحرية وجوية وترمي إلى التدرّب على تنسيق الجهود لتنفيذ عملية عسكرية مشتركة تهدف لتأمين مناورة دفاعية لحماية الأراضي الأردنية من أيّ اعتداء، أو لتأمين مناورة أمنية عسكرية مركبة تهدف لمواجهة أية أعمال إرهابية قد تطال سيادة الأردن وسلامته.

المناورة المشتركة في تركيا بين 11 دولة منها الولايات المتحدة الأميركية وتركيا وألمانيا وقطر وأذربيجان والمملكة العربية السعودية، وبوحدات برية وبحرية وجوية ووحدات خاصة بالاقتحامات والتدخل السريع، وبأسلحة متطورة ولافتة ومنها 8 طائرات سعودية من نوع تورنيدو الانكليزية الصنع والتي تُعدّ من أكثر الطائرات فعالية عالمياً، حيث هي طائرة قاذفة ومقاتلة في الوقت نفسه، وتتميّز بتجهيزات متطوّرة في الرصد وتعقب الأهداف والقدرة على الإفلات من الرادارات ومن صواريخ جو – جو وأرض – جو، وما يميّزها أيضاً، حيث يعتبر مناسباً للتدخل في ميادين قريبة من الميدان السوري شمالاً، هو قدرتها على تنفيذ إقلاع وهبوط سريع وفي مجال قصير نسبياً بحيث لا تحتاج إلى مطار مخصّص لذلك، كما تستطيع التحليق على علوّ منخفض جداً وبسرعة عالية، وتهدف هذه المناورة ومن خلال تصريح قائد التمرين من الجانب السعودي العقيد البحري علي الشهري إلى: «تعزيز الأمن والاستقرار والاستعداد لمواجهة التنظيمات الإرهابية وإبراز القدرات والكفاءة القتالية».

في المبدأ، أهداف المناورات تكون أهدافاً تدريبية وعسكرية واستراتيجية، والأهداف التدريبية والتي تتمثل بالتدرّب والتمرّن على تنسيق الجهود العسكرية والتكتيكية لتحقيق أهداف عسكرية كالمدافعة عن الحدود والسيادة، أو لمهاجمة أراضٍ واحتلالها بهدف السيطرة على دولة أو على منطقة داخل دولة وفرض إرادة وشروط معيّنة عليها، والتي تؤدّي بالتالي إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية، واللافت هنا أنّ أغلب الدول المشتركة في المناورات في الأردن أو في تركيا ومنها الولايات المتحدة الأميركية وتركيا وألمانيا وأذربيجان والمملكة العربية السعودية التي انضمّت مؤخراً إلى هذا النادي، هي دول لها تاريخ معروف بشنّ الحروب واحتلال أراضي دول أخرى مجاورة لها أو بعيدة عنها، بواسطة قواتها الذاتية أو بواسطة مجموعات ومنظمات مسلحة إرهابية أو غير ذلك، فما هو الرابط بين هذه المناورات وبين ما يجري في الميدانين العراقي والسوري؟

بالعودة إلى الميدانين السوري والعراقي وما يجري من معارك دموية عنيفة بمواجهة «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية التي تدور في فلكه قالباً وقلباً، فلا يمكن للوحدات الأميركية الذهاب حتى النهاية في الضغط على الجيش العراقي وتأخير حسمه المعركة ضدّ «داعش»، فهذا الجيش يتقدّم ولو ببطء وسيستعيد السيطرة تباعاً على مواقع لـ«داعش» في وسط وشمال وغرب العراق، وهو الآن على الطريق للسيطرة على أكثر مواقع التنظيم الإرهابي أهمية في غرب الأنبار وعلى الحدود مع سورية في الرطبة الاستراتيجية وامتداداً إلى القائم الحيوية للتنظيم.

في المقابل، هذه السيطرة المتقدّمة للجيش العراقي في أراضيه سوف تؤثر سلباً على «داعش» في أماكن تواجده في سورية من خلال الارتباط الحيوي المباشر لوحدات التنظيم الإرهابي ما بين سورية والعراق، وهذا سيؤدّي حتماً، ومع الفعالية والقدرة الواضحة التي اكتسبها الجيش السوري بعد استعادة السيطرة على تدمر بدعم واضح من القوات الروسية إلى تشديد الضغط والخناق على انتشار «داعش» في كلّ من دير الزور وامتداداً إلى الرقة معقله الرئيسي في سورية، خصوصاّ أنّ الوحدات الروسية برهنت عن استعداد وجهوزية فعالة في دعم الجيش السوري ومساندته في معركته ضدّ الإرهاب وخاصة ضدّ «داعش».

هذه المعادلة المعقولة حول هزيمة «داعش» والتي قد تظهر فجأة على الميدان العراقي السوري المشترك، طبعاً لن تنال رضى أغلب هذه الدول التي تشترك الآن وبفعالية في المناورات المحيطة بالعراق وبسورية، خصوصاً أنّ هذه الدول التي ستكون غير راضية هي من المؤسّسين والداعمين الحقيقيين لـ«داعش»، حتى ولو ادّعت عكس ذلك، وعدم الرضى هذا سوف يترجم من خلال مناورة خبيثة تحت غطاء مخادع تمتلكه، وهو التحالف الدولي والإقليمي لمحاربة الإرهاب، وخاصة «داعش»، عبر تنفيذها تدخلاً برياً مزدوجاً في سورية، الأول من الأراضي الأردنية عبر الرطبة جنوب غرب العراق وامتداداً داخل سورية والسيطرة على أماكن تواجد «داعش» حالياً على مجرى نهر الفرات الحيوي من القائم وحتى دير الزور وأريافها الشمالية والشمالية الغربية على حدود محافظة الرقة، والثاني من الحدود التركية عبر أماكن تواجد «داعش» بين جرابلس واعزاز، والتقدّم إلى مدينتي الباب ومنبج في ريف حلب الشمالي وامتداداً عبر دير حافر فمطار الطبقة حتى مدينة الرقة.

بالرغم من أنّ هذا التدخل البري سيحمل غطاء دولياً مشبوهاً، تفرضه شرعية الأمر الواقع حيث يتواجد «داعش» في تلك الأراضي المستهدفة، والتي تخرج عملياً الآن عن سيطرة وسيادة الدولة السورية، سوف يلاقي بالطبع مقاومة عسكرية من قبل الجيش السوري وحلفائه، ولكن هذه المقاومة لن تكون كافية من الناحية الميدانية والعسكرية لمنعه من الانتشار السريع في تلك المناطق نظراً للإمكانيات الضخمة التي سوف تُؤمّن له، وحيث إنه سيتمّ من خلال عملية قد تكون أشبه بتسليم وتسلّم بين عناصر التنظيم الإرهابي وبين الوحدات البرية المتدخلة والتي سيكون عمادها مبدئياً قوات قطرية وسعودية لديها قدرة وخبرة وإمكانية للتفاهم والتنسيق مع «داعش»، حيث إنها ليست بعيدة عنه كونه ربيبها وصنيعتها، سوف يؤسّس لربط نزاع ديبلوماسي دولي وإقليمي واسع يشترك فيه بالطبع الروس والأميركيون والأتراك والإيرانيون والخليجيون، بالإضافة إلى الجيش السوري وحلفائه، وتكون نقاطه الأساسية إيجاد تسوية سياسية، نظراً للواقع الميداني الذي سينتج عن هذا التدخل البري، ترعى جميع النقاط موضوع الخلاف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى