سورية… بين الدمار وإعادة الإعمار

 

د. هلا علي

هل ستنتهي الحرب على سورية؟ سؤال يجر سؤالاً آخر: لماذا بدأت الحرب على سورية؟ وهنا لا بد من البحث في السبب الاقتصادي لتلك الحرب. الاقتصاد توأم السياسة، وأعتقد أنه الدافع الأول إنْ لم يكن الوحيد لشنّ الحروب، وهذا ما أكده الباحث البلجيكي ميشال كولون حيثُ وجد أنّ أميركا تخوض الحروب في الشرق الأوسط للسيطرة على المواد الأولية. فالحرب بدأت لغايات اقتصادية وستنتهي إنْ تحققت تلك الغايات أو تمّ إجهاضها.

إنّ ما يواجه سورية والأمم المنكوبة بالحروب اليوم هي القوى الاستعمارية القديمة التي فقدت كلّ أمل في نظامها المالي الغربي، مستخدمة الإرهاب وسياسة تغيير الأنظمة السياسية. سورية دفعت ولا تزال تدفع ضريبة المحاولة في السير إلى الأمام.

في 25 نيسان/ أبريل 2010 أعلنت سورية أنها أغلقت بشكل كامل ملف الديون الخارجية، وذلك بعد توقيع اتفاقية تسوية مع بلغاريا لحلّ ديون تبلغ قيمتها 71 مليون دولار وبتوقيع هذه الاتفاقية تكون دمشق قد أغلقت ملف الديون الخارجية بشكل نهائي، حيث كان يقضي الاتفاق بأن تدفع سورية نحو 17 مليون دولار من أصل نحو 71 مليون دولار لبلغاريا، كتسوية توافقية لتصفية الدين.

وشهد الاقتصاد السوري مرحلة من النمو الحقيقي المستقر في الفترة بين 2006 و2010، وذلك بمعدل وسطي قدره 5 ، وكانت تلك إحدى أعلى نسب النمو المسجلة في إقليم الشرق الأوسط وفقاً لبيانات البنك الدولي. وقبل شهر آذار/ مارس من عام 2011 كانت الليرة السورية محتفظة بقيمتها أمام الدولار الأميركي حيث كان كلّ دولار أميركي يعادل 45 ليرة سورية، أما بعد الأزمة فقد وصل الدولار إلى مستويات فاقت التوقعات.

ولعلّ المقارنة تبيّن لنا مدى تأثير الأزمة على الاقتصاد السوري. فالإطلاع على تلك الأرقام السابقة لفترة الحرب على سورية كافٍ ليثبت مدى الانتعاش الذي كانت سورية تشهده اقتصادياً، وبالتالي مدى الاستياء الغربي المساوي والمعادي لهذا الانتعاش.

يعود انخفاض الليرة السورية، حسب آراء المحللين والخبراء الاقتصاديين، إلى عاملين اثنين الأول داخلي، فالاضطرابات الأمنية في أيّ مكان من العالم تؤدي إلى خلق حالة من الاختلال في سعر الصرف وارتفاع الأسعار، وهذا وضع طبيعي. أما العامل الثاني فخارجي، وقد جاء نتيجة الضغوطات التي تمّت ممارستها وما زالت مستمرة على سورية، وهذه الضغوطات شملت إيقاف استيراد البترول والذي كان يُشكل الداعم الأكبر للدولار الداخل إلى سورية، بالإضافة للمُقاطعة التي فُرضت على المصرف المركزي والمصرف التجاري السوري، تُضاف إلى ذلك المواقف السياسية لبلدان عربية معينة وما يجري من سوق مضاربة مالية تؤثر سلباً على الاقتصاد السوري.

لم تتوقف الآثار السلبية للأزمة السورية عند تراجع الليرة فحسب بل تراجعت معظم المؤشرات الاقتصادية وانخفاض حجم الإنتاج والناتج المحلي وتراجع معدل الصادرات ونمو القطاعات الاقتصادية، إضافةً إلى تزايد الواردات وارتفاع البطالة إلى نسب غير مسبوقة. المشكلة تكمن في أنّ كلّ سنة من سنوات الأزمة ترتبت عليها ضريبة اجتماعية واقتصادية، إضافة إلى تفاقم آثارها التي وصلت إلى مرحلة تعقدت فيها الظاهرة الاقتصادية. وأنّ أرقام ما قبل الأزمة تشير إلى أنّ الناتج المحلي الإجمالي كان ينمو بمعدل وسطي خلال السنوات التي سبقت الأزمة بحدود 3 إلى 6 ، ولو تمّ الحفاظ على ذلك لكان يمكن للناتج المحلي الإجمالي أن يسجل معدلاً للنمو قدره 3 إلى 4.2 .

كما أنّ تراجع الإنتاج دفع الدولة إلى الاعتماد على الاستيراد بشكل أساسي لتلبية الاحتياجات الأساسية، وهذا أدّى إلى زيادة العجز بشكل كبير. والسؤال الذي يتبادر إلى أذهان السوريين سواء المواطن العادي أو الاقتصادي المعنيّ بحلّ الأزمة أو السياسي: كيف يمكن وضع حدّ لهذا التدهور الاقتصادي؟ كيف يمكن إعادة إعمار الاقتصاد السوري؟!

إنّ إيجاد حلّ للأزمة المالية عامة وأزمة الاقتصاد السوري على وجه الخصوص يتمّ عبر سياسة إصلاح للبنوك. إنّ استراتيجية البنك الدولي الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تهدف لدفع المنطقة نحو الاستقرار والسلام ومحاربة الفقر والبطالة. وتعتمد على أربعة محاور هي تجديد العقد الاجتماعي وتنمية القطاع الخاص بما يؤدّي إلى تنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وخلق فرص عمل ومكافحة بطالة المتعلمين. ذلك بالاضافة إلى التركيز على ضرورة زيادة التعاون الإقليمي بين دول المنطقة خاصة في مجال تحسين جودة التعليم وكفاءة الطاقة، ومكافحة فقر المياه الذي يتفاقم مع التغيير المناخي وزيادة السكان.

ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين أنّ النظام الائتماني هو النظام الأمثل للخروج من الأزمات الاقتصادية وذلك لقدرته على استثمار الطاقات الفردية والمؤسساتية وضمان استمرار هذه الطاقات المنتجة المستقبلية. وتشير خطة لاروش الاقتصادية الشهيرة، وكذلك معهد شيللر للدراسات الاقتصادية إلى أهمية هذا النظام الائتماني في حلّ الأزمات الاقتصادية المرافقة واللاحقة للحروب. ويستشهدان بنموذج الولايات المتحدة الأميركية التي ما كانت لتخرج من أزمتها الاقتصادية بعد استقلالها عن بريطانيا في القرن الثامن عشر لولا هذا النظام. وإنها ما كانت لتقع في أزمات جديدة إلا لأنها تركت العمل بالائتمان.

ويبقى ربما أن نشير إلى أن الشعب والأرض والموارد الطبيعية هي طاقات كامنة هائلة إذا ما تمّ استخدامها وتسخيرها على النحو الموجه والمدروس بما يضمن تجاوز الأزمات الاقتصادية التي تواجه أية دولة خاضت حرباً على أرضها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى