كي تبقى في الذاكرة
إعداد: لبيب ناصيف
رغبت منفذية بيروت 1 ان تكرّم مجموعة من الأمناء والرفقاء ممّن استمروا على التزامهم ونشاطهم الحزبيين وباتوا في عمر متقدّم.
في العدد 1077 20 أيار 2006 نشرت مجلة «البناء- صباح الخير» على صفحة الغلاف الخارجي صورة للرفقاء المكرّمين، مع نص الكلمة التي ألقاها باسمهم الأمين لبيب ناصيف، وكان يتولى في تلك الفترة مسؤولية عميد شؤون عبر الحدود.
نص الكلمة
«في هذه المدينة، بيروت، التقى ذات يوم من عام 1932 مجموعة شبان كانوا خمسة، تلاقوا على ان يخرجوا من عتمة الليل الطويل الى نور بدأ يشعّ. رفعوا اليمنى. في داخل كلّ منهم صوت يطلع. قال لهم ذلك الذي كان يحملُ المصباح في يده وعيناه تطلقان اليقين:
ماذا تريدون؟
قالوا صوتاً واحداً: على هَديكّ نريد أن نكون قوميين اجتماعيين، وأمامه رفعوا اليمنى، تمتم كلّ منهم في قلبه قبل أن تخرج الكلمات، وراحوا يقسمون.
كانوا خمسة ذات صباح، ثم 15 بعد أشهر، ثم 30، ثم مئات، فآلاف، فعشرات الآلاف، فالمئات من الآلاف على مدى الوطن، كلّ الوطن، وعلى مدى كلّ أصقاع العالم. فحيثما وُجد سوريون وُجد سوريون قوميون اجتماعيون.
من بيروت كانت الانطلاقة ذات يوم، ومنها الى كلّ قرية ومنطقة في بلادنا. بل الى كلّ عائلة وعشيرة وطائفة ومذهب، لقد دخل الى كلّ قلب يرفض الخضوع والانصياع والانحناء، ويتوق الى كلّ جديد. فلا طائفة عصت على الحزب ولا مذهب ولا قرية ولا عشيرة ولا حيّ في مدينة. فيها كلها كان هناك رفقاء، وهتافات لسورية وزوبعة حمراء وأشبال وزهرات يكبُرون. الذين قالوا لسعاده قبل ان يؤسس حزبه: «إنك واهم ولا تعرف حقيقة ما فعلته عهود الانحطاط بشعبك ولا ماذا يفعل فيه الفرنسيون. خير لكَ أن تعود حيث كنت. عد الى البرازيل التي كانت رغبت الجالية فيها ان تبقيك لديها. هؤلاء الناصحون لم يعرفوا حقيقة شعبنا كما عرفها سعاده، لم يغوصوا في أعماقه، لم يدركوا أصالته، لم يؤمنوا مثله انّ في النفس السورية كلّ علم وكلّ فلسفة وكلّ فنّ في العالم. لذلك لم يصدّقوا أنّ هذا الحزب، رغم حراب الفرنسيين، رغم مخابراتهم، رغم من تواطأ معهم من أبناء شعبنا، كما يفعل الآن المتواطئون، أنّ هذا الحزب استطاع أن ينمو، أن ينتشر، أن يواجه، أن ينتصر على السجون والقهر والملاحقات والتعذيب والمعتقلات وسيتمكن أن ينتصر مهما توهّمت الزواحف انها اقوى من النسور، أو تراءى للثعالب أنها باتت هي الأسود.
خسئ كلّ من يتوهّم انه قادر أن يلغي هذا الحزب. لأهونَ له أن يلغي الهواء والأرض والمياه.
فهذا الحزب باتت جذوره في عمق شرايين الأرض، هو، أولئك الآلاف من الصبايا والشباب والأشبال والزهرات يهتفون كلّ يوم لحياة سورية، هو، في الآلاف الآلاف من الذين وهبوا أنفسهم أن يكونوا لحزبهم سيفه وترسه وحرابه. هو، هذا الجيل الذي قال مع سعاده «ان الدماء التي تجري في عروقنا ليست ملكاً لنا بل هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها»، فخذي يا أمتنا ما شئت فدماؤنا سخية دافقة ولا تنضب. وهو أيضاً هذا القرار الذي عمره 74 عاماً: انّ هذا الحزب وُجد ليبقى، لينمو، ليشعّ دائماً ولينتصر… وهو سينتصر.
وخسئ ايضاً كلّ من يعتبر أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي دخيل على بيروت وطارئ على أهلها. نقول له انّ بيروت أديب قدورة، وابراهيم يموت، ومنير الحسيني، ومحمد راشد اللادقي، ومحمود الخالدي، ومحيي الدين كريدية، وطارق اليافي، وخضر سلام، وعادل عيتاني، وسليم شاتيلا، وخليل محيو، ومحمد الادلبي، وابراهيم صندقلي، ومحمود شبارو، وماجد الناطور، وهاني بلطجي، وعثمان ارضروملي، وسعيد شهاب الدين، وعبدالرحمن بشناتي، ومحمد يوسف حمود، وزكريا اللبابيدي، وبشير فاخوري، وعبدالرحمن عكاوي، ومحيي الدين الفيل، واحمد مفتي، ورستم فخران، وعاصم الداعوق، وعدنان طيارة، ومحمد سلطاني، ورامز كساسير، ومصطفى خوسون، ورجا خولي، وادمون حايك، ونقولا قباني، ونقولا طراد، وسليم بتلوني، ونقولا فياض، وولسن مجدلاني، وجورج بشور، وحبيب الحلو، ومرسال غانم، ومتري العقاد، ونعيم ابو شعر، وادوار توتنجي، ومارون حنينة.
ومثلهم ايضاً الأمناء والرفقاء المكرّمون، وجميعكم أنتم يا رفقاء ورفيقات منفذية بيروت. بيروت هذه، تعرف جيداً الحزب السوري القومي الاجتماعي، لقد عرفته في مواقع القتال لا في مقاهي التسلية، عرفته في مقارعة الفرنسيين وعملائهم، عرفته عندما كان اليهود يتمشون في بيروت فأرداهم ابن بيروت الرفيق الشهيد البطل خالد علوان فيما كان غير القوميين الاجتماعيين… يتآمر مع العدو ليأتي به رئيساً للبلاد.
باسمي، وباسم الأمناء الجزيلي الاحترام والرفقاء المكرّمين، نشكر لكم حضوركم، ونتقدّم بالشكر من منفذية بيروت التي رغبت بمبادرتها هذه أن تؤكد على أنّ الحزب وفيّ لكل من ناضل في صفوفه وأعطى وضحّى وبقي راسخاً رغم كلّ شيء.
«أما الشكر الأول فهو لكَ يا سعاده… فعلى هديك التقينا ونلتقي وسنستمرّ، باسمك نهتف وباسم سوريانا نقسم. عهد لك أنّ نورك سيبقى يضيء ما دامت في أمتنا عتمة وظلمة، عهد أنّ الأيدي ستبقى ترفع اليمنى في كلّ قرية ودسكرة، سيبقى هتافنا مدوياً مهما «اشتدّت الصعاب وازدادت المحن، وسنستمرّ مهما تآمر المتآمرون نهتف لمجدك يا سورية، ولو تراكمت جثثنا على طريق الحياة لتطأها الأجيال الطالعة سلماً نحو قمم المجد والنصر الأكيد».
هوامش
1 ـ كان الأمين توفيق مهنا يتولى مسؤولية منفذ عام بيروت.