ترامب وكلينتون وساندرز رفعوا «الحصانة» عن السعودية

روزانا رمّال

ليست المرة الأولى التي تتقدّم فيها للكونغرس الأميركي مشاريع قوانين معاقبة السعودية على دعمها للتطرف، أو تمويل ونشر فكر الجهادية والوهابية في الولايات المتحدة الأميركية، حسب الوارد في أرشيف الكونغرس الأميركي، ما يشير إلى أزمة فكرية مزمنة تعيشها الرياض تطرح سؤالاً كبيراً «لماذا لم يتمّ التداول بهذه الطروحات بالشكل الجدي الذي يطرح اليوم بشأن أحداث 11 ايلول 2001؟ وهل كانت السعودية خاضعة لنظام حماية حينذاك ساهم فيه الرؤساء بالتعاقب؟

عام 2007 قدّم مسؤول بارز في مجلس الشيوخ الأميركي صيغة قانون تجري مناقشته في أروقة المجلس يقضي بمحاسبة السعودية ومعاقبتها «ما لم تغلق بشكل دائم كلّ المنظمات الوهابية» العاملة في أراضيها، حسبما جاء في المصدر، وكان بعنوان «قانون محاسبة المملكة العربية السعودية لعام 2007» مقترح مقدّم من السناتور الجمهوري البارز حينها أرلن سبيكتر. يحاول القانون في نسخته الموزعة على كبار أعضاء الكونغرس تشجيع حكومة الرياض على «إنهاء دعمها للمؤسسات التي تموّل وتدرّب وتحرّض وتقدّم المساعدة والتغاضي عن الإرهاب».

المعلومات هذه تشير إلى علاقة قديمة تدركها واشنطن بمسؤوليها وهي تجمع الإرهاب والسعودية في خانة يمكن أن تفسّر اليوم ماهية الحرب التي اجتاحت الشرق الأوسط والهجوم التكفيري المنظم إلى حدّ بعيد والقادر على التوقف عند حدود ومناطق معينة من ثمة استكمال الهجوم والتوسع في لحظات بدت كثيرة الفوضى بذهن المواطن العربي الطامح للتغيير.

تقول رئيسة مجلس الشيوخ الأميركي نانسي بيلوسي آنذاك والتي زارت دمشق في العام نفسه، والتي لا تزال تحظى زيارتها برمزية لدى السوريين، وفي ما يتعلق بالتشدّد السلفي في السعودية أنّ القانون يطالب الرئيس الأميركي بتقديم شهادة دورية أمام الكونغرس تفيد أنّ السعودية «قد أغلقت بشكل دائم كلّ المنظمات الوهابية في السعودية».

إلى جانب إيقاف تدفق الأموال والتبرّعات من أفراد أو جماعات أو منظمات إلى كلّ الجماعات الإرهابية والمتشدّدة خارج المملكة وداخلها. كلّ هذا يحمله تاريخ المطالبة بمعاقبة السعودية وهو ما لم يحصل، فالرئيس الأميركي كان غالباً متحفظاً أو متجاهلاً لفكرة جعل هذا الطرح إشكالية محلية، مع العلم أنّ عام 2007 لم تكن أول محاولات محاسبة السعودية، بل سبقها ثلاث أخرى منذ عام 2003 أمام مجلس الشيوخ.

وتناول القانون في أجزاء رئيسية منه غياب الحرية الدينية في السعودية إلى جانب الدور السعودي السلبي في العراق وتمويل الجماعات الإرهابية في الخارج.

يذكر تقرير أميركي متابع للقضية أنّ السيناتور الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا أرلن سبيكتر الذي سبق وذكرناه كأحد أبرز من طرحوا الملف، وهو أيضاً أحد أبرز زعماء الكونغرس تأثيراً ونفوذاً في حينه وبقي رئيساً للجنة القضائية فيه، طالب في وقت سابق بفرض عقوبات منها حظر تصدير السلاح للسعودية وتحديد حركة الدبلوماسيين السعوديين العاملين في الولايات المتحدة ما لم يقدّم الرئيس ما يفيد بتعاون السعودية.

اليوم يصوّت مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع على ما أسماه «قانون العدالة ضدّ رعاة الإرهاب» ليفتح مواجهة حتمية مع السعودية، وهنا أكد البيت الأبيض أنه بصدد الاعتراض على مشروع القانون.

سينتقل المشروع من مجلس الشيوخ إلى مجلس النواب، حيث تعتزم اللجنة عقد جلسة استماع لمناقشته في المستقبل القريب، كما أفاد مساعد في اللجنة القضائية.

هذا التطوّر الكبير يؤكد نهاية مرحلة طويلة من التعقيدات والألغاز بين واشنطن والرياض، فجزء من المطروح حول نشاط السعودية في محاولات أعضاء كثر من الكونغرس تقديم مشاريع قوانين منذ عام 2003 حتى اليوم 2016 يؤكد على الكثير القادر على الإجابة على كلّ ما بدا مبهماً بين الدولتين ويطرح القواسم المشتركة القادرة على تأسيس حلف بين السعودية والولايات المتحدة بشكل أوضح.

يتحدّث الشارع الأميركي اليوم، وخصوصاً إعلامه بشكل لافت عن العلاقة بين الطرفين، ويناقش مسألة وضع فتاوى التكفير والتحريض على العنف في العالم الإسلامي ضمن مسؤوليات رجال دين سعوديين، مع الإشارة إلى أنّ النسبة الأكبر من المتطرفين الذين قدموا إلى سورية والعراق هم سعوديون، وهنا يعزز كلام الرئيس باراك أوباما هذا الأمر بشكل أدقّ في حديثه لمجلة «اتلانتك» الأميركية «بعقيدة اوباما»، حيث قال للصحافي جيفري غولدبرغ إنّ جزءاً كبيراً من أئمّة المساجد المتطرّفين أرسلتهم السعودية للتدريب في مساجد أندونيسيا وباكستان وغيرها من العالم الإسلامي. وهنا لا بدّ من استذكار سوء التفاهم «المتكرّر» الذي كان غالباً يأتي على لسان نائب الرئيس جو بايدن، والذي يصبّ في الإطار نفسه، ويتمحور حول دعم دول خليجية على رأسها السعودية الفكر التكفيري بالمنطقة، وحينها لم يلبث أن قدّم البيت الأبيض توضيحاً أو قام بايدن بنفسه بتصحيح هذا الأمر الذي شكل استفزازاً كبيراً للمسؤولين السعوديين، وأبرزهم الراحل سعود الفيصل.

الأهمّ اليوم بعد الانتخابات الأميركية ترجمة العلاقة تحديد العلاقة السعودية الأميركية التي تبني عليها الرياض الكثير من الآمال، لكنها تصطدم اليوم وبشكل صريح بموقف كلّ من المرشحين الديمقراطيين هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز، ومفاده إعلان دعمهما لمشروع القانون الذي قدّمه السناتور الديمقراطي شاك شومر ونظيره الجمهوري جون كورنين.

رفعت الحصانة وسقط معها الرهان على الاستفادة من أيّ تغيير رئاسي أميركي يؤثر إيجاباً على المملكة بعد إعلان صريح لنيات لم يعد مهماً تنفيذها بقدر تشكيلها رسالة كبرى وصلت حتماً لمن يعنيهم الأمر في المملكة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى