واسيني الأعرج: «حكاية العربي الأخير 2084» جرس إنذار لمستقبل منطقتنا
يتجاوز الروائي الجزائري واسيني الأعرج، لغته الأولى. فهو أشبه بمتنقل دائم في عناصر الرواية، لكن بعدّة سفر لا تشبه الرحلات السابقة. يؤرخ الكاتب، في روايته الجديدة، «حكاية العربي الأخير 2084»، المستقبل. إنه يطلّ عليه، بنظرة استشرافية، لمعرفة ما سيحل في مستقبل المنطقة العربية.
واعتبر في الندوة التي نظّمها منتدى شومان الثقافي وأدارتها الناقدة رزان إبراهيم أن التاريخ هو عام 2084 الذي يثير انتباه القراء لرواية عام «1984» للكاتب الروائي البريطاني جورج أورويل، حيث يظهر التناصّ والإيقاع مع رواية «حكاية العربي الأخير» في ما يتعلق بالمآلات والنهايات، عكس الأحداث. إذ إنّ أوريل كان متفائلاً ثم أصبح متشائماً بينما هو أخذ التشاؤم إلى التفاؤل.
وقال إن أورويل استشرف روايته في نهاية الحرب العالمية الثانية، بينما كانت أوروبا تعيش لحظة الفرح وتحتفي بانتصارها ودحر النازية، مشيراً إلى أن الكتّاب عادة يندمجون في لحظة الفرح ويدبجون لها. وكان غريباً أن يأتي أحدهم وهو أورويل، لكي يعلّق الجرس. ويقول هناك ما هو آت وإن الحرب الباردة مقبلة، وسطّر تلك التحذيرات في روايته «1984» التي أنشأ فيها نصّاً إبداعياً خارقاً للحظات لم يعشها، مجبولاً بنظرة استشرافية ونار التشاؤم.
وإذ بنى جورج أورويل روايته على هذه المفارقة التي ذهب فيها من حالة التفاؤل إلى التشاؤم فإن رواية «حكاية العربي الأخير» تذهب من لحظة الرماد إلى لحظة أشدّ رماداً. وقال إن المغامرة في هذا النوع من الكتابة الاستشرافية تخلق نوعاً من ردود الفعل عند القرّاء، مشيراً إلى أن من يقرأ رواية «حكاية العربي الأخير» سيصادف بعضاً من شخصيات أورويل، ولكن بشكل مقلوب، كما سيصادف جزئية التاريخ وجزئية حكاية هذا العربي الأخير، حيث تتجلى الخطورة في كلمة «الأخير» كإسهام حضاري.
وقال إنه لكتابة روايته احتاج إلى مراجعات ولجوء للوثائق والمراجع العلمية والتاريخية، مشيراً إلى أن بطل الرواية اسمه «آدم» وهو عالم في الفيزيائيات يعمل في مختبر في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية، وإنه اختار في روايته «العربي الأخير» الإيقاع والسردية البوليسية بما يماثل أسلوبية رواية «اسم الوردة» لأمبرتو إيكو وغيره، مبيناً أن اسم بطل الرواية «آدم» يحمل رمزية بدء الخليقة بما تتضمّن من مدلولات.
وحول الصورة التي يرسمها الغرب عن الإنسان العربي قال الأعرج: «يصوّر الغرب الإنسان العربي على أنه غبيّ وعاجز وهذا ليس صحيحاً، ولكن العربي لا يعمل على تحسين صورته في الغرب، الذي يصوّر العربي في السينما العالمية على أنه إنسان متخلّف وغبي. كما تحدث الأعرج عن الحروب والأخطار التي تحيط بالعالم العربي مستقبلاً، مثل «حرب الماء»، مشيراً إلى «سدّ النهضة»، الذي أقامته إثيوبيا على نهر النيل، حيث يلتهم هذا السدّ ثلث مياه النيل الذي يمتد بين مصر والسودان، والمشاكل التي ستحصل للزراعة بسبب هذا السدّ. مشيراً إلى أن رواية «حكاية العربي الأخير» هي جرس إنذار للمستقبل.
الناقدة إبراهيم قالت: «إن كان فعل الكتابة في الرواية يشبه جلوساً فوق كرسي الاعتراف والبدء بكلام صادق يكشف لنا عمّن نكون وماذا يجب علينا أن نفعل الآن وغداً، فظنّي أن الرواية حتى إن لم تكن تمنح إجابات سهلة هي خارج دائرة مهامها، إلا أنها تفتح الأبواب واسعة طارحة التساؤلات تباعاً، عبر سرد يقرع الأجراس عالياً بغية التحذير من فناء واندثار، في زمن صار العربي فيه كما السائر على وجهه هائماً بلا بوصلة في بحر هائج.
وفي الرواية دعوة تأتي منسجمة ومزاج القارئ العربي، في زمن اضطرابات غير عادي، تزعزعت فيه ثقتنا بسياسي يخطط ويفتح آفاقاً مستقبلية هدفه تلقين المتلقي بهدف التسليم والإذعان، أو حتى الدخول في بطولات وهمية تبدو أحياناً شكلاً من أشكال البلاهة».
وأشارت أيضاً إلى أن رواية «حكاية العربي الأخير» لواسيني الأعرج ترفض نزعات التناحر والتدمير، وتتطلع على نحو جادّ إلى تشكيل وعي نقدي تجاه كل فئة ظالمة تعكّر صفو الحياة وتسيء إليها، وهو ما ينسجم والرهان الكبير للروائي على كلمات من شأنها زرع المحبة وتجبير شقوق الروح في زمن عربي صعب تغدو فيه رواية مثل «حكاية العربي الأخير» فسحة مناسبة لتأمل ذواتنا العربية، في خضمّ صراعات ثقافية سياسية معقدة، أو لعلها تكون سبيلاً من سبل الاقتراب من حقيقة مهما كانت هذه الحقيقة معتمة. ولفتت إلى أن الأعرج اختار انخراطاً في شهوة الكتابة لا تقلّ عن شهوته للحياة، فإن براعة أدبية ملموسة ما كان لها أن تحضر بمنطق فانتازي يغادر قوانين الحياة إلا لتقول الحياة نفسها، فهو من أولئك الذين اختاروا العيش بكل حواسهم وفتحوا حواراتهم مع نصوص سردية كبيرة قالت الكثير عن اشتراطات حياتية إنسانية بروح كونية هي أساس كل أدب عظيم يحكي الألم الجمعي ويعبّر عنه.
يشار إلى ان الأعرج أكاديميّ ويشغل منصب أستاذ في جامعتَي «الجزائر المركزية» و«السوربون» في باريس، وهو معروف بسيرة إبداعية طويلة وحاصل على عدد من الجوائز من جهات ثقافية متعدّدة آخرها جائزة «كتارا للرواية العربية» عن فئة الرواية المنشورة، وجائزة أفضل رواية قابلة للتحويل إلى عمل درامي، التي حظيت بها رواية «مملكة الفراشة».
ويشار إلى أن روايته «حكاية العربي الأخير 2084»، صادرة عن «دار الآداب» ـ بيروت.