غزّة في سوق النخاسة القطرية- التركية
فهد المهدي
في غمرة الإخفاقات السياسية والأخلاقية المتتابعة للعائلة الحاكمة القطرية المولودة من رحم المجهول، والحرباء السامة المتلوّنة المتمثّلة بـ «أردوغان»، رئيس وزراء تركيا، وهما متحالفان مع تيار الإسلام السياسي، وتحديداً مع جماعة «الإخوان المسلمين» في طول المنطقة وعرضها، وتعصيان التفسير والتحليل بسبب تنقلهما المستمر بين المواقع السياسية المتقابلة، من النقيض إلى النقيض، وتعاظم دورهما باطراد منذ اندلاع حوادث ما يسمى بـ»الربيع العربي»، وهما رعاته الأساسيين والداعمين له والماكنات لتفريخ الإرهابيين ونشرهم بغية زعزعة دول لا مصلحة معها سوى إعلان العداء للكيان الصهيوني الذي تربطهما به علاقات اقتصادية ودبلوماسية ودفاع مشترك!
العدوان «الإسرائيلي» لغزة وتورّطه في رمال متحركة فتح سوق النخاسة القطرية التركية على مصراعيه ليكشف لنا أغرب علاقة شهدها التاريخ مع الكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية، فاستمرّ التمثيل والضحك على ذقون الشعوب العربية والإسلامية، واستغباؤها ساري المفعول في ظل موقف يدعي دوماً وقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية كدعاية تغطي حجم انغماس قطر وتركيا مع الكيان الصهيوني.
رائحة السياسة الكريهة والعهر السياسي الفاضح من الإمارة «الإسرائيلية» مستضيفة قواعد الأميركيين، وأول دولة مستبدة وتابعة بامتياز منذ اعترافها بـ «إسرائيل» عام 1949 تركيا، تفوح من سوق نخاستهما لتزداد نتانة بقيادات كنا نعتبرها سابقاً مقاومة، لكن بعد تورطها في مستنقع الخزي والعار ورغبتها في الفنادق وتخليها عن الخنادق على رغم إدراكها أكثر من غيرها أن قطر وتركيا تنفذان الأجندة الصهيونية، وأن ما يحصل راهناً في غزة مفتعل ومخطط له، جعل من هذه القيادات الباب الشرعي لهذه السوق.
سوق النخاسة التي فتحت تحت عنوان مبادرة قطرية ـ تركية ما هي سوى كلمات عابرة وتصريحات زائفة حول حقيقة خفية وصفقات تحت الطاولة ضحيتها الأولى والأخيرة غزة، لتشيّع شهداءها بحفنة من الكلمات تزف وتسوّق لتضليل الرأي العام، خاصة في ظل امتلاك قطر وتركيا ترسانة إعلامية كبيرة تمكّنهما من تسويق الزيف على أنه حقيقة.
على رغم أنّ الكيان الصهيوني يعلن عدم رغبته في دخول هذه السوق ويطالب بإزاحة المبادرة كونها تتبنى مطالب المقاومة، إلاّ أن هذا الكيان يعلم أن «الأخوّة» بينه وبين قطر مثلما عبر عنها وزير الخارجية القطري عطية في المؤتمر الدولي في ميونيخ، وأن تاريخ تركيا الذي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن مواقفها تتطابق مع مواقف «إسرائيل» تماماً، فيثق تمام الثقة بهما كونهما أفضل شريكين يضعان السم في العسل، فالصورة الوردية التي يقدمها تجار الدماء في قطر وتركيا، ويصدقها بعض السذج من نخبتنا، تظهر الحقائق أنهما يسعيان راهناً إلى اغتنام الفرصة لوضع غزة في سوق نخاستهما لتبدأ فيها حرب المزايدات وتصفية الحسابات، بينما يترقب الصهاينة آخر «سعر» تباع به غزة!
المشروع السياسي والعسكري الذي يفرضه الكيان الصهيوني على غزة والذي يجد له قواسم مشتركة مع تركيا وقطر مستغلين الحالة العصيبة التي تمر بها الأمة العربية وحالة الذهول والصدمة التي تسيطر عليها، فضح بلدان المجون السياسي ومشاركتها في سفك الدم الفلسطيني، ففتحت أسواق لصرف الأنظار عن مجازر الصهاينة في غزة ولإيجاد تبريرات للعدوان، كي تكتمل صفقات المتاجرة الدنيئة في ما بينهم.
سوق النخاسة القطرية التركية طعنة من خنجر مسموم لغزة وللشعب الفلسطيني، لتوفير الغطاء والوقت للعدوان الصهيوني وتبرير عدوانه وإخفاء مجازره البشعة، فدولتا العهر تبيعان نصر المقاومين للقتلة، وتُظهر لهم حقيقة انقسامهم، وتشعرهم بالارتياح، وتفتح لهم المجال لتبرير عدوانهم بأنه دفاع عن النفس من إرهابيين!
غزة الجريحة التي فجّرت القيح المتراكم في دّمل دول التبعية وتجار الحروب، صوتها مرتفع راهناً، وسقف مطالبها يتجاوز سائر آمال المتربصين بها، فجذور مشكلتها مع خونة باعوها منذ زمن بعيد رضوا بالوضاعة وتسنّموا مقعداً رفيعاً فوق قمة الذل، وما يحصل في سوق نخاسة الكلاب الضالة والمسعورة من مزايدات وصفقات على حساب دماء الشهداء، خدمة للمصالح الصهيونية التي تستبيح غزة ساعة تشاء، لن يكتب لذلك الاستمرار طويلاً، فمن باع القدس كيف له أن يشتري غزة؟ ومن تلطخت يداه بدماء العرب في ليبيا وسورية واليمن والعراق وأنفق المليارات على المتطرفين والتكفيريين ودنس الكرامة العربية والإسلامية، وسمّم الأرواح وشوّه التاريخ، أنّى له أن يكون لغزة ناصراً؟