«إمارة عرسال الداعشية» سقطت قبل الإعلان عنها

حسين الديراني

قبل بدء المعركة في عرسال، كانت مئات العيون من مختلف التنظيمات الإرهابية، من جبهة «النصرة» إلى «الجيش الحر» إلى «داعش» تخطط لما يسمونه بـ«تحرير القلمون» وربطه بعرسال وإعلان «الإمارة الاسلامية» وتنصيب أبو حسن الفلسطيني والياً على الإمارة، معتمدين بذلك على عدة عوامل ومتغيّرات في المنطقة، أوّلها «نشوة» النصر الخاطف والمدبر الذي حققته «دولة داعش» في الموصل ونينوى في العراق، وربطها جغرافياً بمحافظة الرقة السورية التي تحولت لاحقاً الى «دولة الخلافة الإسلامية» وتنصيب أبو بكر البغدادي خليفة للدولة المزعومة.

ثانيها، عودة المقاتلين العراقيين الذين كانوا يقاتلون إلى جانب الجيش العربي السوري وحزب الله في القلمون إلى العراق لصد الهجوم «الداعشي» الذي كان يهدف إلى الاستيلاء على بغداد، وصولاً إلى احتلال النجف وكربلاء وهدم المراقد المقدسة مثلما ورد على لسان الإرهابي «الداعشي» أبو محمد العدناني. وثالثها، انشغال الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الحرب الدائرة على غزة وجعلها الأولوية في الاهتمامات الاستراتجية بعد العراق وسورية. ورابعها، «نشوة» الكمين الذي نصبه المسلحون الإرهابيون في جرود نحلة – رأس المعرة – فليطا القلمون وسقط فيه عدد من شهداء وجرحى لحزب الله في 13 تموز الفائت، على رغم سقوط مئات من المسلحين بين قتيل وجريح نُقل معظمهم إلى مستشفيات عرسال والبقاعين الأوسط والغربي.

هذه العوامل كلها أسالت اللعاب في أفواه جميع الفصائل المسلحة الإرهابية التي تتحصن في جرود عرسال بعد فرارها من المناطق المحررة في القلمون، إذ بدأت الخطة بجمع قواهم والاستعداد لمبايعة أبو حسن الفلسطيني الذي يعمل تحت راية «الخليفة» أبو بكر البغدادي، ثم خوض معركة كبرى «لتحرير القلمون» والهجوم لاحقاً على البلدات والقرى التي تحتضن المقاومة في السلسلة الشرقية من لبنان من اللبوة شمالاً وصولاً إلى علي النهري جنوباً، فتكون عرسال عاصمة الإمارة من دون المشاركة في القتال.

مقابل مئات العيون التي كانت تخطط لهذا المشروع الجهنمي كانت ألوف العيون تسهر وتراقب وتستعد لسحق هذا المشروع قبل انطلاقه، فشن حزب الله بمساندة الجيش العربي السوري عدة هجمات استباقية على معاقل المسلحين وقتل المئات منهم، واستولى على مرتفعات استراتجية، وقطع أوصال المسلحين بحيث باتوا محاصرين يلتفون حول بعضهم البعض في مساحة طولها 40 كيلومتراً وعرضها 10 إلى 17 كيلومتراً، ولا منفذ لهم سوى مدينة عرسال اللبنانية التي كانت المأوى والملجأ للمسلحين الإرهابيين مطمئنين إلى عدم مهاجمتها لما لها من حساسية في الوضع اللبناني المعقد بالطائفية والمذهبية، بحيث أن مهاجمتها تغدو اعتداء على «أهل السنة والجماعة» وهذا ما تتجنبه المقاومة والدولة، إضافة الى طائرات «أيوب» التي كانت تراقب تحركات المسلحين وتحصي أعدادهم وأعداد الوجبات الغذائية التي كانت تنقل إليهم من مدينة عرسال.

عندما ضاق الخناق على قادة المسلحين قام أبو حسن الفلسطيني بشن هجوم على مواقع الجيش اللبناني داخل مدينة عرسال وخارجها بعد إلقاء الجيش اللبناني القبض على الإرهابي في «دولة داعش» أبو أحمد جمعة المطلوب للعدالة اللبنانية، ما دفع باقي التنظيمات المسلحة التي كانت على وشك مبايعته الى إلقاء اللوم عليه، ومما ورد في المواقع الإلكترونية التابعة لـ»عرسال الآن»: «لقد ثبت لنا أنك عميل مع حزب الشيطان فبدلاً من أن تنقل المعركة إلى اللبوة وبعلبك الشيعية نقلتها إلى عرسال السنية»، والكلام موجه إلى أبو حسن الفلسطيني.

بعد الاعتداء على الجيش اللبناني في عرسال، ليس مثلما قبله. المعركة الآن بحجم الوطن وليست معركة «الدواعش» مع حزب الله وبيئته الحاضنة. فالاعتداء هو على لبنان كلّه جيشاً وشعباً ومقاومة، وعدد شهداء الجيش اللبناني وجرحاه لن يكون ثمنه استعادة المخطوفين من قوى الجيش والأمن اللبناني، وإذا كانت عودتهم مرهونة بإنقاذ الإرهابيين من العقاب فستكون خيانة لدمائهم الطاهرة، وهذا الإنقاذ يعمل له «دواعش» لبنان الذين باتوا معروفي الهوية وبينهم نواب في البرلمان اللبناني، تحديداً الثلاثي كبارة ـ الضاهر ـ المرعبي المنتمي إلى تيار «المستقبل» وبعضهم من يعمل في الخطوط الخلفية تحت وزارة أو إدارة لبنانية، والانقسام الداعشي في لبنان داخل تيار المستقبل بات ظاهرا بين من هو سعودي وقطري تركي، وكذلك باتت لـ«دولة داعش» في لبنان «هيئة علماء» يتزعمهم الشيخ سالم الرفاعي تعمل جاهدة لإنقاذ الارهابيين الذين اعتدوا على الجيش اللبناني والإفلات من العقاب، وعلى الدولة اللبنانية رفع الحصانة عن النواب الثلاثة الذين يهاجمون قيادة الجيش الوطني ويجاهرون بدعمهم «دولة» البغدادي.

معركة عرسال التي كانت بمثابة انتحار للجماعات التكفيرية الإرهابية سوف تنتهي بهزيمة نكراء لهم من دون تدخل حزب الله مباشرة في المعركة، فالجيش الوطني اللبناني الذي يجمع على دعمه معظم الشعب اللبناني وقادته السياسيين ويتمتع بغطاء دولي كفيل بإنهاء المعركة لمصلحته وسحق وردع المعتدين، وبذلك تكون «إمارة عرسال الداعشية» سقطت قبل الإعلان عنها.

على من ساهم في اختطاف القوى الأمنية اللبنانية ألاّ يخرج من دون عقاب، فمصطفى الحجيري المعروف بـ»أبو طاقية» والمسؤول عن اختطافهم وإذلالهم لا يستحق سوى غرفة مظلمة في سجن رومية يمضي بقية عمره فيها مع السجناء الإرهابيين.

المشهد العرسالي بات منقسماً على نفسه بعد إلقاء اللوم على أبو حسن الفلسطيني وتحميله مسؤولية الفشل في إدارة المعركة. وسوف تتحوّل المعركة إلى معركة بين التنظيمات الإرهابية المسلحة في القلمون وجرود عرسال، فكل طرف يحمّل الطرف الآخر مسؤولية الهزيمة، ووردت معلومات مؤكدة عن مقتل الإرهابي «الداعشي» أبو حسن الفلسطيني في القلمون خلال اشتباكات بين «جبهة النصرة» و«داعش».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى