عدوان غزة ومآلات الصمود
إياد الجرّاش
تستمرّ «إسرائيل» في عدوانها على غزة أرضاً وشعباً وثقافة، بعدتها وعديدها، وبشراسة لا تعرف التراجع إلاّ تحت ضربات المقاومين وصمودهم. في حين تدور المفاوضات في مصر كأنها تحاك في ظل أصوات الدمار!
أدركت «إسرائيل» بعد حرب تموز 2006 أن تغييراً جذرياً في استراتيجيات المقاومة طرأ وسيتطوّر سريعاً جداً، ما يقتضي منها تغييراً في استراتيجياتها للتمكن من تسجيل نقاط في حروبها القادمة مع المقاومة في لبنان أو فلسطين. وهذا ما أشار إليه المحلل العسكري الأميركي ماكس بوت من مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة في مقالته بتاريخ 4/1/2009 إذ قال: «إن «إسرائيل» لن تحسم المعركة على نحو تام بل ستكرر هذا النوع من الحروب منخفضة المستوى لأعوام عدة وربما لعقود عدة». هذا فعلاً ما تنتهجه «إسرائيل» حيال المقاومة منذ حرب تموز 2006. وبذلك تجد المقاومة نفسها ليس أمام مشروع محدّد زمنياً، إنما أمام استراتيجية متواصلة ذات صلة بطبيعة «إسرائيل» وعدم استعدادها لقبول فكرة التعايش مع كيانٍ فلسطينيٍّ مستقلٍّ ومع محيطٍ عربيٍّ مكافئٍ. لذا استغلت الظرف الإقليمي المضطرب وغياب دول خط المقاومة سورية والعراق وانشغال حزب الله بالحرب في سورية وانشغال إيران بإنجاز اتفاقها النووي، لتنفيذ حلقة جديدة من حلقات حربها ضد المقاومة، آملةً في تحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل في الآتي:
إسقاط حماس مادياً وعسكرياً مع بقية الفصائل وجعلها عاجزة عن إعادة بناء نفسها عسكرياً من جديد.
تهديم البنية التحتية في غزة لتحويلها إلى ورقة تفاوض من خلال مشروع إعادة الإعمار، مقابل نزع السلاح، وبذلك تعمل على تدجين الوعي الفلسطيني وأسره اقتصادياً، بالتالي يتم عزله مع الوقت عن المقاومة اجتماعياً وثقافياً.
فرض تهدئة طويلة الأمد، وذاك ما يسعى إليه نتنياهو دوماً في سياساته، حتى في أوقات الحرب.
القيام بمفاوضات مباشرة من خلال الوسيط المصري، وبذلك تُأسر جميع أطراف المقاومة.
لطالما تميزت تكتيكات المقاومة حيال «إسرائيل» بنموذج حرب العصابات الذي يرتكز على تنظيم دقيق واتصال رفيع بين المقاتلين وقدرة كبيرة على التطور والتلاؤم مع الجغرافيا والسلاح، لذا كان استخدام الأنفاق في الحرب تطوّراً وعامل مفاجأة حاسماً لمصلحة المقاومة، منحها إمكان فرض توقيت المعركة، ما أرغم «إسرائيل» على إعادة النظر في سقف أهدافها وفي تأثير القوى الإقليمية المحيطة بها، كما دفعها إلى التهدئة والهدنة ولو موقتاً ريثما تعيد ضبط إيقاع الحرب أو تستعيد التوازن نسبياً، علماً أنَّ صواريخها على غزة لم تشكل أي ضغط نفسي على أهل القطاع، على رغم الخسارة في الأرواح والقتل والدمار وعلى رغم كل ما تفرضه «إسرائيل» من حصار خانق على أهل القطاع، بل زادتهم تمسكاً بالمقاومة وتأييداً لها، ما انعكس رعباً مقيماً في نفوس المستوطنين «الإسرائيليين» وضغطاً أمنياً ونفسياً سيبقى بعد الحرب لسنوات. ستستمر «إسرائيل» في عدوانها، وتستمر المقاومة في صمودها وفي الدفاع بصبر وأناة ودقة وانسجام عسكرياً. على أمل أن تتهيأ الظروف يوماً ما للتحول من المقاومة إلى حرب تحرير شعبية واسعة تشمل أرض فلسطين كاملة. ولكن ما تخشاه «إسرائيل» في كوامن وعيها الشعبي والاستراتيجي أن يفلت زمام إنهاء المواجهة والحرب من يدها مثلما أفلت زمام بدء هذه الحرب، نظراً إلى ما تخفيه المقاومة من مفاجآت تؤرق القادة والسياسيين في «إسرائيل».
أعادت المقاومة ترسيخ مفهوم الانتصار في الوعي العربي، ففعل المقاومة بحد ذاته انتصار، وثقافة المقاومة هي ثقافة انتصار، وكل مدافع عن وطنه منتصر، في فلسطين وسورية ولبنان والعراق. إنها بؤر المقاومة والانتصار ومواقع التصدي والتحدي والصمود، ضدّ أميركا و«إسرائيل»، وضد جميع ظواهر التاريخ الشاذة مثل «داعش» وأمثالها، ولنا في حوادث التاريخ عبرة ودروس.