خارج الأصول الدستوريّة والتعامل بين الدول!
نور الدين الجمال
اعتبرت مصادر سياسية أن هبة المليار دولار من المملكة العربية السعودية إلى لبنان لدعم المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، عنوانها الرئيسي سياسي بامتياز، خاصة لناحية وضع هذه الهبة في حساب النائب سعد الحريري، فهذه سابقة خطيرة على المستويين الدستوري والقانوني ولم تحصل في تاريخ تقديم هبات من دولة إلى دولة أخرى إلا عن طريق الحكومات، وهذا ما لم يحصل. ولذا لا يمكن وضع هذه الهبة إلاّ في خانة التعويم السياسي للنائب سعد الحريري ولتياره السياسي الذي بدأ منذ بداية الحوادث في سورية يعاني مشاكل داخلية بلغت درجة وضع فيها بعض نواب تيار «المستقبل» في الشمال أنفسهم جنباً إلى جنب مع الأهداف التي تعمل لـ«تحقيقها» المجموعات الإرهابية التكفيرية وإيجاد المبررات والذرائع لها حيال الأعمال الإجرامية التي ترتكبها داخل الأراضي اللبنانية، ولم يجرؤ تيار «المستقبل» ولا النائب سعد الحريري على وضع النقاط على الحروف بالنسبة إلى المواقف العدائية والعلنية للنواب الشماليين الذين ينتمون إلى «المستقبل» ولم يتخذ أي تدبير في حقهم بشأن تلك المواقف من المؤسسة العسكرية واتهام الجيش اللبناني بمواجهة السنّة في عرسال، وهذا غير صحيح على الإطلاق.
تضيف المصادر السياسية متسائلة: بأي صفة يحضر النائب الحريري لقاءات مع القيادات الأمنية والعسكرية بحضور رئيس الحكومة تمام سلام، حتى لو كانت الهبة باسمه، فهذه سابقة خطيرة أخرى ترتكب في حق المؤسسات الدستورية في لبنان، وكان الأجدى بالمملكة العربية السعودية لو كانت فعلاً حريصة على تقوية ودعم الجيش اللبناني وباقي القوى الأمنية أن تضع هذه الهبة في حساب الدولة اللبنانية عبر المصرف المركزي أو في حساب المؤسسة العسكرية، لكن أن توضع في حساب سياسي لبناني فهناك أكثر من علامة استفهام تطرح فالنائب الحريري في هذه الحالة هو الذي يختار كيف توزع الهبة السعودية للأجهزة الأمنية والعسكرية، وليس الحكومة اللبنانية من خلال وزيري الدفاع والداخلية وقائد الجيش العماد جان قهوجي!
تلفت المصادر السياسية باهتمام إلى ما سبق الإعلان عن هبة المليار دولار، كالاتصال الذي حصل بين الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس السابق ميشال سليمان الذي لم تعد له أي صفة رسمية بحسب تعبير تلك المصادر ، لاستنكار ما حصل من أعمال إرهابية في بلدة عرسال، وعلى هذا الصعيد ترى المصادر السياسية أن المطلوب على صعيد العلاقات الرسمية بين البلدين أن يحصل مثل هذا الاتصال إما مع رئيس الحكومة لكون الحكومة مجتمعة تملأ الفراغ الرئاسي، وإما مع شخصية مارونية مسؤولة في هذه المرحلة ومتمثلة بقائد الجيش العماد قهوجي. وطالما أن هذا الأمر لم يتحقق، فهذا يعني أن العلاقة السعودية مع لبنان تتم عبر جهات مقربة منها وليس من خلال المؤسسات الدستورية، هذا شكل جديد في التعامل بين دولة ودولة أخرى، والهدف النهائي منه تعويم تلك الجهات سياسياً.
عن المرتقب على صعيد حل مسألة عرسال، تشير المصادر السياسية إلى أنه في غياب التنسيق الفعلي والمباشر بين الجيشين اللبناني والسوري في مواجهة عدو مشترك متمثل في المجموعات الإرهابية، سيبقى الوضع في عرسال ومحيطها خاضعاً لأجندة تلك المجموعات والجهات التي تشغلها، فالجيش اللبناني في ظل القدرات التي يملكها تصعب عليه مواجهة «داعش» و«النصرة» والقضاء عليهما، لذا لا بد من حصول التنسيق والتعاون على المستويين العسكري والاستخباري بين لبنان وسورية للقضاء بصورة نهائية على تلك المجموعات الإرهابية.
في هذا السياق، تؤكد المصادر السياسية أن بعض السفراء الأوروبيين نصحوا الحكومة اللبنانية بوجوب التنسيق مع سورية وإن بصورة غير مباشرة لمواجهة «داعش» و«النصرة» وباقي فصائل الإرهاب والتكفير، كما أن هؤلاء السفراء أبلغوا المسؤولين اللبنانيين أن حكوماتهم تتواصل مع القيادة السورية، وثمة تفكير جدي لديها في إعادة فتح بعض السفارات في سورية، فهل تقبل الحكومة تلك النصائح؟